«منهن من رفضت أمومتها وأخرى تخلت عن أطفالها».. كاتبات كسرن الصور النمطية عن الأمومة
يحفل الأدب بنماذج نمطية من الأمهات تحمل سمات موحدة، مثل الحب الشديد للأبناء والتضحية من أجلهم بكل غال ونفيس، وإلغاء الذات بكل رضا في سبيل سعادتهم وهنائهم.
وعلى الرغم من ذيوع تلك الصور النمطية عن الأم والتي يُعد أي خروج عنها مستهجنًا وموضع محاسبة فظة من قبل المجتمع، فإن ثمة كاتبات تخلين عن ذلك النموذج سواء في حياتهن الشخصيّة التي اخترن فيها مسارًا آخر غير الأمومة أو في كتاباتهن التي أوضحن فيها المشاعر المضطربة التي تجلبها الأمومة وإشكالية ذات الأم التي توضع تحت مقصلة التهديد بعد الأمومة.
في هذا التقرير، نستعرض السُبل التي سلكتها بعض الكاتبات نحو تحطيم الصور النمطية عن الأمهات سواء كان ذلك في حياتهن أو بكتاباتهن.
سيمون دى بوفوار ورفض الأمومة
"المرأة لا تولد امرأة ولكنها تصبح كذلك".. عبارة شائعة صكتها الكاتبة الفرنسية الشهيرة سيمون دو بوفوار في كتابها "الجنس الثاني" في إشارة إلى الإملاءات الاجتماعية والثقافية التي تصوغ صورة المرأة بالمجتمعات المختلفة جاعلة منها جنسًا تابعًا للرجل.
عُد كتاب "الجنس الثاني" بمثابة إنجيل الحركات النسوية، وما زال محتفظًا بمكانته وأهميته إلى الآن باعتباره من الكتب الرائدة والمؤسسة للتوجه النسوي في العالم.
في هذا الكتاب، رأت بوفوار أن الأمومة حاجز بوجه التطلع نحو التسامي، واعتبارها مُضرة لما تفرضه على النساء من تخل عن سيادتهن وحريتهن، فأشارت إلى أن المرأة تحتاج لأن يكون لها دور في الحياة السياسية والاجتماعية بالمجتمع وأن يكون لحياتها معنى وآنذاك يمكن ألا تصير الأمومة قيدًا على حريتها وحياتها.
استنكرت بوفوار التعامل مع الأمومة بصفتها أمرًا إجباريًا وإنكار حق اختيار المرأة للأمومة وما يعنيه ذلك من أن الأمومة صارت مؤسسة اجتماعية إجبارية.
في حياتها الشخصية، نأت بوفوار قدر المستطاع عن كل ما يُكبل حريتها أو يحد منها، فرفضت الزواج والإنجاب، واكتفت بأن تكون رفيقة الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر ضمن رفيقات أخريات.
دوريس ليسنج والتخلى عن الأطفال
كان عمر الكاتبة البريطانية دوريس ليسينج، الحائزة على جائزة "نوبل" في الأدب عام 2007، 23 عامًا حين تركت طفليها؛ الابن الذي كان عمره 3 سنوات، والابنة التي كان عمرها سنة واحدة.
واجهت ليسنج معضلة الفشل في تحقيق التوازن بين الأمومة والحرية، فهجرت زوجها وأطفالها من أجل الكتابة، لتبدأ حياة جديدة إثر انضمامها إلى حزب شيوعي.
وفي روايتها "زواج لائق" قدمت ليسنج شخصية مارثا التي تهجر ابنتها، في تجربة مماثلة لتجربتها، بعد أن تحتضنها للمرة الأخيرة.
أشباح الأمومة عند إيمان مرسال
في كتاب "كيف تلتئم.. عن الأمومة وأشباحها"، تخالف الكاتبة المصرية إيمان مرسال الصورة النمطية التي لا ترى من الأمومة سوى وجه واحد فقط فيما تخفي ما وراء صورتها البراقة والمرضية للمجتمع صراعات داخلية تعتمل بنفس كل أم.
تروي مرسال مشاعرها إزاء أمها التي توفيت بينما كانت هي في سن صغيرة، ومشاعرها إزاء ابنها بعد ولادتها له وفي رحلة حياتها معه، وفي خضم تلك الرحلة تكتب مرسال عن الشعور بالذنب الملازم للأمومة ومشاعرها المضطربة والمتباينة الداحضة للأفكار المثالية عن الأم والأمومة.
حليب إليف شافاق الأسود
في "حليب أسود" تقدم الكاتبة التركية إليف شافاق تجربتها الخاصة مع الأمومة عارضة للمشاعر المضطربة التي انتابتها عقب ولادة ابنتها بدءًا من اكتئاب ما بعد الولادة وما يصاحبه من أفكار وصولًا إلى تساؤلاتها واضطراباتها جراء تأثير الأمومة على وقتها الخاص بالكتابة.
يرصد الكتاب الصراع الداخلي الذي تعانيه المرأة الكاتبة ما بين رغبتها في التفرغ للكتابة وما تمليه عليها واجبات الأمومة، وفي سبيل ذلك تفصل الكاتبة بين الشخصيات المختلفة التي تعيش بداخلها والتي تسعى كل واحدة منهم لأن يكون لها الدور الأساسي والأولوية المطلقة.
صباح الخامس والعشرين من شهر ديسمبر
في "صباح الخامس والعشرين من شهر ديسمبر"، للكاتبة اللبنانية يسرى مقدّم، نقد للثقافة السائدة عن الأمومة. تحاكم الكاتبة ذاتها باعتبارها أمًا وابنة لأم حاولت الخروج من ظلها قدر ما استطاعت.
تعلن الكاتبة تمردها على تراجيديا الأمومة ورفضها للأدوار النمطية، فتقول: "كأن ليس لك وجود بذاته خارج وظيفتك الأمومية. نعم، وظيفتك بالمعنى الحرفي للكلمة، ومع سبق الإصرار، الوظيفة المأزق التي لا انعتاق منها، سواء أذعنت لها أو أنكرتها".