اجعل مطامحك فى السماء!
يروى الأديب الكبير نجيب محفوظ متحدثًا عن أستاذه سلامة موسى أنه كان متواضعًا محبًا الشباب المجتهد مشجعًا لهم، ومن ذلك أن تلميذه وديع فلسطين- عضو المجمع اللغوي بدمشق والأردن- حينما مر بضائقة هجر على أثرها الحياة ونسيه الناس والأصدقاء والزائرون، أرسل إليه رسالةً قال فيها: "اجعل مطامحك في السماء، ولكن اثبت بقدميك على الأرض، واستشرف الدنيا من علٍ، فتتصاغر أمامك ترهاتها، كن كبيرًا بعقلك وقلبك، وارض ضميرك، فكأنك ملكت الدنيا جميعًا".
وحينما تأملت تلك النصيحة وجدت فيها تفسيرًا لحديث روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما قال: "إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها"، فهكذا يريد الله أن يرى عباده غير منشغلين بتوافه الأمور بل يحبون ويلهثون وراء معاليها، يبذل جهده وطاقته في الهام والمفيد ليس في توافه الأمور التي لا طائل من ورائها.
وفي نصيحة الأستاذ سلامة موسى لتلميذه كثير من الرؤى الطيبة النافعة، فهو يدعوه إلى ألا يلتفت إلى الصغائر؛ لأنها ماضية في نهاية الأمر، ولا ينشغل بها إلا من هم أمثالها، وأن ينظر إلى الدنيا بما فيها من أعلى، فهذه هي حقيقتها، كل ما يلهث وراءه البشر وهم كبير، ما دام لا منفعة حقيقية منه، كذلك خلافات البشر وجدالهم الذي يشغل العقول والقلوب ويفضي إلى الشقاق والنزاع... كل ذلك لا طائل من ورائه، وحينما يدع الإنسان كل ذلك من الشواغل التي لا قيمة لها حينئذ تتصاغر في عينيه الدنيا، فلم تصبح لها قيمة فلا يحزن الإنسان على شيء ولا يغره شيء ولا ينشغل إلا بإرضاء ربه وراحة ضميره، ومن ثم يحوذ الراحة الكبرى والنعيم الدائم وكأنه ملك الدنيا بأسرها.
وقد تابعت الناجحين في مختلف المجالات فما وجدتهم إلا سائرين على هذا المنوال، متمسكين بعظائم الأمور غير ملتفتين إلى سفاسفها، فليس لدى الناجح وقت لخلافات أو جدالات أو ترهات فاشلة لا تقود إلى شيء وإنما ينشغلون عادةً بما ينفع أو يضيف إلى مسيرة النجاح أو رقى العقل وسمو القلب.
إنني أهدي تلك النصيحة الرائقة إلى شبابنا الذي يقضي الأوقات الطويلة في محادثات على وسائل التواصل أو تعليقات والدخول في نقاشات لا تنفع وإنما تضر وتنقص من قيمة الإنسان في كثير من الأحيان، حيث إن الواجب علينا جميعًا أن نلتفت إلى ما يزيده ولا ينقصه.