المفتى: «حياة كريمة» مشروع مسلكه حميد ويجوز التبرع له لأنه موجه للفقراء
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إننا لم نجد مشروعًا مسَّ حياة المواطنين مثلما وجدنا في مشروع حياة كريمة، فهو مشروع مسلكه حميد ويجوز التبرع له، فهو مشروع موجه للفقراء والنفع المشترك ودعم القرى الفقيرة؛ ومن ثم ينسحب عليه ما ينسحب على مصارف الزكاة.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن العمل الخيري قد مثَّل ركنًا أساسيًّا للشريعة الإسلامية؛ فقد حثَّ الإسلام على مساعدة الآخرين والتعاون على فعل الخيرات، كما مهَّد الإسلام طرقًا عدة لنفع الناس؛ منها ما هو فرض كالزكاة ونحوها، ومنها ما يقوم به المسلم على سبيل التطوع والبر؛ مثل الصدقة والوقف.
وشدَّد فضيلته على أن الشريعة الإسلامية أولت الطبقات المحتاجة، والفقيرة عناية كبيرة؛ حيث شرعت أحكامًا من شأنها سد حاجة هذه الفئات، وتحقيق عدالة اجتماعية تُقرب الفجوةَ الطبقية بينها وبين الأغنياء في الجملة رويدًا رويدًا، حتى يرتقوا بالعمل والأمل؛ ليكونوا من اليد العليا المعطية لا الآخذة.
ولفت فضيلة مفتي الجمهورية النظر إلى أن الشريعة الإسلامية كذلك حبَّبت إلى المسلمين التصدق والتبرع والتهادي فيما بينهم؛ فوسَّعت لهم طرق الخير حتى شملت وجوهًا متنوعةً؛ فلم يقف الأمر عند الزكاة الواجبة فحسب، بل أوجبت الشريعة كذلك الكفارات في الأيمان والنذور والظهار.. إلخ؛ لحكم كثيرة، وجعلت مصارف هذه الكفارات للفئات المحتاجة، حتى إن الشريعة الإسلامية جاءت بالرحمة بجميع الخلق؛ ومن مظاهر هذه الرحمة شمول هذه الرحمة جميع البشر دون النظر إلى جنس أو لون أو دين أو عرق، وكذلك الفتوى مستقرة على مساعدة الجميع دون النظر إلى دين أو ملة، فالأمر بفعل الخير جاء عامًّا كما في قوله عز وجل: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وأكد مفتي الجمهورية أن الزكاة هي عمل مؤسسي في الأساس، فجاء الأمر الإلهي للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] كتكليف من الله للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم.
وردًّا على سؤال يستفسر عن حكم نقل الزكاة إلى بلد آخر وحكم تحويل العاملين بالخارج لزكاتهم إلى مصر؛ قال فضيلة المفتي: من المستقر عليه في دار الإفتاء المصرية أنه يجوز نقل الزكاة إلى مصارفها الشرعية في غير بلدها عند الحاجة وللمصلحة، وبناءً على ذلك، وعملًا بالمقاصد الشرعية والمصالح المرعية: فإنه يجوز إرسال المصريين المقيمين خارج مصر بزكاة مالهم وفطرهم إليها، ومن باب أولى صدقاتهم وتبرعاتهم. بل نرى أفضلية ذلك، وأولويته في هذه المرحلة التي تحتاج البلاد فيها حاجة أكيدة إلى الإنفاق على مصارف الزكاة، وكفاية المحتاجين وسد حاجة المعوزين؛ فمصر وأهلها أولى بمساعدة مواطنيها وأبنائها.
وردًّا على ما يُثار بأنّ صيام شهر رجب من البدع قال فضيلته: هذه من الشبهات الموسمية التي تتكرّر في كل موسم، فالبدعة المذمومة هي ما يبطل الدين، وما كان على خلاف الشرع الشريف، والمردّدون لهذه الشبهات يستدلون في كل موضع بحديث النبي، صلى الله عليه وسلم: "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
وأوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن العلماء المعتبرين تحدثوا كثيرًا عن أقسام البدعة، فتحريم الأمور المبتدعة ليس على إطلاقه، وعندما نقرأ النصوص الشرعية مجموعة نخرج بأن البدعة المحرمة هي تلك البدعة التي تبطل أحكام الإسلام، أما ما تتوافق معها فتدخل في دائرة السنة الحسنة، مستشهدًا بقول النبي، صلى الله عليه وسلم: "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة"؛ ولذلك ينبغي أن نقرأ النصوص قراءة متكاملة.
واختتم فضيلة المفتي حواره بحسم اللغط الدائر حول الصوم في شهر رجب قائلًا: إن الصحيح -وهو قول جمهور الفقهاء- استحباب التنفل بالصيام في شهر رجب كما هو مستحب طوال العام، والصوم في رجب بخصوصه وإن لم يصح في استحبابه حديث بخصوصه، إلا أنه داخل في العمومات الشرعية التي تندب للصوم مطلقًا.