بعد 87 عامًا.. «الحاجة زبيدة» تتحرر من قيود الأمية
أصدرت الهيئة العامة لتعليم الكبار ومحو الأمية، بيانًا إعلاميًا اليوم، بشأن إعلان الدكتور محمد ناصف، رئيس الجهاز التنفيذي للهيئة العامة لتعليم الكبار ورئيس مجلس إدارة المركز الإقليمي، تحرر زبيدة عبدالعال من الأمية.
واستقبل ناصف السيدة زبيدة، وبرفقتها تهاني عبدالقوي، مدير عام فرع الهيئة العامة لتعليم الكبار بمحافظة المنوفية، ترافقهم الدكتورة سوزي صبحي، وكيل وزارة التضامن بمحافظة المنوفية، من أجل تكريمها وتسليمها شهادة محو الأمية، معلنًا تحررها من قيد الأمية والانطلاق إلى سماء العلم.
وتعود أحداث قصة البطلة زبيدة إلى ما قبل 87 عامًا، إلى عصر الملكية، فتاة تدعى زبيدة عبدالعال من محافظات الوجه القبلي، وقفت أمامها العادات والتقاليد حجرة عثرة في الالتحاق بالتعليم، تكالب عليها الفقر والجهل أيضًا، إذ كان والدها لا يؤمن بأهمية تعليم الإناث، حتى شاءت الأقدار أن تنتقل إلى قرية "دكما" بمركز شبين الكوم، بمحافظة المنوفية.
تزوجت زبيدة وأنجبت أربعة من الذكور وأربعة من الإناث، توفى عنها زوجها وترك لها ثمانية من الأولاد، ولم يترك لها من حطام الدنيا إلا أربعة قراريط تزرعها وتربي منها أولادها؛ أحسنت تربيتهم وتزوجوا جميعهم.
عاشت رحلة طويلة من المعاناة تحتاج تفاصيلها إلى مؤلفات من الكتب، عاصرت الملكية وتوالت عليها عصور جميع رؤساء الجمهورية حتى وقتنا هذا، متعها الله بموفور الصحة والعافية.
تمتلك- على كبر سنها- روح الدعابة وخفة الظل وفنون الرد الفكاهية، وذاكرة قوية – حفظها الله ورعاها- تستطيع أن تؤرخ لتسعة عقود قد خلت.
لم يمنعها كبر سنها، ولا مرضها، ولا خفوق إحدى عينيها، ولا مرض في إحدى رجليها، لم يمنعها كونها أم لثمانية أولاد، وأنها جدة لثلاثة عشر حفيدًا، من الرغبة في التعليم، ولم يقتل كل ذلك شغفها وحبها في التعليم، لم يمنعها الخوف من كلام الناس، والأمثلة الهدامة كالتي نسمعها ويرددها البعض مثل (بعد ما شاب ودوه الكتاب)، (والتعليم في الصغر كالنقش على الحجر، والتعليم في الكبر كالنقش على الماء) إلى آخره من محبط الكلام، ولم تبالِ نظرة الناس إليها في هذه السن أثناء عملية التعلم.
رفضت زبيدة أن يأتي إليها العلم، بل رفضت أن تتعلم في الستر ودون معرفة الناس، رفضت أن تأتيها الميسرة (المعلمة) التي أهلتها وأعدتها لها الهيئة العامة لتعليم الكبار بالتعاون والتنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعي إلى بيتها؛ لتعليمها، تقديرًا لها ولسنها الكبيرة، بل أصرت أن تذهب هي إلى العلم، وهي مؤمنة بأن العلم لا يأتي، بل يؤتى إليه.
لم تمنعها آثار الزمن التي ظهرت في تجاعيد وجهها ونحافة جسدها من الالتحاق بفصول محو الأمية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، تلك الجهة الشريكة للهيئة العامة لتعليم الكبار، والتي تسهم بشكل فعال في قضية محو الأمية.
كانت تقطع مسافة ليست بالقصيرة من بيتها للوصول إلى فصل محو الأمية بالبلد المجاور لها، سيرًا على الأقدام أحيانًا، وأحيانًا أخرى كانت تمتطى دابتها، التي كانت تنتظرها حتى تفرغ زبيدة من أداء درسها، من أجل أن تجلس على مقاعد الدارسة (الدكة التي يجلس عليها أطفال المدارس في المدرسة)، تلك الأمنية التي لطالما حلمت بها منذ الصغر، وحرمت منها لأسباب سبق ذكرها.
تقترب زبيدة كل يوم من تحقيق حلمها، كانت تجتهد حتى أصبحت تجيد القراءة والكتابة، لم يكن سبيلها في التعليم هو الحصول على شهادة محو الأمية، لا، بل تحقيق حلم حرمت منه منذ صغرها، التحرر من قيد الأمية، الخروج من ظلمات الجهل، الوصول إلى نور العلم، لمواصلة التعليم والتعلم.
تحررت الجدة زبيدة لتصبح باعثة للأمل والتفاؤل، لتصبح رمزًا نباهي ونفاخر بها؛ لتضرب مثلًا للعزيمة والإصرار والتحدي، للتغلب على الصعاب.
وتحررت الجدة لتصبح حديث وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك وسائل الإعلام: المرئية، والمقروءة، والمسموعة محليًا وعالميًا حيث كرمتها الهيئة العامة لتعليم الكبار برئاسة الأستاذ الدكتور محمد ناصف وكذلك محافظ المنوفية اللواء «إبراهيم أبوليمون»، وكذلك وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، ولم يفت هذا الأمر على الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي كرمها في اليوم العالمي للمرأة، واختيرت الأم المثالية هذا على المستوى المحلي.
أما عن المستوى العالمي، فجاءت اللفتة الإنسانية من الممثلة أنجلينا جولي، ممثلة وصانعة الأفلام أمريكية والأعلى أجرًا في هوليوود، والتي تُعرف بأعمالها الخيرية الكثيرة، نشرت جولي صورة للحاجة زبيدة وهي في لجنة الامتحان عن طريق خاصية الاستوري عبر صفحتها بموقع "إنستجرام" كنموذج ناجح تقدمه لجمهورها الذي تفاعل بشكل لافت مع الصورة، والذي يصل عدده إلى 14.3 مليون متابع.