ماذا بعد كأس العالم؟!
ود الناس ألا تنتهي فعالية كأس العالم من فرط المتعة والإثارة اللتين لازمتا أحداثها منذ البداية إلى الختام، ولقد اعتبر محللون رياضيون كثيرون، ومشاهدو كرة لديهم خبراتهم التي لا يستهان بها، مباراة النهائي التي جرت بين الأرجنتين وفرنسا، وربحها الأرجنتين بضربات الجزاء، اعتبروها أفضل مباراة في نهائي كأس العالم بمدى تاريخه.. والحق أن الكأس التي أقيمت على أرض عربية فصبغت البشر كلهم بصبغتها كانت كأسا حالفها التوفيق من جميع زواياها. بدأت، كما بدأت، بإيقاع عربي صرف تضمن إيقاعات الآخرين، بسعة ومحبة، وانتهت بالعباءة التي لبسها نجم النجوم ليونيل ميسي حاملا صيده الضخم.. بل إن بوينس آيرس وضعت على حيطانها المحتفلة بالحصاد الذهبي صورا للعملاق مارادونا، وهو يرتدي الغترة والعقال والعباءة نفسها!
لن تقوم القيامة بعد كأس العالم طبعا، لكن يعود الناس إلى كئوس بلدانهم ودورياتها بعد الكأس العالمية، يعودون محليين كما كانوا، وكم يتمنون أن يجدوا أثرا واحدا من الآثار العديدة المذهلة التي عاينوها بطول المونديال، غير أن رجاءهم يخيب غالبا؛ فالكرة المحلية جافة بائسة كأنها لم تكن حاضرة في مدرجات ملاعب قطر للفرجة ومحاولة الاستفادة والتغير..
يجدر بكرتنا، بعد أن عرفنا كرة أخرى كانت لحنا ساحرا متواصلا، أن تتخلص من عيوبها القاتلة، وعيوبها هي عيوب الكرة العربية والإفريقية في العموم، مع فوارق مفهومة، البطء والتكتل الدفاعي مهما تكن النتيجة وغياب الدقة في خاصية التمرير، بالذات، والفشل في إنهاء الهجمات بصور إيجابية. هكذا، ويمكن طبعا أن نضيف عيوبا جديدة بحسب قدرتنا على قراءة واقعنا الكروي المؤسف!
نستطيع إصلاح أخطائنا مع ذلك، صحيح أنها تراكمت مع الزمن، وصارت كأنها الباب محكم الإغلاق فلا يستطيع أحد أن يخترقه إلا بنسفه، أعني نسف ما يعيق انفتاحه، لكن الخلاص ليس مستحيلا على كل حال، وقد أرهق ألسنتنا أن نقول، مكررين، إن المدارس الكروية الفذة منتشرة بطول العالم وعرضه، يسهل استلهام حالتها، والأدوات الحديثة المساعدة متاحة تماما، بوسعنا جلبها وامتلاكها، والمدربين الوطنيين الممتازين تحت الطلب، وليس دعم ما يريدونه بالعسير، وأما الخامات الطيبة من كبار اللاعبين الموهوبين وصغارهم فلدينا، ولو ناديناهم ردوا النداء فخورين، ولا ينقصنا حقا إلا الإخلاص، وتحديد هدف والاستماتة من أجل تحقيقه..
كأس العالم معلم وافر الأذرع، وبينما يكتب دروسه على الملأ يحتاج إلى بصيرة نافذة تتتبع حركته الكلية بأناة، وما دام يجري على الأرض كل أربع سنوات فإن الأمل يجري عليها ولا ينقطع، كل ما هنالك أننا نتسلى ولا نأخذ الأمور بجدية، ونتخيل أنفسنا منافسين وفائزين، في المضمار الكبير المرجو، ولا نعد أنفسنا إعدادا يليق بعظمته ويؤهلنا لخوضه.. ومن الآن يجب أن نكون في مونديال 2023 ساطعين ولافتين بكل معنى الكلمة!