البابا فرنسيس: بناء السّلام يعني قبل كلّ شيء احترام الإنسان
استقبل البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، في الفاتيكان أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي لتبادل التهاني بحلول العام الجديد، ووجه لضيوفه خطاباً مسهباً قام من خلاله بجولة أفق على مختلف القضايا الراهنة.
واستهل البابا كلمته قائلا إن حضور الدبلوماسيين يؤكّد قيمة السّلام والأخُوّة الإنسانيّة التي يُسهِم الحوار في بنائها لافتا إلى أنّ مهمّة العمل الدبلوماسيّ هي التّخفيف من حدة النزاعات لتعزيز مناخ من التعاون والثّقة المتبادلَين لتلبية الاحتياجات المشتركة.
وتابع البابا: «يصادف هذا العام الذكرى السّنويّة السّتين للرسالة العامة "سلام في الأرض" للقدّيس يوحنا الثّالث والعشرين، عندما كان خطر الحرب النوويّة على الأبواب، بسبب ما سمي بأزمة الصّواريخ في كوبا، ومع ذلك، ما زال التّهديد النووي قائمًا حتى يومنا هذا، مغرقًا العالم في الخوف والقلق. لا يسعني إلّا أن أكرّر هنا أنّ امتلاك الأسلحة الذريّة أمر غير أخلاقيّ».
هذا ثم قال البابا: اليوم، نحن أمام حرب عالميّة ثالثة في عالم معولم، حيث تؤثّر الصّراعات بشكل مباشر، ليس فقط على بعض مناطق الكوكب، بل تشمل الجميع بشكل أساسي. أقرب الأمثلة وأحدثها هو بالتّحديد الحرب في أوكرانيا، وما تلاها من موت ودمار. دعونا أيضًا لا ننسى أنّ الحرب تؤثّر بشكل خاص على أكثر الناس هشاشة - الأطفال وكبار السّن والمعاقين - وتمزّق العائلات وتترك فيها أثرًا لا يمحى. اليوم، لا يسعني إلّا أن أجدّد ندائي من أجل إنهاء فوري لهذا الصّراع الذي لا معنى له، والذي تطال آثاره مناطق بأكملها، حتى خارج أوروبا بسبب تداعياته في مجال الطّاقة وفي مجال إنتاج الغذاء، وخاصّة في إفريقيا والشّرق الأوسط.
مضى البابا إلى القول: تقودنا الحرب العالميّة الثالثة المجزأة إلى النظر إلى أماكن التّوتر والصّراعات الأخرى. يجب أن ننظر إلى سوريا على أنّها أرض معذبة. تقتضي نهضة هذا البلد الإصلاحات اللازمة، بما في ذلك الإصلاحات الدستوريّة، في محاولة لإعطاء الأمل للشعب السّوري المنكوب بالفقر المتزايد باستمرار. ويجب ألّا يكون للعقوبات الدوليّة المفروضة تداعيات على الحياة اليوميّة لسكان كثرت آلامهم. ويتابع الكرسي الرسولي بقلق تصاعد العنف بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، وما يترتب على ذلك من نتائج مأساوية للعديد من الضّحايا وانعدام الثّقة المتبادلة. وآمل أن يتمكن (الطرفان) من استعادة الشّجاعة والعزم على الدخول في حوار مباشر من أجل تنفيذ حلّ الدولتين بجميع أوجهه. أفكّر أيضًا في اليمن، حيث الهدنة ما زالت سارية المفعول، ولكن العديد من المدنيّين لا يزالون يموتون بسبب الألغام الأرضيّة.
وتابع البابا فرنسيس: إنّ بناء السّلام يعني قبل كلّ شيء احترام الإنسان، وهذا يتطلّب أن "تساهم السّلطات العامّة بشكل إيجابي في خلق بيئة بشريّة يمكن فيها لجميع أعضاء الجسم الاجتماعيّ أن يمارسوا ممارسة فعّالة حقوقهم وتقع على عاتق الدول مسؤوليّة أساسيّة في ضمان مساعدة المواطنين في كلّ مرحلة من مراحل الحياة البشريّة، حتى الموت الطبيعي، والعمل على أن يشعر كلّ واحد بأنّه يجد المرافقة والعناية اللازمة في أشد الأوقات في حياتهم. كما يتعرّض الحق في الحياة للخطر أيضًا حيث يستمّر تطبيق عقوبة الإعدام، كما يحدث هذه الأيام في إيران، في أعقاب المظاهرات الأخيرة التي دعت إلى قدر أكبر من الاحترام لكرامة المرأة. إنّي أناشد جميع الدول لإلغاء عقوبة الإعدام في تشريعاتها، فهي غير مقبولة في كلّ الأحوال، لأنّها اعتداء على حرمة وكرامة الإنسان.
وتابع البابا قائلا: يتطلّب السّلام أيضًا اعترافًا عالميا بالحرّيّة الدينيّة، التي لا يمكن اختزالها في مجرد حرّيّة العبادة، فهي أحد أدنى المتطلبات الضّروريّة للعيش بكرامة، ومن واجب الحكومات أن تحميها وأن تضمن لكلّ شخص فرصة التّصرف وفقًا لضميره.
وأضاف بابا الفاتيكان: يتطلّب بناء السّلام السّعي لتحقيق العدل، ويتطلب ألّا يكون هناك مكان "للإضرار بحرّيّة وسلامة وأمن الدول الأخرى، بغض النظر عن مساحة أراضيها أو قدرتها الدفاعيّة". وأتابع عن كثب الوضع في لبنان، الذي ما زال في حالة انتظار لانتخاب رئيس الجمهوريّة الجديد، وآمل أن تلتزم جميع القوى السّياسيّة بالسماح للبلد بالتعافي من الوضع الاقتصاديّ والاجتماعيّ المأساويّ الذي هو فيه.
وفي الختام شدد البابا على ضرورة ألّا يسود الخوف بين الشّعوب بل الحبّ الذي يظهر في التّعاون المخلِص بين الأطراف المتعدّدة، والذي يحمل الخيرات الكثيرة".