«الثقافة.. رؤية للمستقبل».. جلسة لكبار المفكرين بمؤتمر مكتبة الإسكندرية
عُقد خلال مؤتمر مكتبة الإسكندرية "المثقفون والثقافة.. آفاق جديدة" الذي افتتحه اليوم الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، جلسة بعنوان "الثقافة.. رؤية للمستقبل".
أدار الجلسة الدكتور صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق، وتحدث خلالها الدكتور عبد المنعم سعيد، المفكر السياسي وعضو مجلس الشيوخ، والدكتور حسن طلب، شاعر، وجيهان زكي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، والدكتور حنا جريس، نائب رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والدكتور يوسف القعيد، الكاتب والروائي، والدكتور منير عتيبة، المشرف على مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، وسلوى بكر، كاتبة وروائية، والدكتورة نهلة إمام، أستاذة في أكاديمية الفنون، والدكتور هشام عزمي، أمين المجلس الأعلى للثقافة.
وأكد الدكتور صابر عرب، إن الثقافة من أولويات النهضة في الفترة المقبلة، وعندما تصبح الثقافة في مرتبة متأخرة من أولويات مجتمع ما تصبح عنده أزمة، ولا يمكن أن نفصل الثقافة عن التعليم، لما لهم تأثير بالغ على الجانبين الوطني والإنساني، مضيفًا أن اللغة أيضًا حصن للهوية الوطنية، والتي أصبحت في مرتبة متأخرة في الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن الثقافة ليست شعر وأدب ولكن هي نمط حياة، وأن يكون الإنسان إنسانًا بالمعنى الإيجابي.
وشدد "عرب" على أنه نه لا تزال المنافذ بين الثقافة والتعليم مغلقة، مشيرًا إلى أن المكتبة تنير حياة المصريين والعالم أجمع، متمنيًا أن تظل المكتبة منارة مضيئة في العالم كله.
فيما تحدث الدكتور عبدالمنعم سعيد، أن التغيير في العالم يجري بسرعة الضوء، والأمور المعقدة أصبحت أكثر بساطة وكلما باتت أكثر بساطة أصبحت أكثر وضوحًا، والبساطة والتبسيط كان دائمًا من أسرار تقدم الدول الكبرى، مضيفًا أنه اكتشف فارقًا كبيرًا بين التقدم والتخلف حيث الأول ينحي إلى التبسيط أما الثاني فيميل إلى التعقيد.
ولفت إلى أن عام 2022 هو العام الذي فشلت فيه كل نظريات العلاقات الدولية في تفسير ما يحدث فضلًا عن التنبؤ بما يلي، حيث لم تنجح نظرية توزان القوى العسكري والاقتصادي في منع الحرب الأوكرانية، ولا نجحت نظرية الاعتماد المتبادل في الإدارة والطاقة والغذاء والتكنولوجيا التي تجعل في الحرب ضررًا لجميع الأطراف بإزالة الأزمة في أولها ومنع الحرب، وكل المؤشرات للعام الجديد تشير إلى استمرار الحرب كما أنها تدخل إلى نطاقات أكثر خطورة.
وحول الإقليم العربي؛ أوضح "سعيد"، أن الإصلاح حتمي وجذريًا لأنه لم يكن ممكنًا أن يبقى الحال كما هو عليه، وعام 2015 شهد الكثير من التطورات في المنطقة لايزال بعضها عاكسًا انهيارات ما بعد الثورات، ولكن بعضها الأخر ولد إصلاحات قائمة على مفهوم الدولة الوطنية ذات الحدود المقدسة والهوية التاريخية لموطنيها.
ورأى الدكتور حسن طلب؛ إن النظر إلى الثقافة من زاوية اللغة ليس على إطلاقها وإنما هي وسيلة وغاية، ومن الخطأ الاعتقاد أنها مجرد وعاء لاستخدامها في التعاملات فقط، لأن المتضرر من هذه النظرة الضيقة هو المستوى الثقافي، فهي تهيئ الوعي لاستقبال ما تشير إليه هذه الغاية.
وأوضح "طلب" إنه عند استخدام اللغة كغاية يرتفع بها الوعي والوجدان، ساردًا استخدام الشعراء قديمًا للجن على انه منبع الشعر حتى تطورت اللغة في وجدان كبار المبدعين وأصبحت أداة يعتمد عليها كغاية.
من جهتها؛ قالت جيهان زكي:"نحن في حاجة لإدراك أهمية اللغة العربية نظرًا لأن النشئ الجديد أصبح يعاني من عوار بسبب تدريس اللغة العربية في مدارس دولية، واللغة أداة من أدوات الهوية المصرية، فهي ليست مجرد كلمة وإنما تحمل في طياتها حضارة وثقافة وطريقة تفكير".
وشددت "زكي" إن الألفية الثالثة تشهد تصارع في خطى السياسات الدولية، والقوة الثقافية أصبحت تضاهي القوى العسكرية والسياسية، والسؤال الآن أصبح كيفية استخدام هذه القوة الناعمة بدعم من ظهير امني وسياسي، وعلى مصر أن تدرك موقعها التاريخي والجغرافي وزخيرتها التراثية.
وتحدث الدكتور حنا جريس؛ عن أهمية الكلمة التي تعد أساس في بناء المعرفة، وهي ثقافة للتواصل ووسيلة لمعرفة جيل أو شعب، ومع طباعتها تصبح إبداع شائع، ولكن اليوم دخل العالم في مرحلة التحول الكبير بأن أصبحت المعرفة مصدرها صورة، وخاصة الصورة المتحركة والتي تتحول منها المعرفة إلى عدم يقين.
وطرح "جريس" حلولاً لحل هذه المشكلة منها رقمنة الثقافة المصرية بشكل علمي دقيق، وإنشاء المنصات العلمية التعليمية، لمواكبة المعرفة التي انتشرت بشكل كبير جدًا بكل أنواع اللغات والصور.
بينما يرى الدكتور يوسف القعيد؛ إن قضية الأمية كانت ولازالت تلقى بظلالها على الثقافة المصري، معتقدًا أن أعداد الأميين تتزايد رغم كل محاولات القضاء عليها، وهي الخطر الحقيقي على مصر، مشيرًا إلى عدة أزمات تؤثر على الثقافة من بينها أسعار الكتب المرتفعة وخاصة كتب دور النشر الخاصة.
وعبر "القعيد" عن انزعاجه من تراجع الإنتاج السينمائي وإغلاق العديد من دور العرض والمسارح، فأصبح اليوم هناك مأزق حقيقي في وصول الثقافة للقارئ والمستهلك العربي، كما تراجع الدور الثقافي المصري في المنطقة العربية، بعد أن كان حلم كل مثقف عربي أن يأتي إلى مصر ويقابل مبدعيها.
وحول تجربة مختبر السرديات؛ أوضح الدكتور منير عتيبة، أن المكتبة أنشأت المختبر بهدف التواصل مع المجتمع، وخلال 13 عامًا على إنشاؤه يسعى لتحقيق استراتيجية المكتبة، وتم تنظيم 50 فاعلية بحضور 400 مبدع من دول عربية ودولية و11 مدينة مصرية.
وقالت سلوى بكر؛ إن إشكاليات الثقافة في مصر منذ عهد محمد على الكبير، ومازالت مستمرة لعدم تجذر الحداثة في المجتمع المصري، واليوم يوجد تحديث ولكن لا يوجد حداثة، وهو ما يطرح تساؤلات حول دور المثقف، والتي ترى أنها تتلخص في انتاج أفكار حداثية لخلق مجتمع معاصر يعيش اللحظة الحالية التي يعيشها العالم والتخلص من الماضوية التي تطغى على أفكار المجتمع.
فيما شددت الدكتورة نهلة إمام، على أهمية نقل الثقافة إلى دوائر أوسع، خاصة وأن مصر وقعت على العديد من الاتفاقيات للحفاظ على التراث الثقافي غير المادي، مضيفة إلى أنه لن ترتفع الثقافة إلا بنظرة واعية تجاه التراث، مشيرة إلى عدد من المبادرات مثل إنشاء أرشيف ثقافي مصري غير مادي، ومبادرة صنايعية مصر لتوثيق الحرف الرائعة المنشرة في كل قرى مصر وتتوارثها الأجيال.
ولفت الدكتور هشام عزمي، إلى أن هذا البلد يستند إلى تاريخ طويل وأساس عريق وسرد هذا التاريخ يحتاج إلى وقت طويل، مشددًا على أنه من الظلم أن نقارن بين فترة كانت بها مصر اللاعب الوحيد في الساحة الثقافية، وبين الفترة الحالية التي تشهد مشاركات مشروعة لدول إقليمية.
وأضاف "عزمي"، أن الشريحة الأكبر من متلقى الثقافة في مصر هم الشباب بنسبة 60%، والذين تغيرت نظرتهم وتعاطيهم مع الثقافة ولذلك لابد من مواكبتهم، مشيرًا إلى أن خط واستراتيجيات الثقافة موجودة ولكن المطلوب الآن تمكينها وتنفيذها.