انتحال صفة طبيب.. مراكز علاج طبيعي وهمية تصطاد ضحاياها من المرضى (تحقيق)
كانت المرة الأولى التي تلاحظ فيها سارة.م، 27 عامًا، أثناء عبورها شارع جانبي، بإن شيئًا غريبًا يحدث في قدمها اليُمنى، إذ شعرت إنها مصابة بإعوجاج طفيف، ظنت أنه أثر النوم لساعات طويلة في ليلا فلم تلق بالًا.
ساعات قليلة واشتد الألم في منطقة الإعوجاج تبعه ورمًا وتغيرًا في لون الجلد: «برزت الشعيرات الدموية بشكل واضح، وكانت مختلفة تمامًا عن قدمي اليسرى، حتى واجهت في نهاية اليوم صعوبة في المشي».
مركز علاج طبيعي مشبوه
كانت “سارة” في ذلك التوقيت انهت لتوّها 36 جلسة علاج طبيعي خلال 6 أشهر، في أحد المراكز الخاصة التي تقدم تلك الخدمة، إذ أصيبت (وفق الأشعة التي حصلنا عليها) في يونيو من عام 2021 بإنزلاق غضروفي في الفقرات القطنية (الرابعة والخامسة) وخضعت لـ24 جلسة علاج طبيعي بالظهر.
تبع الإصابة ألم في القدم اليمنى استلزم 12 جلسة علاج طبيعي آخرى حتى تتحسن حالتها، تتذكر سارة: «لم تكن من تقوم بالجلسة طبيبة بل كانت فتاة عشرينية خريجة كلية التربية الرياضية كما قالت ليّ».
تضيف: « مارست تمارين في منطقة القدم تخصّ الإطالات للأعصاب، وفي إحدى المرات سمعت صوت طرقعة في نفس المنطقة المعوجة، وحين خضعت لأشعة رنين وجدت أن هناك مشكلة في منطقة الحوض والقدم».
“سارة” ضحية أزمة المادة 161 مكرر من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات، التي تجيز لخريجي كليات التربية الرياضية والتمريض الحصول على درجة دبلوم علاج طبيعي، في وقت تطالب فيه النقابة العامة للعلاج الطبيعي بمنع الخريجين من مزاولة المهنة.
تزيد إصابات مرضى عظام داخل مراكز علاج طبيعي (حكومية/ خاصة) في مصر، بسبب تعيين غير متخصصين/ خريجي كليات تربية رياضية بها، وهم متخصصون فقط في التأهيل الحركي أي ما بعد العلاج الطبيعي، إلا أن المراكز تسمح بتعيينهم لإجراء جلسات علاج للمرضى، وتمنحهم مراكز شهادات دبلوم العلاج الطبيعي كي يزاولوا المهنة، ما يؤدي إلى إصابة المرضى، في غياب رقابة الصحة.
تستكمل سارة: «وجدت بعد الأشعة بإن هناك تزحزح في منطقة الحوض من الجهة اليمنى، والتهاب شديد في عظام الحرقفة وهو ما أدى إلى إعوجاج قدمي من الأسفل بشكل ملحوظ» كان ذلك وفق الأشعة التي حصلنا عليها.
لم يكن أمام الفتاة سوى اللجوء إلى مركز آخر للتأهيل الرياضي، إذ أخبرها طبيب العظام الذي تتعامل معه بإن إصابتها شديدة ولا يمكن تركها دون تأهيل يعيد العظام مرة أخرى إلى مكانها الصحيح.
تضيف: «رحلة علاجي زادت لـ6 أشهر أخرى من أجل التأهيل الحركي؛ بسبب الطبيبة التي أحدثت ذلك الخطأ في مركز خاص يعد من أشهر مراكز العلاج الطبيعي، وإلى الآن لم تعد قدمي كما كانت من قبل».
فوضى العلاج الطبيعي
لايحق لأحد ممارسة مهنة العلاج الطبيعي سوى خريجي كليات العلاج الطبيعي، وفق رؤية الدكتور شوقي مصطفى، أخصائي العلاج الطبيعي، الذي يؤكد أن المهنة شهدت مؤخرًا اختلاط بينها وبين خريجي كليات التربية الرياضية، وهو ما ينافي قانون مزاولة المهنة رقم 3 لعام 1985 وكذلك قانون النقابة العامة رقم 209 لعام 1994.
وتابع: «ليس ذلك فحسب ولكن ظهر أيضًا أشخاص ليس لهم علاقة بكلية العلاج الطبيعي أو التربية الرياضية ومع ذلك يمارسون المهنة عبر الحصول على دبلومة أو تدريب وهم دخلاء على المهنة ويستوجب محاسبتهم بشكل قانوني».
وقال: العلاج من قبل غير مختصين حاصلين فقط على دورة أو دبلومة في العلاج الطبيعي يُعرض المرضى لكثير من الأضرار الجسيمة قد تصل للشلل أو الوخز والتنميل وتفاقم المشكلة المراد علاجها، وكذلك الشعور بالألم المستمر وحدوث إصابات في الأوتار والعضلات.
وأكد أن العلاج الطبيعي هو فن التعامل مع أنسجة الجسم بطريقة علمية، من خلال إجراءات التدليك وممارسة المريض لبعض التمارين العلاجية، ولكن قد يصبح العلاج الطبيعي داءً عندما يمارسه غير المتخصص، مما يسبب مضاعفات على صحة المريض.
وطالب أخصائي العلاج الطبيعي بضرورة وجود قانون رادع لكبح جماح الظاهرة التي تنتشر بسرعة البرق، مبينًا أنه لوحظ تزايد في حالات المتضررين وعلى المريض التحقق من الممارس لجلسة العلاج له حتى يتأكد من كونه خريج علاج الطبيعي.
منتحلو الصفة
كان الخطأ تلك المرة ليس من خريج كلية تربية رياضية، لكنه من أحد منتحلي المهنة، بحسب رمضان.ح، شاب عشريني، يقطن في المنوفية وكان له تجربة يصفها بالقاسية مع مركز علاج طبيعي في محافظته.
يقول: «بدأت الأزمة حين شعرت بألم في الرقبة وممتد حتى الزراع الأيسر، وبعد الفحوصات الطبية تم تشخيصي بإنزلاق غضروفي عنقي، استلزم الأمر 6 جلسات علاج طبيعي فقط إلى جانب الأدوية».
ذهب رمضان إلى أحد المراكز العلاجية في محافظته، وفي الجلسة الرابعة أثناء ما يمسى «فك العضلات» سمع طقطقة شديدة، إلا أن الطبيب المعالج أخبره بإن ذلك أمر طبيعي، بيد أن الألم الذي شعر به في تلك الليلة لم يكن طبيعي.
ورغم اشتداد الألم أخبره الطبيب أن الأمر طبيعي، ويستلزم 6 جلسات علاج أخرى تضاعف فيه الألم، حتى لجأ إلى طبيب عظام، وفوجئ بإن هناك شرخ في إحدى الفقرات تجاه الجهة اليسرى لم يكن موجودًا (حصلنا على الأشعة) وأن العلاج في الجلسات الستة الأخيرة تم على ذلك الشرخ دون معالجته.
الآن لا يستطيع رمضان دوران رقبته بشكل كامل تجاه اليسار، بالرغم من خضوعه لجلسات تأهيل حركي: «بعد 10 أيام من تلك الواقعة فوجئت في الأخبار بغلق المركز بسبب أن الأطباء فيه منتحلون صفة طبيب علاج طبيعي بما يخالف القانون وحاصلون فقط على دورات في العلاج الطبيعي وليسوا خريجي الكلية».
يتسق ذلك مع القانون رقم 3 لسنة 1985 الخاص بتنظيم مزاولة مهنة العلاج الطبيعي، والذي يحظر على الحاصلين على دبلوم التخصص في التدليك والكهرباء أو أية مؤهلات دراسية معادلة للعلاج الطبيعي العمل في أي مركز دون إشراف طبيب خريج الكلية مقيد في وزارة الصحة.
ولا يجوز لمن قيد اسمه بالسجلات مزاولة مهنة العلاج الطبيعي إلا بعد حلف يمين أمام وزير الصحة أو من ينيبه بأن يؤدى مهنته بأمانة وأن يحافظ على سر المهنة، وعلى من يخل بتلك المواد يقع تحت طائلة انتحال صفة طبيب يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
عقوبة انتحال صفة طبيب
يُحذر الدكتور صلاح الطحاوي، خبير قانوني، من الوقوع تحت طائلة القانون لانتحال صفة طبيب، مبينًا أنه تسود في الفترة الحالية مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات عن دبلومات تخص العلاج الطبيعي تؤهل أصحابها إلى مزاولة المهنة دون وجه حق.
ويضيف: «ينخدع كثيرون فى الإعلانات، ويمثل الأمر خطرا جسيما يهدد حياة المرضى الذين يصابون بمضاعفات صحية يمكن أن تؤدي إلى العجز»، موضحًا أن عقوبة انتحال صفة طبيب تصل للسجن ثلاث سنوات، كما أن مزاولة منشأة نشاط طبي دون ترخيص عقوبته الغلق وفق قانون تنظيم المنشآت الطبية المعدل عام 2004، بجانب غرامة مالية تصل إلى 50 ألف جنيهًا.
واختتم: «لا يحق لأحد مزاولة مهنة الطب سوى خريجي كليات الطب المعتمدة من قبل المجلس الأعلى للجامعات، ولا بد من الفصل بين طبيب العلاج الطبيعي وخريج كلية التربية الرياضية فقد حدد جهاز التنظيم والإدارة تعريف لكل منهم».
أعداد أطباء العلاج الطبيعي
وتعاني مصر من قلة في أعداد أطباء العلاج الطبيعي، وفق دراسة للمجلس الأعلى للجامعات بالتعاون مع وزارة الصحة خلال عام 2019، إذ أن كل طبيب مسؤول عن 1000 مريض.
بينما تصل أعداد كليات العلاج الطبيعي إلى 15 كلية، 4 بالجامعات الحكومية و11 بالخاصة، وتنتشر الكليات في 9 محافظات هي "الجيزة، القاهرة، الدقهلية، المنيا، الإسكندرية، بنى سويف، قنا، دمياط"، بينما في سبتمبر 2021 أعلنت نقابة العلاج الطبيعي أنها تضم 70 ألف طبيب بواقع 26 كلية في مصر.
أما أعداد الخريجيين سنويًا، يتراوح من 1000 إلى 1870 طالب وطالبة خلال الفترة من 2014 إلى 2018، وتزايد العدد حسب دراسة من 3500 إلى 4000 طالب وطالبة، بينما ممارسي العلاج الطبيعي على أرض الواقع من أخصائيين نحو 640 أخصائي .
إنزلاق غضروفي
تضاعفت إصابة أسماء عويس، ثلاثينية، حين لجأت إلى أحد مراكز العلاج الطبيعي نتيجة إصابتها بإنزلاق غضروفي قطني في آخر فقرتين بالظهر، وصلت إلى حد إجراء جراحة في أسفل الظهر.
بدأ الأمر بكتابة طبيب العظام التشخيص الطبي (حصلنا عليه)، وضرورة الخضوع إلى 12 جلسة علاج طبيعي، إلا أن الفتاة لم يأت ببالها ما حدث عقب ذلك، ففي أثناء الجلسة الخامسة تضاعف الألم إلى حد عدم قدرتها على الحركة.
تقول: «أصبح الألم مضاعف إلى حد كبير ووقتها أكدت الفتاة التي تقوم بالجلسة أن ذلك الأمر طبيعي في العضلات، وحين وصلت إلى الجلسة العاشرة لم استطع الحركة تمامًا، حتى إنني ذهبت للمستشفى بسيارة إسعاف».
أجرت وقتها أسماء أشعة رنين مغناطيسي، تبين فيها أنه بجانب الإنزلاق الغضروفي حدث تزحزح في الفقرة الخامسة، وهو ما ضاعف الألم نتيجة الضغط الشديد والمستمر عليها أثناء جلسات العلاج الطبيعي.
تحكي أسماء أنها خضعت لثلاث جلسات تأهيل حركي، إلا أن الأمر لم يجدي معها، فاضطرت إلى الخضوع لعملية جراحية لإزالة الغضروف القنطي في تلك الفقرة وتركيب آخر صناعي به: «الألم لازال مستمر لمدة 6 أشهر بعد العملية ولازالت إلى الآن أحصد نتيجة الخطأ الطبي الذي حدث في جلسات العلاج الطبيعي لكون الفتاة ممارسة للمهنة وليست طبيبة».
نقابة الأطباء: العلاج الطبيعي يقتصر على طبيب العظام وخريجي الكلية
تحصر الدكتورة نجوى الشافعي، وكيل نقابة الأطباء، العلاج الطبيعي في أنه برنامج طبي يضعه الطبيب البشري وينفذه دكتور العلاج الطبيعي، مشيرة إلى أن ممارسي تلك المهنة لا بد أن يكونوا خريجي كلية العلاج الطبيعي ولا يحق لغيرهم فعل ذلك.
وتوضح أن للعلاج الطبيعي دور هام في سرعة شفاء المريض وتنمية قدرة الجهاز الحركي، وهو أحد الأجهزة الحساسة في الجسد، فلا بد أن يقوم به طبيب علاج طبيعي، وليس شخص حاصل على دورة أو دبلومة فقط.
وترجع وكيل نقابة الأطباء، وجود دخلاء في مهنة العلاج الطبيعي إلى الجهل وغياب الوعي عند الجمهور، وكذلك ضعف الرقابة على الهيئات الصحية، مضيفة: «إدارة العلاج الحر، ووزارة الصحة تقوم بمتابعة هؤلاء الدخلاء، وكذلك التأكد من وجود تراخيص معتمدة من الصحة للمنشأت الطبية ولمزاولة مهنة الطب للتأكد من أن العاملين في العلاج الطبيعي هو خريجي كليات الطب».
نقابة العلاج الطبيعي: أخطاء غير المتخصصين قد تؤدي للشلل
فيما يؤكد الدكتور سامي سعد، النقيب العام للعلاج الطبيعي، على خطورة مزاولة مهنة العلاج الطبيعي من قبل غير خريجي الكلية، موضحًا أن الدخلاء في تلك المهنة الحساسة يمثلون خطر جسيم قد يؤدي بحياة آخرين.
ويوضح: «كليات التربية الرياضية والعلوم الطبيعية تمنح درجات الماجستير والدكتواره في العلاج الطبيعي وليس مصرح لها هذا الأمر، ومن ثم نحن في حاجة ماسة إلى إصدار قرار من قبل المجلس الأعلى للجامعات بإلغاء هذا النظام».
النقيب يشير إلى ضرورة وجود تشريعات صارمة لردع من يتجرأ على مزاولة المهن الطبية بدون وجه حق، ولا بد أن تتكاتف جميع أجهزة الدولة لرصد تلك المخالفات، مضيفًا: «قد يُصاب المريض بمضاعفات صحية نتيجة تلقيه العلاج من قبل أشخاص غير مؤهلين».
ومن بين الإصابات بحسب النقيب: «الشلل والحروق قد يؤدي في كثير من الأحيان إلي حدوث الوفاة، نتيجة الطريقة الخاطئة في البرنامج العلاجي، لأن فوضى الشارع الطبى في حاجة إلى قوانين رادعة».
ويختتم: «يجب التكاتف للقضاء على فوضى الأماكن التي تمنح درجات مهنية ودورات تدربية بمجال الطبي تدفع الأدعياء لممارسة الطب دون رقابة والتي يتم التعامل معها بالغلق، وبالفعل يخضع مزاولو المهنة غير المؤهلين لطائلة القانون.