«الصوم ومكارم الأخلاق».. نص موضوع خطبة الجمعة الأولى فى رمضان
حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة اليوم، الجمعة الأولى من رمضان، بعنوان: «الصوم ومكارم الأخلاق».
ونشرت وزارة الأوقاف، موضوعات خطب الجمع الأربعة التي اعتُمِدت لشهر رمضان الكريم لعام 1444 هجريًا، حيث كشف الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، عن موضوعات خطب الشهر الكريم، مشيرًا إلى أن الجمعة الأولى تتحدث عن "الصوم ومكارم الأخلاق"، وخطبة الجمعة الثانية عن "الصوم وأثره في تربية النفس"، وخطبة الجمعة الثالثة للشهر الكريم عن "السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر"، وعن خطبة الجمعة الرابعة والأخيرة لشهر رمضان فإن موضوعها عن "كيف نستقبل ليلة القدر؟".
وإلى نص خطبة الجمعة الأولى من رمضان:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: (وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم وجنَّةٍ عرضُها السَّماوات والأرض أعدَّت للمتَّقين * الذين ينفِقُونَ في السَّرَّاء والضَّرَّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النَّاس واللّه يُحبُّ المحسنين).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن شهر رمضان الفضيل موسم النفحات الربانية والعطايا الإلهية، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إن لربكم (عز وجل) في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدًا)، فهو الذي قال فيه الله (جل وعلا): (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، وقال في حقه نبينا (صلى الله عليه وسلم): (من صام رمضان إيمانًا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال (عليه الصلاة والسلام): (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنيه).
والصوم مدرسة مكارم الأخلاق والقيم، فالعبادات لا تؤتي ثمرتها الحقيقية إلا إذا هذبت وقومت سلوك صاحبها، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، ومن لم ينهه حجه عن الفسوق والعصيان فلا حج له، ومن لم ينهه صيامه عن سيئ الأخلاق من الكذب والغش والغدر والخيانة، والاحتكار وأكل الحرام واستغلال أزمات الناس: فلا صيام له، حيث يقول الحق سبحانه: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، ويقول سبحانه: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر).
وإذا كان الحق (سبحانه وتعالى) قد ذكر في كتابه الكريم أن غاية الصوم هي التقوى حيث يقول الحق سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، فإن التقوى قيمة جامعة لخصال الخير: فقد جاءت في القرآن الكريم مقترنة بقيم إيمانية وأخلاقية متنوعة، حيث يقول الحق سبحانه: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون).
لذلك فإن الصائم الحق متجمل بمكارم الصبر والعفو والصفح، وقد وصف نبينا (صلى الله عليه وسلم) شهر رمضان بشهر الصبر، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر: صوم الدهر)، فجدير بالصائم أن يكظم غيظه، ويعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويحسن إلى من أساء إليه، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (الصوم جنة، فلا يرفث ولا يجهل).
فالصوم وقاية من سيئ الأخلاق ورديئها، وهو وقاية من عذاب الله يوم القيامة، ولا يكون الصوم مبررًا لضيق الصدر أو إساءة الخلق، وإنما يقوي الصوم العزيمة، ويضبط السلوك، ويقوم الأخلاق.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن الصوم يجدد في الإنسان مشاعر المواساة والإحسان والتكافل والتراحم، فتنطلق النفوس نحو الكرم والجود وإطعام الطعام، حيث يقول الحق سبحانه في وصف عباده الأبرار: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً* فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً* وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً)، وقد سئل نبينا (صلى الله عليه وسلم): أى الإسلام خير؟ قال (صلى الله عليه وسلم): (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف).
وإذا كان أجر التكافل والتراحم، والجود، وإطعام الطعام عظيما في سائر الأوقات، فإنه في شهر رمضان أعظم أجرا، وأفضل مثوبة، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (من فطر صائما كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء)، ويقول سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان).
فما أجمل أن ندرك حقيقة الصوم، فنتحلى بمكارم الأخلاق الفاضلة والمثل العليا السامية، يقول سيدنا جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما): إذا صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك.. اللهم احفظ بلادنا مصر، وسائر بلاد العالمين.