كيف تؤثر الفجوة بين الجنسين في علوم التكنولوجيا والهندسة على اقتصادات الدول؟
سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الضوء في تحليل جديد له على تأثير الفجوة بين الجنسين في علوم التكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) على اقتصادات الدول.
وأشار المركز: إلى أننا نعيش في عالم سريع التغير؛ يتم الإعلان عن التطورات التكنولوجية الهائلة فيه كل يوم تقريبًا، ونظرًا لكون هذا الوقت مليئًا بالفرص للمستقبل، يجب أن نضمن أننا نمضي قُدمًا بطريقة متكاملة وشاملة تواكب الثورة الصناعية والتكنولوجية الحالية. ويجب أن تكون المرأة في طليعة هذه الثورة وتأكيد المساواة بين الجنسين.
ولفت إلى أنه مع هيمنة صناعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وتقدم التكنولوجيا على مستقبل الاقتصاد؛ تبين أن أجر العامل في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يفوق بأكثر من الضعف أجر العامل في المجالات الأخرى، لذلك أصبح من الضروري تعزيز هذه المجالات باعتبارها تحقق نموًّا أسرع ومستوى أجر أعلى.
وأوضح مركز المعلومات، أن العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) تعد أمرًا بالغ الأهمية للاقتصاد الوطني، ويعد توسيع وتطوير القوى العاملة في هذه المجالات قضية حاسمة للحكومات والصناعات والقادة والمعلمين في الوقت الحالي. وعلى الرغم من التقدم الهائل الذي حققته الفتيات والنساء في التعليم والقوى العاملة خلال السنوات الـ 50 الماضية، فإن التقدم كان متفاوتًا، وما تزال بعض التخصصات العلمية والهندسية ذات أغلبية ساحقة من الذكور، في حين ما تزال النساء يمثلن أقلية في هذه المجالات.
ووفقًا لبيانات التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين "Global Gender Gap Report 2022" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالميWORLD ECONOMIC FORUM، تبلغ نسبة الخريجات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فقط 1.7% من إجمالي خريجي الجامعات، بينما تبلغ نسبة الذكور حوالي 8.2% من إجمالي خريجي الجامعات، وتبلغ نسبة الإناث الخريجات من مجال الهندسة والتصنيع نحو 6.6% من إجمالي خريجي الجامعات بينما تبلغ نسبة الذكور 24.6% من إجمالي خريجي الجامعات.
وأضاف التحليل أنه على الرغم من تزايد الاهتمام بشكل واضح بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات خلال السنوات القليلة الماضية، فإنه لا يزال العثور على المواهب والمهارات الرقمية للعمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يمثل تحديًا كبيرًا.
وأرجع ذلك إلى انخفاض المشاركة في التدريب والمهارات الرقمية. وذلك نتيجة وجود مجموعة من الأنماط، والتي تظهر في شكل حرمان الطلاب من دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على أساس الجنس والطبقة. وقد تجلى ذلك في البيانات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي WORLD ECONOMIC FORUM لعام 2023، حيث تمثل النساء على مستوى العالم 20٪ فقط من إجمالي خريجي الهندسة، بالإضافة إلى ذلك فإن المرأة تشارك بنسبة ضئيلة في المناصب القيادية؛ حيث تشكل المرأة حوالي 24٪ من المناصب القيادية في مجال التكنولوجيا، وحوالي 16٪ فقط من المناصب القيادية في مجالات البنية التحتية.
بالإضافة إلى ذلك، أثبتت البيانات الصادرة عن الجمعية الأمريكية للنساء الجامعيات (American Association of University Women)؛ أن المرأة تشكل نحو 28٪ فقط من القوى العاملة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، ويفوق عدد الذكور عدد النساء المتخصصين في معظم مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
ونوه بأنه بالرغم من تأكيد وجود فجوة في هذه المجالات، فإنها تتباين بشكل واضح من مجال لآخر، فنجد أن الفجوة تكاد تختفي في مجال الرياضيات والإحصاء وعلوم الطبيعة، بينما توجد بشكل ملحوظ في كلٍّ من مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والهندسة، فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة مشاركة الإناث في دول الاتحاد الأوروبي عام 2020حوالي 54.9% في مجال الرياضيات والإحصاء وعلوم الطبيعة، بينما مثلت فقط نسبة 20.7% و25.5% على الترتيب في كل من مجالي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والهندسة على الترتيب. وذلك وفقًا للبيانات الصادرة عن Catalyst Organization خلال عام 2022.
وأضاف المركز في تحليله، أن تقليص الفجوة بين الجنسين في مجالات تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) يساعد في تقليل فجوة المهارات وزيادة فرص العمل والإنتاجية للمرأة وتقليل الفجوة المهنية بين الجنسين.
وذكر أن هذا من شأنه في نهاية المطاف أن يعزز النمو الاقتصادي من خلال زيادة الإنتاجية وزيادة نشاط السوق، فوفقًا لدراسة قياسية أُجريت على دول الاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن يحقق ارتفاع مشاركة المرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات زيادة في الناتج المحلي الإجمالي على مستوى الاتحاد الأوروبي بمقدار يتراوح من 610 - 820 مليار يورو في عام 2050، وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي بمقدار يتراوح من 2.2% إلى 3٪ بحلول عام 2050.
وأشار إلى أنه علاوة على ذلك سيؤثر سد الفجوات بين الجنسين في تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على معدلات التوظيف في الاتحاد الأوروبي؛ حيث سيرتفع إجمالي العمالة في دول الاتحاد الأوروبي بمقدار يتراوح من 850,000 إلى 1,200,000 بحلول عام 2050، ومن المتوقع أيضًا أن تكون الوظائف الجديدة عالية الإنتاجية، لأن النساء الخريجات من العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات غالبًا ما يتقدمن إلى وظائف ذات قيمة مضافة عالية في قطاعات مثل المعلومات والاتصالات أو الخدمات المالية والتجارية. وبالتالي من المرجح أن تؤدي الإنتاجية الأعلى لوظائف العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات إلى ارتفاع متوسط الأجور.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تنوع بيئات العمل من كلا الجنسين يُتيح مجموعة من الآراء والخبرات والتي تعد أمرًا ضروريًّا للابتكار والإبداع واتخاذ القرارات الحكيمة وتحقيق الربحية؛ حيث كشفت دراسة أجرتها أكاديمية إيناغو (Enago Academy) خلال عام 2023 بعنوان "Breaking Barriers Empowering women in STEM in 2023" أن الفِرق المتنوعة تتخذ قرارات أفضل بنسبة 87٪ من الفِرق المماثلة من النوع نفسه (الجنس)، كما أن الشركات ذات القوى العاملة المتنوعة من المرجح أن تمتلك فرصة للحصول على حصة أكبر في السوق بنسبة 70٪ عن الشركات ذات القوى العاملة المماثلة من النوع نفسه (الجنس)، مما يزيد من إيرادات الشركات.
ونتيجة لذلك، يجب أن نضمن تمثيل المرأة في جميع المجالات، وخصوصًا في صناعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والقضاء على التحيزات النمطية، وتشجيع الفتيات على الالتحاق بوظائف العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؛ فالمرأة ليست أقل قدرة من الرجل في هذه العلوم، ولكن العوامل الخارجية قد تؤدي إلى استبعاد المرأة وتعزيز الفجوة بين الجنسين.
وعلى الرغم من أن المرأة تشكل حوالي 39.6٪ من إجمالي القوى العاملة على مستوى العالم في عام 2020 وفقًا لبيانات منظمة العمل الدولية لعام 2022، فإنها ما زالت تمثل نسبة ضئيلة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، ونظرًا للأهمية القصوى لسد الفجوة بين الجنسين على النمو الاقتصادي للدول، فقد أبرز تحليل مركز المعلومات أهم التوصيات والإجراءات المقترحة لتقليل الفجوة بين الجنسين وزيادة فرص المرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والتي يتمثل أهمها في؛ زيادة الوعي بأن الإناث لديهن إمكانية مكافئة للذكور في إبراز نماذج قوية للمرأة في مجالات الرياضيات والعلوم، وتعزيز الوعي العام للآباء والمعلمين حول كيفية تشجيع الإناث في هذه المجالات، وتعزيز فرص التعلم والرسائل الإيجابية حول قدراتهن، وأن مهارات الرياضيات يمكن تعلمها وتنميتها مع الوقت، مما يعزز عقلية الإناث للنمو وتقبل التحديات، وتدريس الهندسة وعلوم الكمبيوتر، والعلوم في مرحلة ما قبل المدرسة (الحضانة)، وربط تجارب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بالحياة اليومية، وتعزيز التعلم العملي، وتأكيد أهمية دور هذه العلوم في تقدم المجتمع، وزيادة الوعي بالتعليم العالي والفرص الوظيفية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وإنشاء برامج تعليمية مثل برامج التوعية في المراحل الابتدائية والثانوية وما بعد الثانوية، لإشراك المرأة في أنشطة تلك المجالات ودورات التأهيل الوظيفي، وتوفير تمويلات بحثية لتعزيز دور المرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وضمان امتثال جميع البرامج لقوانين الحقوق المدنية المصممة لمعالجة التمييز على أساس الجنس، وتمكين المرأة في مجال تكنولوجيا الأعمال، وذلك من خلال إتاحة الشركات للتدريبات اللازمة لتأهيل المرأة في هذه المجالات، وزيادة أعدادها في الوظائف التقنية والقيادية؛ حتى تزداد نسبة مشاركة المرأة في هذه المجالات، ومنح المرأة ميزات للبقاء عليها في مجال التكنولوجيا، على سبيل المثال المساواة في الأجور، والمرونة في أوقات العمل؛ حيث تبين أن أكثر من نصف النساء في مجال التكنولوجيا يغادرن العمل بسبب المسؤوليات الأسرية في منتصف حياتهن المهنية، مما يؤدي إلى وصول عدد أقل بكثير من النساء إلى الترقيات والمناصب القيادية.
كما لفت التحليل الانتباه إلى ما أشارت إليه دراسة مُطبقة على دول الاتحاد الأوروبي أجرتها مؤسسة ماكنيزي (McKenzie) في عام 2023، إلى أن واحدة من كل أربع نساء تقريبًا تترك العمل في مجال التكنولوجيا، بسب عدم وجود توازن بين العمل وظروف الحياة، لذا فتقديم برامج العمل عن بُعد ومرونة ساعات العمل يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في خفض معدلات ترك المرأة للعمل بنسبة 15% وزيادة القيادات النسائية من 25% إلى 42%.