«رسالة الإمام».. فصول من المحبة المتبادلة بين الشافعي والمصريين
يُبرز مسلسل "رسالة الإمام" الذي يقوم ببطولته الفنان خالد النبوي ويخرجه الليث حجو، فصولًا من حياة الإمام الشافعي في مصر والتي كان لها تأثير كبير على تجديد مذهبه الفقهي ونشر عدد من أبرز وأهم مؤلفاته.
وأشارت إحدى حلقات المسلسل إلى بداية دخول الشافعي إلى مصر مع قافلة الأمير عبد الله بن العباس بن موسى ابن والى مصر، والتي تواجه بمحاولة اعتراضها من قبل الأحواف، وقبل أن ينشب الصراع بين الفريقين تدخل الشافعي ليمنع الاقتتال فتترك الأحواف القافلة تدخل إلى مصر احترامًا للإمام.
الشافعي في مصر
في محاضرة ألقاها مصطفى منير أدهم بدار الجمعية الجغرافية الملكية في نوفمبر 1928 بعنوان "رحلة الإمام الشافعي إلى مصر" سرد الكاتب تفاصيل دخول الشافعي إلى مصر وحياته فيها وصولًا إلى وفاته بها.
ومن أبرز ما أشار إليه الكاتب تلك العلاقة التي ربطت بين الشافعي وتلاميذه من مصر، فيوضح أن الشافعي كان يلقي دروسه بجامع عمرو بن العاص، وهو أول من سنّ سنة العمل في مصر إلى الظهر فكان يعمل في المسجد ثماني ساعات؛ من الساعة الرابعة صباحًا إلى الثانية عشرة ظهرًا.
يضيف: كانت العلماء تحضر على الشافعي رجالا ونساء كنظام جامعات أوروبا، ونبغ على يد الشافعي كثير من المصريين والمصريات مثل الربيع الجيزي والمزني والبويطي وبن عبد الحكم، والسيدة أخت المزني التي أخذ عنها العلماء.
فضلًا عن ذلك، وضع الشافعي في مصر كتبه الجديدة التي وصلت لنحو عشرين مجلدا منها علم أصول الفقه الذي يعد أول من وضعه. ومن أبرز كتبه في مصر "الأم" و"السنن" اللذين أجمع العلماء على صدق ما فيهما من آراء منسوبة للشافعي وكونهما الحجة الأولى في مذهبه.
يذكر الكاتب أن ظهور مذهب الشافعي كان أولًا بمصر، وأن المصريين أحبوه لكرمه ومروءته وصدق رؤياه ولعلمه وفضله وتقواه ولقربه من نسب رسول الله.
رسائل إلى الإمام الشافعي
في 1965، نشر الباحث في علم الاجتماع سيد عويس كتابه "رسائل إلى الإمام الشافعي" والتي رصد فيها ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعي من قبل الكثير من الناس على اختلاف مكانتهم الاجتماعية الذين كانوا يلجأون إلى الإمام الشافعي عن طريق زيارة ضريحه أو إرسال الرسائل له.
يرصد عويس بعض من سيرة الشافعي وتنقله بين بغداد ومكة واليمن ما مكنه من تشكيل فقه مزيج من معايشته في هذه البلدان إلى أن انتقل إلى مصر 199 هـ في أول خلافة المأمون.
قيل أن الشافعي لما ساح في الأرض وقصد التوجه إلى مصر أنشد هذين البيتين عن مصر من نظمه: وإني أرى نفسي تتوق إلى مصر.. ومن دونها عرض المهامة والقفر، فوالله ما أدري: أللعز والغنى.. أساق إليها أم أساق إلى قبري.
وعلى الرغم من الدلالات غير الإيجابية التي قد تحملها فكرة التضرع بمتوفى أو الارتكان لفكرة قداسته، فإن هذه الرسائل المتنوعة من مختلف محافظات مصر تدلل على المكانة الكبيرة التي حظي بها الشافعي في نفوس المصريين.
يذكر عويس أن المصريين المرسلين للرسائل كانوا يخاطبون الإمام الشافعي وكأنه شخص حي ويخلعون عليه الكثير من الصفات مثل شخص ذي سلطان وملهم وبصيرته تخترق الحجب ومؤتمن على الأسرار وغير ذلك.
مكانة رفيعة
ذكر السيوطي في كتابه "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة" أن الشافعي لم يزل بمصر ناشرًا للعلم ملازما للاشتغال بجامع عمرو إلى أن أصابته ضربة مرض شديدة مات على إثرها.
وكان للإمام الشافعي مكانة رفيعة في نفوس الكثيرين فقد كان قوي الإدراك وحاضر البديهة وقوي البيان وواضح التعبير وحسن الخلق وقليل الغضب.
وقيل إن الإمام الشافعي أوصى إذا مات بأن السيدة نفيسة تصلي عليه، فلما مات أحضروا نعشه عندها فضربت لها ستارة، وصلت عليه من خلفها ثم حُمل من عندها ودفن في تربته بعد أن عاش في مصر نحو 5 سنوات أو ثلاث.