محادثات صعبة لانتزاع معاهدة لحماية أعالي البحار
كانت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا تزال، السبت، تسعى بصعوبة بعد ليلة طويلة، الى تجاوز انقساماتها وإبرام معاهدة طال انتظارها لحماية أعالي البحار، الكنز الحيوي والهش الذي يغطي ما يقرب من نصف الأرض.
وبعد أكثر من 15 عامًا من المحادثات غير الرسمية ثمّ الرسمية، تجاوز المفاوضون بساعات موعد انتهاء أسبوعين جديدين من المباحثات، في ثالث دورة "أخيرة" في أقل من عام.
فبعد ليلة طويلة، كان المفاوضون لا يزالون السبت في جلسة مغلقة للتركيز على المسألة السياسية الحساسة المتعلقة بتوزيع عائدات الموارد الجينية التي يتم جمعها في أعالي البحار.
وقالت رئيسة المؤتمر رينا لي خلال جلسة قرابة الساعة 01,30 (06,30 ت غ) "لا تزال لدينا بضع قضايا ينبغي الانتهاء منها، لكن يتم إحراز تقدم فيها والوفود تبدي مرونة".
هذا الفصل الخاص بالموارد الجينية البحرية غائب عن مشروع النص المحدث الأخير الذي نُشر ليلا ولا يزال يحتوي أيضًا على نقاط خلاف عديدة.
لكن عدة مصادر قريبة من المفاوضات أكدت لوكالة فرانس برس صباح السبت أن المفاوضات أحرزت تقدما مذاك.
وكتبت المفاوضة النيوزيلندية فيكتوريا هالوم على تويتر "اصبحنا قريبين جدا الآن" من اتفاق، مشيرة إلى أنها حطمت رقمها القياسي مع أكثر من 24 ساعة متتالية من المحادثات.
حتى لو تم التوصل إلى تسويات بشأن كلّ الخلافات المتبقية، لن يكون من الممكن تبني المعاهدة رسميا في هذه الجلسة، على ما قالت رينا لي الجمعة.
لكن من الممكن "استكمالها" من دون احتمال إعادة فتح مفاوضات "في جوهر" المسائل، قبل تبنيها رسميا في موعد لاحق بعدما تراجعها الأجهزة القضائية وتتم ترجمتها إلى لغات الأمم المتحدة الست الرسمية، بحسب لي.
ورأت فيرونيكا فرانك من منظمة غرينبيس متحدثة لوكالة فرانس برس أنه حتى بدون إقرار رسمي، فإن هذه ستكون "خطوة هامة".
تشمل نقاط الخلاف الإجراءات المتعلقة بإنشاء مناطق محمية بحرية، ونموذج دراسات الأثر البيئي للأنشطة المخطط لها في أعالي البحار، وتقاسم المنافع المحتملة للموارد البحرية المكتشفة حديثا.
وتبدأ منطقة أعالي البحار من النقطة التي تنتهي فيها المناطق الاقتصادية الخالصة للدول، على بعد 200 ميل بحري (370 كيلومترا) كحدّ أقصى عن الساحل. وهي لا تخضع لأي ولاية قضائية وطنية من الدول.
وفيما تمثّل أعالي البحار أكثر من 60 % من محيطات العالم وحوالى نصف مساحة سطح الكوكب، لم تستقطب الاهتمام ذاته مثل المياه الساحلية وعدد من الأنواع التي لها دلالات كبيرة.
ويحظى حوالى واحد بالمئة فقط من أعالي البحار بالحماية.
وتنتج النظم البيئية للمحيطات نصف الأكسجين الذي نتنفسه وتحد من الاحترار المناخي من خلال تخزين جزء كبير من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الأنشطة الصناعية.
غير أن الخدمات التي توفّرها تلك النظم للبشرية باتت عرضة للخطر نتيجة الاحترار وتحمّض المياه والتلوّث على أنواعه والصيد الجائر.
وبالنسبة لكثيرين فإن مصير أي اتفاقية يتوقف على تحقيق الانصاف بين الشمال الغني والجنوب الفقير.
وتبقى الأبحاث المنفّذة في أعالي البحار والمكلفة جدًّا حكرًا على البلدان الأكثر ثراءً راهنًا، غير أن البلدان النامية لا تريد بدورها أن تفوّت عليها الإيرادات التي قد تدرّها الموارد البحرية التي ليست ملكًا لأحد.
وفي خطوة اعتبرت مسعى لبناء الثقة بين الدول الغنية والفقيرة، تعهد الاتحاد الأوروبي في نيويورك تخصيص 40 مليون يورو (52 مليون دولار) لتسهيل المصادقة على المعاهدة والشروع في تطبيقها.
كما تعهد الاتحاد الأوروبي تخصيص 860 مليون يورو للأبحاث والمراقبة وحماية المحيطات في 2023، خلال مؤتمر "محيطنا" الذي اختتم الجمعة في بنما، فيما أعلنت الولايات المتحدة التزامات بنحو 6 مليارات دولار.
وقال مراقبون تحدثت إليهم فرانس برس إن حل تلك القضايا المالية الحساسة سياسيا، يمكن أن تساهم في حلحلة النقاط الشائكة الأخرى.
وإذا ما تم التوصل لاتفاق سيتعين الانتظار لمعرفة ما إذا كانت التسويات التي تم التوصل إليها ستفضي إلى نص قوي قادر على حماية المحيطات بشكل فعال.
وقالت فيرونيكا فرانك من منظمة غرينبيس مشيرة إلى التزام حكومات العالم حماية 30 بالمئة من أراضي ومحيطات العالم بحلول عام 2030 بموجب ما تم الاتفاق عليه في مونتريال في ديسمبر، إن "النص ليس مثاليا لكنه يتضمن مسارا واضحا" نحو تحقيق ذلك الالتزام.