محمد عطية محمود: الرقيب الداخلى يحد قليلا من نزق الكاتب واندفاعه
قال الكاتب والناقد محمد عطية محمود: لا بد أن يكون هناك رقيب داخلي للكاتب، يفلتر كي يقدم ما هو فني مما هو غير فني، ويحد قليلا من نزق الكاتب واندفاعه وتهوره المتوقع غالبا، والذي لا يفيد النص بقدر ما يضره، فالرقيب الداخلي إذا ما وظف ببراعة وكياسة وتوازن وتحكم يساعد على الإبداع والقفز بفنية واحترافية على العبارات المباشرة الكاشفة، بحيث لا يعطله عن الإبداع والمراوغة الإبداعية، ليقدم رسالة الفن، بمعنى أن يكون الرقيب الداخلي دافعا لاجتراح الإبداع بعيدًا عن المباشرة الواضحة، فالوضوح المباشر والتقريرية التي تنزع الغلالة الشفيفة عن المفهوم المراد تقديمه هي ضد الفن.
وأوضح “عطية” في تصريحات خاصة لـ “الدستور” تعقيبا على حق الناشر في التدخل في العمل الأدبي: حتى لا يؤخذ كلامي على سبيل الرجعية أو إيثار الهدنة، فانتقاء العبارات والألفاظ غير المباشرة التي يكتنفها قليل من الغموض لا يعيب الكاتب ولكنه يفتح لمتلقيه وناقده أبوابا من التكهنات والإثارة الفكرية والأدبية الفنية، لا الإثارة المفتعلة، ويُعد من المهارات الذهنية التي يتمتع بها الكاتب الذي يمارس كتابته من خلال ثراء معرفي ولغوي ومعلوماتي وثقافي بالمعنى الأشمل، للبعد عن المزالق، والكتابة عن التابوهات دون التعرض لها بشكل صريح، والموازنة والتحكم في إيقاع الكتابة التي تؤدي الغرض منها والرسالة الإنسانية والأدبية.. فأحيانا الإشارة تكون أبلغ من التصريح!
واستدرك “عطية”: لكن.. هناك بعض المواقف التي لا تصلح إلا بقليل من تلك المباشرة، وقليل من هذا التصريح لخدمة دراما العمل، وحيث لا تكون زائدة أو فجة على النحو الذي يجعل منها خارجة عن السياق والمعايير، وتنفلت بالعمل إلى شكل إباحي أو دعائي فج لا يحتاج للموقف الإبداعي كي يزينه أو يقدمه، فالدهماء والسوقة لا يحتاجون مسرحًا ليعرضوا عليه قضيتهم، إذ يكون الابتذال أقصر طريق لتقديم هذه الحالة على الملء دون رطانة إبداعية أو ألغاز أو أحاج أو عرض قضية فلسفية.
لكن أيضًا – برغم تلك الموازنة أو المعادلة التي أراها ضرورية – نجد أن ما يثير الحفيظة هو التزمت الشديد الذي يتمتع به بعض الناشرين أو النشر المؤسسي غير التنويري الذي لا يفرق بين الاستخدام الفني للتابوه والعهر الأدبي الذي قد يمارس على مستوى تسييس العمل أو وجهة نظره الدينية أو تقديمه للجنس، ولا يلتمس عذرا لبعض الإيماءات غير المباشرة التي لها ضرورة في سياق النص الأدبي سواء كان إبداعا أو نقدا، وهو الناتج عن قصور الرؤية وعدم التحقق من الفني المبرر وغير الفني غير المبرر، فالأمر أحيانا لا يتوقف عن حذف أو تغيير بعض العبارات، أو التماس غيرها ليتعدى ذلك إلى التهديد إما بالحذف أو عدم النشر، وأحيانًا يكون الحكم باتًّا مشمولا بالنفاذ برفض نشر النص الأدبي كلية، في حين ترحب منابر أخرى بأعمال تتناول الكتابة المكشوفة تمامًا دون النظر إلى معايير الفن فيها، وهي إشكالية تخضع منذ زمن بعيد لعوامل عدة تكرس لتلك الازدواجية الغريبة.