سمير الفيل يتذكر حين جاء رمضان مواكبًا لفيضان النيل في شهر أغسطس
تحدث القاص والروائي سمير الفيل عن ذكرياته الرمضانية "ذكريات رمضان كثيرة، أذكر منها وصوله في موسم الخريف، وقيام جار لنا، كان يسكن في البدروم، بالتوجه إلى القرى المطلة على الساحل، واصطياد كم كبير من الطيور المهاجرة، منها الشرشير والبلبول والخضير والحمراي والغر، وتوزيعها على سكان العمارة كلها، فتمتليء الحارة برائحة ذكية لتلك الطيور المطهية بـ"المرتة"، وهي من بصل وزبيب.
وتابع “الفيل” في تصريحات خاصة لـ “الدستور”: كان يوزعها على الجيران دون أن يطلب ثمناً لها، واستمر هذا العطاء لأربع جمع متتالية، وكانت الطيور وقتها تباع في الأسواق بـ"التورة" وهي أربع "فرد".
ومن الأشياء التي لا أنساها حضورنا فرح في قرية الشيخ ضرغام، وقام أهل العروس بتجهيز أكلة من "الحنشان" والجمبري والكابوريا، وتم الإفطار على ظهر مركب كبير كان يسير بالشراع في نهر النيل، وكانت من أغرب الموائد التي شهدتها.
من المشاهد التي لا أنساها مرور عدد من "النور" أو "الغجر" في الشوارع والحارات، وقبل الإفطار بحوالي ساعة ذهبوا لأطراف المدينة، انتظروا من يرسل إليهم طعام الإفطار، وانتشر الخبر في المدينة، واتجهت الصواني إلى هناك وكان يومًا مشهودًا.
ولا أنسى حين جاء رمضان مواكبًا لفيضان النيل ـ شهر أغسطس ـ الذي وصلت فيه المياه إلى عتبات البيوت، وكانت النسوة تحمل الأواني النحاسية والغرابيل والمناخل لاصطياد الأسماك الحية، وكانت هبة ربانية لجميع سكان المدينة.
أتذكر العام قبل الماضي حين قررنا قضاء شهر رمضان في "رأس البر" وكنت أتوجه قبل موعد إطلاق المدفع إلى "السكن"، فيقابلني في طريقي شباب يقدمون للسائرين التمر والعصائر، بأريحية وذوق.
أما في طفولتي البعيدة فقد كان جميلًا جدًا أن تطبع أغلب المحال التجارية أمساكية رمضان بألوان مبهجة، كنا نجمعها ونتبادل النسخ المتشابهة وكانت لعبة توازي في جمالها لعبة "التنشين" بنوى المشمش و"الكازاكيز" ـ أي أغطية الكازوزا ـ أما أهم ما كان يصبغ تلك الأيام البعيدة فهو الألعاب الشعبية التي تجرى على قدم وساق ، في الحارات ، بقدر كبير من الحماس، ومنها ألعاب: "الكرة بلميس"، "نط البصلة"، "بلتك"، "ركبت خيولها"، "السبع طوبات"، "الإنجليزية"، "العصفورة" وغيرها، وهي ألعاب بسيطة ولا تحتاج إلا لمساحة من الأرض الفضاء.
وقبل انتهاء رمضان كنت أعمل في محل أحذية ، وخوفًا من ضياع الزبائن الذين لا يشترون إلا قبل العيد بأيام قليلة، يأتي لنا طعام الإفطار من بيت الأسطى فنتحلق حول الأطعمة ويخيرنا صاحب العزومة بين "السوبيا" وبين "التمرهندي"، فكنت اختار شراب "الدوم" فيضحك الأسطى ويصب لي ما أريد، فقد كان التسامح والمحبة طابع هؤلاء الكبار الذين لا يشعرون الصبيان بأنهم غرباء أو فقراء.