مع انطلاق القمة الإفريقية الأمريكية.. خبراء: حشد سياسى واقتصادى لمواجهة التحالفات الصينية والروسية
تنطلق القمة الإفريقية الأمريكية، اليوم الثلاثاء وتستمر حتى الخميس المقبل، وتستضيفها العاصمة واشنطن وحرص البيت الأبيض على دعوة 49 دولة أفريقية مع استثناء الدول التي تعاني من توترات سياسية وانقلابات وانحراف عن المسارات الديمقراطية والدستورية ومن ثم فإن الدعوة تعكس التزام الولايات المتحدة ناحية الدول المشاركة بالقمة.
الدستور رصد في السطور التالية تعليق عددً من الخبراء على دور القمة الإفريقية الأمريكية وكواليس انعقادها..
هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات والخبير في العلاقات الدولية، أكد أن القمة الأمريكية الإفريقية أحد أهم المحافل والأدوات التى تستخدمها الإدارة الأمريكية كأحد أهم السياسيات لفتح أفق وعلاقات اقتصادية مع الدول الإفريقية ليس هذا فحسب بل تطويع الدول الإفريقية لاستخدامها فى عملية الحشد السياسي والاستقطاب لدعم القرارات الأمريكية وتوسيع دائرة التحالفات، خاصة فى ظل الظرف الدولى الحالى الذى يشهد حالة استقطاب، ما بين روسيا التى تحاول هى الأخرى بسط نفوذها فى إفريقيا خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد القمة الروسية الإفريقية الأخيرة فى يونيو الماضى، في إطار التنافس الروسي الأمريكي.
وأوضح “سليمان” فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن سعى واشنطن لعقد فعاليات الدورة الثانية للقمة بعد قمتها الأولى في 2014 إبان وجود الرئيس باراك اوباما، تأكيد على أن الولايات المتحدة بحاجة لإعادة لملمة حلفائها واكتساب طاقة، وحشد قوة تصويتية وداعمة للسياسية الأمريكية خاصة فى ظل الحرب الروسية الأوكرانية، والقرارات الأمريكية عقب انسحاب الولايات المتحدة من مناطق نفوذها سواء فى الشرق الأوسط أو إفريقيا، ووجود تنافس من قبل دول مثل الصين وروسيا والهند.
وأكد “سليمان” أن إدارة بايدن تحاول استدراك الموقف وتحاول فتح نوافذ جديدة ومساحات مشتركة من التجارة والاقتصاد مع الدول الافريقية واكتسابها لدعمها سياسيا وتصويتيا فى المحافل الدولية سواء على المستوى السياسي أو الدبلوماسى.
وتابع : "49 دولة إفريقية تشارك في فعاليات القمة مع استبعاد 4 أخرى ذات وضعيات معلقة وفقا لقرار الاتحاد الافريقي، وهذه الدول ستكون مشاركة واسعة للغاية علاوة على وجود ممثلين عن منظمات المجتمع المدنى وبعض المؤسسات الخاصة والعامة وبعض المنظمات الاخرى دافع كبير جدا للعلاقات الأمريكية الافريقية فى هذا التوقيت مع تأكيد كبير مستشاري مجلس الأمن القومي الأمريكي للقمة القادة الأمريكية الأفريقية دانا بانكس، ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية روبرت سكوت، أن أحد أهم الملفات المهمة هى دعم التجارة والاستثمار والعلاقات الثنائية ودفع مزيد من مناخ التنمية والتبادل التجارى بين واشنطن والدول الإفريقية فى هذا التوقيت هذا بجانب ملفات أخرى مثل مكافحة الارهاب فى بعض الدول الافريقية مثل مالى ونيجيريا وبعض الدول الاخرى".
وأكد الخبير الدولي أن الولايات المتحدة لا تستهدف من خلال تلك القمة فقط عرض شراكات اقتصادية بقدر ما هى نوع من الحشد السياسى وإعادة توظيف العلاقات والادوات لمحاولة العودة لاستقطابات تدعم الصورة الأمريكية وتحاول استعادة مكانتها وموقعها فى القارة الافريقية خاصة بعد التراجعات فى الفترة الاخيرة ووجود منافسين جدد، وبالتالى هذه القمة ستشهد اعادة تموضع ورسم وهندسة السياسة الأمريكية مع الدول الافريقية فى ظل هذه التنافسية الشديدة فى هذا التوقيت الحار اقليميا وعالميا.
وشدد “سليمان” على أن القمة مهمة خاصة أن الدول الإفريقية عانت كثيرا خلال أزمة كورونا ولم يكن هناك جهد أمريكى مناسب ومتوازن مع التدخلات الاخرى مثل الصين التى تدخلت وقدمت مساعدات وأجهزة طبية ومعونات كبيرة عززت بها موقعها وشراكتها مع الدول الافريقية ومصداقيتها بشكل كبير، فى ظل تخاذل الولايات المتحدة عن تقديم نفس الدور والدعم، وهذا ساهم بشكل كبير فى تغيير مدركات والصورة الذهنية للولايات المتحدة لدى العديد من الشعوب والرؤساء فى افريقيا لصالح بعض الادوار الاخرى مثل الدور الصينى والروسى واللاعبين والفاعلين الجدد وهذا اثر على صورة الولايات المتحدة وسياستها فى الدول الاخرى، مشيرا إلى أن هذه القمة فرصة للولايات المتحدة لتعيد رسم صورتها واعادة العلاقات وتقويتها مرة أخرى واعطاء مساحات للتعاون لإستعادة بريقها مرة اخرى فى ظل التنافسية الشديدة من قبل الصين وروسيا فى الفترة الاخيرة.
ولفت “سليمان” إلى أن الأزمة الروسية الأوكرانية ستكون حاضرة بشكل غير مباشر فى هذه القمة، وخاصة أن الولايات المتحدة ستحاول التأثير على الدول الافريقية أو على أقل تقدير تحييدها فى نزاعتها مع روسيا والصين فى الفترة الاخيرة وهذا سيحقق مكاسب كبيرة للدولة الأمريكية، والدول الافريقية القادرة على رسم مصالحها والحصول على أكبر مكاسب ممكنة من هذه الشراكة فى ظل التنافسية الحالية، فعندما تكون هناك حرب باردة أو تنافسية شديدة، تكون الدول الصغيرة والنامية أكثر قدرة على الحصول على المكاسب والمرواغة والمرونة فى مواقفها وهذا يحقق لها مزايا فى الحصول على أفضليات التفاوض فى ملفات عديدة.
كامل: الولايات المتحدة تهدف إلى التأكيد على متانة علاقاتها مع القارة الأفريقية
قالت نرمين سعيد كامل، الباحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية، إن القمة تأتي في أعقاب “كوب 27” مع الأخذ في الاعتبار أن القارة الإفريقية من أكثر القارات المرشحة لمواجهة تبعات التغيرات المناخية، وهو ما شهدناه بالفعل في فيضانات السودان، ومن ثم فإن دعوة واشنطن تعكس الرغبة في التعاون مع القارة الأفريقية في مشاريع الطاقة وخصوصًا الطاقة المتجددة.
وأضافت “كامل” فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن استمرار تداعيات “كوفيد 19” على الصعيد الصحي والاقتصادي يجعل من الأهمية القصوى أن تمد الدول المتقدمة يد التعاون للدول الأفريقية للتغلب على هذه التحديات في وقت تعاني فيه القارة الأفريقية مثل باقي دول العالم من اضطرابات في سلاسل الإمداد ونقص الغذاء خصوصًا في دول شمال أفريقيا التي تعتمد على استيراد الحبوب من روسيا وأوكرانيا بسبب استمرار الحرب التي بدأت في فبراير الماضي ومن ثم فإن التعاون مع الدول الأفريقية في المجال الاقتصادي يوفر لها فرصة للتغلب على هذه الظروف.
وأوضحت الباحثة أن الولايات المتحدة تهدف من القمة إلى التأكيد على متانة علاقاتها مع القارة الأفريقية في الوقت الذي تبرز فيه تحركات الصين الموسعة على الصعيدين السياسي والاقتصادي بعد القمم التي تم عقدها في الرياض وخرجت بشراكات ضخمة بين الدول العربية والصين ، ولذلك فإن جمع الدول الأفريقية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يبدو بمثابة تعديل لكفة الميزان الدولي.