«اقتربت يا ليو».. الساحر فى عرضه الأخير ما الذى تبدّل فى «ميسى 2022»؟
فى الليلة رقم ١٠٠٠، أمام أستراليا فى دور الستة عشر ضمن منافسات كأس العالم «قطر ٢٠٢٢»، كان ليونيل ميسى مُحاطًا بأزمات عديدة، أولاها غياب أنخيل دى ماريا عن تشكيلة الأرجنتين، كما أن أثر جيوفانى لو سيلسو، الذى أُصيب قبل انطلاق البطولة، ما زال واضحًا، ولم يعوضه أحد.
«أستراليا» تكتل دفاعيًا ولعب بقتالية شديدة، وقبل الأربعين بدقائق قليلة، لم تكن هناك هجمة واحدة تذكر لـ«التانجو»، الأمر الذى أنذر بليلة كبيسة وثقيلة على محبى وعشاق «ميسى» ومنتخب بلاده.
بمقربة من خط التماس مارس «ليو» ضغطًا غير معتاد، طارد مدافع أستراليا الذى كان بحوزته الكرة، واشتبك معه بكل قوته، وأجبره على الخطأ والخروج بالكرة، بعد التحام شديد، انتهى بشجار بين اللاعبين.
استفز المدافع الأسترالى «ميسى» بشده من قميصه، لكن النتيجة والقلق على مستقبله وفريقه كان يستفزه أكثر، فهنا حضر «ليو» بالحل الاستثنائى، وفتح المباراة بهدف رائع من زاوية مغلقة وصعبة.
ترى الأغلبية هدف «ميسى» سهلًا عاديًا، لكن المدقق سيفهم أن التسجيل أمام هذا الكم من السيقان وكثافة المدافعين الأستراليين، احتاج لدقة لا متناهية، وتوجيه لا يفهمه سوى لاعبين من نوعية «ميسى».
ولتأكيد ذلك، سبق أن سدد لاعبو منتخب تونس من نفس المنطقة ومن زوايا مشابهة أكثر من ٥ مرات أمام أستراليا، ارتطم جميعها بأقدام مدافعى المنافس، لكن لأنه «ميسى» رأى الجميع أن الهدف سهل وعادى، كما ذكرنا فى البداية.
قبل صافرة الحكم بثوانٍ قليلة، حاز «أستراليا» فرصة تهديف مؤكدة، وضع الملايين أياديهم على قلوبهم، مهاجم أستراليا على بُعد أمتار من المرمى دون رقابة، فقط هو بحاجة ليدير وجهه للمرمى ويسدد فى الشباك.
قبل أن يستدير المهاجم الأسترالى، كان إيمليانو مارتينيز، الحارس الأرجنتينى، خلف ظهره راكضًا ومستميتًا على كرة أقسم على أنها لن تدخل الشباك حتى لو كانت روحه ثمنًا لذلك.
كان «مارتينيز» فى النسخة الأسوأ له أمام السعودية، كرتان فقط استقبلهما بهدفين، وتعامل معهما بأسوأ ما يكون، التمركز كان سيئًا، وطريقة الارتماء على الكرة لم تكن سليمة ولا فى التوقيت المناسب.
الأمر أرّقه نفسيًا وجعله مكتئبًا لدرجة أوصلته للتواصل مع طبيب نفسى بعد مباراة السعودية، كاد ينفجر حزنًا عما فعله بحق زملائه و«ميسى» قبل الجميع.
لكن «ميسى» فى لقطة تعبر عن براءته وروحه التى يعامل بها زملاءه، ارتمى فى حضن «مارتينيز» قبل مباراة بولندا أثناء دخول الملعب وكأنه يخاطبه: «ما زلت أثق بك تمامًا.. أنت الحضن الذى نطمئن جميعًا بالقرب منه».
ما فعله «ميسى» خارج الملعب مع «مارتينيز»، وداخل الملعب لرفعة فريقه فى مشوار كأس العالم، جعل الحارس العملاق يقزم من دوره الفاعل فى إنقاذ الأرجنتين باللحظات الأخيرة، ويقول: «ميسى يمثل ٩٩٪ من الفريق، ونحن مجتمعون ١٪ فقط».
قد تكون النسبة مبالغًا فيها، لأنهم يعشقون «ميسى»، وربما الأمر غير قابل للقياس بشكل دقيق، لكن حقًا كل شىء مبنى على «ميسى»، وهو سعيد وراضٍ ومتحمس جدًا لذلك.
ليونيل ميسى لا يكره التعويل عليه ولا ينزعج من تحمل المسئولية مثلما يصور البعض، فطوال مسيرته يسجل ويصنع ويفعل كل شىء.
الفارق الوحيد أنه حينما ساعد «ميسى» فى تسجيل ٣ أهداف أمام فرنسا، خلال النسخة السابقة من كأس العالم، كان هناك حارس لـ«التانجو» يستقبل أى شىء يمر بجواره.
الفارق أن ميسى كان يراوغ ويمر ويكسر الخطوط، لكن هيجواين كان يهدر ويضيع ويدمر، بينما ألفاريز الآن يقاتل ويترجم اللا فرصة إلى هدف.
احتاج «ميسى» فقط لفريق قوى دفاعيًا، يحافظ على صلابته وقوته وتنظيمه، وحارس مرمى موهوب وقوى وقادر على الدفاع عن مرماه، أما زيارة شباك المنافسين فهى مهمته التى لم يتوان عنها أبدًا، وقادر على فعل الأمر ذاته وتكراره فى كل مرة.
أصبح «ميسى» مطمئنًا أكثر من أى وقت مضى، فهو الآن يشعر بأمان كبير رفقة الأطفال والمراهقين الذين تربوا ونشأوا على حب قدوتهم، لذلك يلعبون بأرواحهم ويقاتلون على كل كرة من أجل رؤية القائد متوجًا بالذهب. «دى بول» يقاتل خلف «ميسى» وكأنه على جبهة الحرب، ويطارد الخصم خلفه وكأنه يحمى حدود الوطن، وألفاريز يركض بلا توقف، ويضغط مدافعى الخصم بكل شراسة وقوة، ويسجل من أنصاف الفرص، ثم يذهب ليحتفل بـ«ميسى» لا بنفسه ولا هدفه، رغم أنه يحقق ما فشل فيه الكبار، ويكرر ما فعله كريسبو فى ٢٠٠٦ بالتسجيل مرتين متتاليتين فى المونديال، وهم ٥ فقط فعلوها فى «التانجو».
فى المقصورة يجلس تياجو ميسى، أصبح يفهم ماهية كأس العالم، لأول مرة يحضر واعيًا، لذلك يقول «ميسى»: «أريده سعيدًا معى»، وهذا دافع جديد يعيد حيوية وشباب «ميسى» ويجعله يقاتل أكثر على فرصته الأخيرة.