الرجل الذى لا يغضب
يعرفنى أصدقائى بشيئين، الغضب والطيبة، قد يدفعنى موقف بسيط ضايقنى بشكل متكرر إلى ثورة عارمة تقضى على الأخضر واليابس، غير أنها تنتهى بعد دقائق بشكل غير مفهوم.
ما بين غضبى من الآخرين على أفعالهم، ونفسى على رد فعلي، يحدث الكثير، فى البداية أحاول أن أتجاوز ما أغضبني، فى الثانية أصمت، وفى الثالثة أتحدث بالتلميح، فى الرابعة أخبرك بشكل مباشر.
أما فى الخامسة فلا يصح فيّ إلا قول الحُطيئة:
أبت شفتاى اليوم إلا تكلمًا بسوءٍ فما أدرى لمن أنا قائلهُ
وسأغضب وأقضى على كل ما بيننا، وهو أمر أندم عليه- فى كل الأحوال- فور هدوئي.
ولا أجد هنا أنسب من كلمات فيودور دوستويفسكي، فى الجزء الثانى من كتاب «الأبله»، لتعبر عن غضبي، إذ يقول:
«الإنسان العصبى إذا غضب غضبًا شديدًا وخرج عن طوره يمكن فى حالات قصوى أن يمضى فى الصراحة إلى درجة الاستخفاف والاستهتار، فلا يخشى بعدئذٍ شيئًا، ويكون مستعدًا لإثارة أية فضيحة».
ولأن ذلك أمر لازمنى لسنوات، فقد بات غضبى بمثابة نوادر يتحاكى عنها أصدقائي، أذكر أننى فى إحدى المرات، عندما طلب منى صديق أن أستهدى بالله- على عادة المصريين- رددت ردًا لو حاسبنى الله عليه لكنت أخرس باقى العمر.
ومن نوادر غضبى أنه ذات مرة حاولت أمّى- حفظها الله- تقويم أحد سلوكياتى بشيء من الحدة، فرددت عليها ردًا أندم عليه إلى اليوم، ولم تنسه هى حتى الآن، رغم مرور ما يقرب من عشرين سنة.
والغضب جزء من التجربة الإنسانية. إذا لم تتم إدارته بشكل صحيح، فقد يكون مدمرًا. ولكن يمكن أيضًا استخدامه لمصلحتك بمجرد أن تتعلم التعرف عليه وإدارته وتوجيهه، ليصبح أداةً للنمو الشخصى والمهنى، ومحفزًا لتحسين علاقاتك.
ولهذا مع قرب إتمام لعامى الـ34 على الأرض بين البشر، قررت أن أتخذ موقفًا، لا لأجل أصدقائى الذين تفرقوا ما بين التندر على غضبى أو الغضب مني، بل لأجلي، فكان تدريب Anger Management لـ Marlene Chism على منصة LinkedIn Learning وتطبيق How We Feel خير معين.
تدريب Anger Management هو عبارة عن مجموعة من مقاطع الفيديو تستمر لمدة ساعة كاملة، بها أساليب لفهم الغضب، والاستفادة منه، والتعامل معه بشكل علمي.
أما تطبيق How We Feel فكان فى البداية عبارة عن مسح مجانى يسمح لأى شخص بالإبلاغ الذاتى عن أعراض COVID-19 ومشاركة البيانات مع العلماء والأطباء بشكل مجهول.
ومع انتهاء الغرض الأساسى منه والوصول للقاحات للسيطرة على الفيروس، تحول إلى تطبيق يمكنك من تسجيل مشاعرك كلها وتعلم طرق جديدة لمساعدتك فى التعامل معها.
تجربة تدريب الـ Anger Management كانت مميزة، إذ يساعدك فى البداية على تقبل مفهوم الغضب، بدلًا من السيطرة عليه، وفهمه، والسماح لنفسك بالتعبير عنه بشكل مناسب، واستخدامه فى التقدم فى عملك وحياتك.
ثم بعد ذلك يأخذك فى جولة خفيفة تتضمن أساليب لمعرفة أسباب الغضب الكامن بداخلك، فمثلًا يتبع التطبيق أربعة تكنيكات للتعامل مع الغضب:
راقب مؤشرات الغضب لديك، تعرف على آثاره الجسدية عليك، حدد شعورك بدقة، لاحظ تصرفاتك وحاول التعامل معاها.
فى السطر السابق تسأل نفسك: كيف أتعامل مع تصرفاتي؟ هنا تأتى أهمية باقى التدريب. غير أن تطبيق How We Feel له دور أكثر تميزًا فى تلك المسألة.
فى البداية يسألك: كيف تشعر؟ ليأخذك بعدها فى جولة الهدف منها اكتشاف ما الذى تشعر به، وسبب شعورك به، وكيفية التعامل مع ذلك الشعور.
فعلى سبيل المثال إذا كنت غاضبًا ولديك طاقة شديدة، يسألك: ما هو شعورك بالضبط؟ لدىّ طاقة غضب شديدة. أين أنت؟ فى العمل، ماذا تفعل؟ أتناول الإفطار، من معك؟ زملاء فى العمل س وص، وهكذا.
بتحليلك الشخصى لتلك البيانات تجد أن المشكلة ليست فى الفعل، بل فيمن يحيطونك، ومن هنا يأخذك لعرض 3 حلول لما تشعر به، فى طريقة غاية فى المتعة والسهولة.
ورغم أن البعض منا قد يجد بعض أصدقائه ومعارفه ممن يدعون معرفة كل شيء وكل حل ومروا بكل التجارب، وهو أمر مزعج، إلا أننى أعتبر ذلك التطبيق بمثابة صديق حقيقى يعرف حقًا حل كل المشاكل، كما أعتبره متكاملًا مع «الكورس» الذى تحدثت عنه سابقًا، فبه الجزء العملى بعد معرفتك للجزء النظري.