خبراء يكشفون لـ«الدستور» ملفات القمة «الإفريقية الأمريكية»: امتداد لمؤتمر المناخ فى دعم القارة
شدد خبراء ومحللون سياسيون على أهمية القمة الإفريقية الأمريكية، المقرر عقدها فى واشنطن برئاسة الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى الفترة من ١٣ إلى ١٥ ديسمبر الجارى.
ورأى خبراء ومحللون سياسيون مصريون وعرب تحدثت إليهم «الدستور»، أن القمة ستركز بشكل خاص على دعم الدول الإفريقية اقتصاديًا، وكذلك دعمها فى مجابهة تغيرات المناخ، والبناء على ما تحقق فى هذا الملف خلال قمة المناخ فى شرم الشيخ، مشيرين إلى أهمية توقيتها، الذى يتزامن مع تشكل نظام عالمى جديد.
مهدى عفيفى: كورونا والصناعات الصغيرة تتصدر النقاشات
قال مهدى عفيفى، عضو الحزب الديمقراطى الأمريكى، إن من أهم الملفات المتوقع مناقشتها فى القمة الإفريقية الأمريكية، دعم الدول الإفريقية بجرعات من لقاح «كورونا»، فى ظل أن إفريقيا أقل قارة على مستوى العالم فى معدلات التطعيم ضد الفيروس.
وأضاف «عفيفى»: «سيتم كذلك بحث دعم إفريقيا فى قضية التغير المناخى، لأن هناك قصورًا شديدًا فى بعض الدول الإفريقية من ناحية المياه، وبالتالى ستكون هذه القمة امتدادًا لقمة COP 27 فى مدينة شرم الشيخ، قيما يتعلق بدعم الدول الإفريقية فى هذه الملفات».
وواصل: «القمة ستناقش أيضًا دعم الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر، لأن الولايات المتحدة معنية بالنمو الاقتصادى لإفريقيا، وكذلك الصناعات التى تحظى بمشاركة أكبر للمرأة والأقليات، وذلك على ضوء رغبة الإدارة الأمريكية فى دعم الروابط بينها وبين الدول الإفريقية، خاصة مع التوغل الصينى والهندى فى بعض المناطق الإفريقية».
ومن الملفات المهمة أيضًا حسب «عفيفى»، يأتى التعاون الأمنى لمكافحة الإرهاب، لأن بعص الجماعات الإرهابية لا تزال موجودة فى عدة دول إفريقية.وتوقع أن يكون من بين نتائج القمة، إعلان استمرار دعم واشنطن لإفريقيا فى مواجهة تغير المناخ، ودعم الصناعات ونقل التكونولوجيا، واستمرار الدعم الأمنى.
حازم القصورى: توقيتها مهم بالتزامن مع نظام عالمى جديد
رأى حازم القصورى، الخبير السياسى والقانونى التونسى، أن القمة الإفريقية الأمريكية تأتى فى توقيت مهم للغاية، فى ظل أن العالم الجديد الذى يتشكل يتجه إلى تكتلات اقتصادية وسياسية بديلة ما بعد النظام العالمى القديم، أى ما بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط حائط برلين وفشل الحرب على الإرهاب.
وقال «القصورى» إن هذه القمة ستكون منعرجًا وفرصة للدول الإفريقية من أجل تحديد مستقبل العلاقات التى ترتكز على التشاركية، من أجل مواصلة التنمية وبناء السلم والأمن الدوليين.
وأضاف: «القمة ستعالج كبريات المسائل الاقتصادية والسياسية التى تتخبط فيها القارة العجوز إفريقيا، والأولويات ستكون للصحة والتعليم والأمن، إلى جانب الأخطار الإرهابية والنزاعات التى تمزق القارة نتيجة التنوع العرقى والديانات وحروب المياه، ما يفرض على القادة المشاركين فى القمة فتح كل هذه الملفات العالقة، من أجل مستقبل أفضل لإفريقيا والولايات المتحدة أساسها التعاون المشترك».
وواصل: «هذه القمة مدخل لفض النزاعات بالطرق السلمية، ووضع حد للانفلات المتعلق بالسلاح فى القارة».
وأكمل: «الدول الإفريقية كما الولايات المتحدة، معنية بالتعاون فى المجال الاقتصادى والأمنى والعسكرى، لحماية دولها ومناطق نفوذها من الأخطار المحتملة فى هذه الألفية الثالثة، التى تعتبر ألفية الصراع على النفوذ والمياه».
نهى أبوبكر: تعزيز الأمن الغذائى للحد من الهجرة غير الشرعية
أوضحت نهى أبوبكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إنه من المتوقع أن تجمع القمة الحكومات الإفريقية والمجتمع المدنى والمجتمعات الإفريقية فى دول المهجر من مختلف أنحاء الولايات المتحدة والقطاع الخاص كذلك، للسعى إلى الوصول لرؤية مشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
وأوضحت أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية أن هذه القمة تأتى فى إطار أهمية العلاقات الأمريكية- الإفريقية وزيادة التعاون بشأن الأولويات الدولية المشتركة، ورأت أن أولويات القمة طبقًا للجانب الأمريكى تنحصر فى المشاركة الاقتصادية الجديدة، خاصة أن الولايات المتحدة تحاول أن تعوض ما خسرته فى إفريقيا.
وتابعت: «ستركز الولايات المتحدة على تعزيز التزام إفريقيا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما يجده الجانب الإفريقى مشروطية للتعاون، وهو مغاير للتعاون الصينى الإفريقى الذى يأتى فى إطار اقتصادى بحت». وأضافت: «تتجه الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز الأمن الغذائى والسلام والأمن لما لها من تأثير على الحد من الهجرة غير الشرعية وتحجيم انتشار الإرهاب، وستركز على الاستجابة لأزمة المناخ، وهو ما تطالب به الدول الإفريقية الولايات المتحدة والمؤسسات المعنية بدعم التكيف مع التغير المناخى، دعمًا لا يؤثر على حجم الدعم المقدم للتنمية، ولا يؤثر على آمال الشعوب الإفريقية».
وأكدت: «ليس من المتوقع أن تخرج القمة بمخرجات محددة، لتباين وجهات النظر الإفريقية، وبسبب التواجد الصينى البديل فى المنطقة، ولكنها بداية لفتح مناقشات موسعة، وسيحاول الجانب الأمريكى والأطراف الإفريقية المتعددة تحقيق المكاسب».
باسل ترجمان: واشنطن أدركت غيابها الاقتصادى
أشار باسل ترجمان، الكاتب والصحفى التونسى، إلى أن القمة الإفريقية الأمريكية تأتى بعد انتباه واشنطن المتأخر إلى حجم غيابها الاقتصادى عن القارة الإفريقية، وسبب الغياب أنها اختارت أن يكون استثمارها فى الحروب والتدخل لمواجهة الجماعات الإرهابية فقط على مدار عشرات السنوات.
وأضاف «ترجمان»: «كانت أمريكا ترى إفريقيا فقيرة، لذلك لم تتعاون مع دول القارة إلا فى الجانب الأمنى، وبالتالى تركت الساحة لقوى دولية- خاصة الصين- لكى تتغلغل وتدخل بقوة، واليوم نرى الصين تتعاون مع الدول الإفريقية فى العديد من المجالات الاقتصادية الحيوية.. وانتبهت أمريكا أخيرًا لذلك».
وتابع: «خسرت أمريكا الكثير بلا شك حينما أصرت على نمط واحد من التعاون مع دول القارة السمراء، ودفع تلك الدول للقبول بنمطية الديمقراطية حسب المنظور الغربى الفوقى، الذى يرى أن هذه الشعوب عليها أن تلتزم بالمثل والقيم التى تدعى أنها ديمقراطية، لتنال الرضا، ويأتى ذلك ضمن قراءة فيها الكثير من الفوقية والتعالى تجاه شعوب العالم الآخر وأولها الشعوب الإفريقية».
وأشار إلى أن الإشكالية الأساسية هى أن الولايات المتحدة ليست لديها استراتيجية فى التعاون الاقتصادى والتجارى مع إفريقيا، وفى المقابل نشاهد ما نفذته الصين من مشروعات بنية تحتية لدعم الدول الإفريقية.
وأوضح: «الإدارة الأمريكية ليست لديها فكرة عما يمكن أن تدعم به الدول الإفريقية لتحسين مستوى حياة مواطنيها، وأتوقع أن يكون الأمر مجرد تكرار للمساعدات الأمريكية المخصصة لقضايا محددة، وليست لها على مدار تاريخها نتائج فى تحسين حياة المواطنين الأفارقة».
وأكد أن على أمريكا تقديم دعم حقيقى للأفارقة، لكى يكون هناك تغيير فى طبيعة العلاقات، لتنتقل من الاهتمامات الأمنية والعسكرية فقط إلى الاهتمامات الاقتصادية والاجتماعية أيضًا.
وقال: «حدثت أزمات اجتماعية واقتصادية فى إفريقيا نتيجة نهب ثروات القارة، وغياب العدالة، بالتالى هذه القمة لا يمكن أن تسهم فى وضع حد للأزمات إن لم يكن هناك تفكير حقيقى واستراتيجى فى رؤية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فى التعاطى غير التقليدى مع القارة السمراء».
وأضاف: «أمريكا تتعامل بتعال مع إفريقيا، وهناك ازدواج فى معاييرها حينما تتفاعل مع قضايا مثل الحق فى التنمية والحق فى الحياة.. أمريكا تعتبر نفسها مكلفة بفرض نموذجها الغربى الديمقراطى على الدول الإفريقية».
وتابع: «التعاون الأمنى والعسكرى كان المحور الأساسى فى السياسات الأمريكية التى أثبتت فشلها فى أن يكون لها دور فعال فى القارة الإفريقية، فالقضية الأساسية اليوم هى تعزيز التعاون فى المجالات الاقتصادية ودعم اقتصادات الدول الإفريقية لتخفيف الأزمات الاجتماعية الصعبة».
محمد سعد: الولايات المتحدة فى حاجة لإعادة ضبط علاقاتها الدولية
شدد محمد سعد، الأكاديمى والباحث الليبى، على أن القمة الإفريقية الأمريكية تأتى فى ظروف تغير وانتقال فى النظام الدولى، والاتجاه نحو نظام دولى متعدد الأقطاب، وتصاحب هذا المناخ حالة من الركود والتضخم الاقتصادى العالمى، وعلى وجه التحديد بعد جائحة كورونا.
وأضاف «سعد»: «حالة الاضطراب الدولى فرضت على الولايات المتحدة محاولة الحد من تزايد نفوذ القوى الاقتصادية الكبيرة، مثل الصين، وما تمثله من خطر على موقع الولايات المتحدة، وبالذات فى إفريقيا والشرق الأوسط، وتحتاج الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة ضبط العلاقات مع الدول الإفريقية والتخلص من منهج الهيمنة واستخدام أدوات التحفيز والإجبار، والتوجه نحو الشراكة كما تفعل الصين فى الوقت الحاضر».
وتابع: «سيكون النقاش حول ملفات متعددة، ولكن فى باطنها جميعًا محاولة إزاحة تنافس القوى الكبرى الأخرى وكسب الدول الإفريقية لتعزيز وجود الولايات المتحدة الأمريكية.. وبالطبع تدرك الدول الإفريقية أن قدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها، خصوصًا الدعم الاقتصادى، محدودة، وفى كثير من الأوقات تبقى وعودها دون تنفيذ بالمقارنة مع العمل الاقتصادى والتنموى الذى تقدمة الصين دون شروط».
وأشار إلى أن هناك ظرفًا راهنًا أجبر الولايات المتحدة على الاهتمام بهذه القمة، وهو القمم التى عقدها الرئيس الصينى فى السعودية مع كل من دول الخليج والدول العربية، التى تركزت على الشراكة الاقتصادية والتنموية وتطابق وجهات النظر حول الأوضاع الدولية والإقليمية فى ظل حالة عدم الاستقرار الراهن.
وقال: «أعتقد أن النتائج المتوقعة ليست على الإطلاق متطابقة بين الأطراف، بمعنى أن الولايات المتحدة تنظر لهذه القمة لتأكيد دورها وهيمنتها على المنطقة فى مقابل المنافسين الصاعدين. فى حين يرى الجانب الإفريقى أنه ليس هناك اتساق بين القول والفعل فى سياسة الولايات المتحدة، غير أن الظرف الراهن الدولى والإقليمى وحاجة الولايات المتحدة للدول الإفريقية، قد يدفع نحو نتائج ملموسة فى شكل دعم اقتصادى ولو مشروط».
وأوضح أن الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة يريان فى استمرار الصراع الحاصل فى الدول الإفريقية جزءًا من جدول أعمال يتفاوض عليه مع القوى الأخرى «بالذات روسيا والصين». وعلى هذا الأساس سوف تستمر الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول الغربية فى إدارة هذه الأزمات وليس إنتاج حل لها.
وأكد: «تمثل الأزمة الليبية حالة يمكن القياس عليها، بالحفاظ على إدارة الأزمة وليس حلها مع استمرار مصالح هذه الدول خصوصًا فيما يتعلق بشئون الطاقة».
وتابع: «من ضمن تطلعات الولايات المتحدة لهذه القمة الحصول على دعم صريح لموقفها من الأزمة الروسية الأوكرانية. ويدرك القادة الأفارقة ضرورة عدم الاصطفاف للحفاظ على موقع يبعد الرجوع لحالة الصراع التى كانت سائدة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، وما شكله عمل الاستقطاب من تداعيات على الدول الإفريقية وإدخالها فى صراع مسلح».
واعتبر أن القمة تعقد فى ظروف تغير وانتقال فى النظام الدولى وتزايد فى حالة الصراع الإقليمى وتردى أوضاع الاقتصاد العالمى، مع احتفاظ الذاكرة الإفريقية بعدم مصداقية الولايات المتحدة وفرض شروطها فى مسائل الدعم والشراكة.
وقال: «لهذا تلتقى الأطراف بمصفوفات تفاوضية مختلفة، فى الوقت الذى تركز فيه الولايات المتحدة بالعمل من أجل إحداث حالة استقطاب تواجه القوى الدولية الأخرى، ويسعى الجانب الإفريقى للحفاظ على علاقات متينة مع الولايات المتحدة دون الاتجاه نحو حالة الاستقطاب، والحفاظ على معادلة محايدة فى هذا الظروف».