أموال مزورة للبيع.. «الدستور» تحقق في انتشار سوق العملات المزيفة
ربما لا يتخيل أحد أن الأموال الموجودة في حافظته الآن قد تكون مزيفة، تم تزويرها من قبل جهات غير مختصة وبعيدة عن أعين الرقابة، وبيعها لآخرين قاموا بتداولها في السوق وانتقلت من يد إلى آخرى حتى وصلت إليك.
يبدوا الأمر بعيدًا عن الخيال، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك، بعدما أصبح تزييف العملات متداولًا بشكل كبير على منصات الإنترنت، لا سيما مع الارتفاع في معدلات التضخم كل فترة، إذ يضرّ ذلك الأمر بالاقتصاد.
في 24 نوفمبر العام الحالي، ألقت الشرطة القبض على سيدة تروج العملات المصرية المزيفة بالشراء من بعض المحلات بميدان محطة حلوان، وفي حوزتها 10600 جنيه مزيفة، اعترفت أنها اشترتهم من مجموعة على فيسبوك.
كان ذلك الخيط الذي تتبعته "الدستور" في تحقيقها للكشف عن صفحات ومنصات على شبكات الإنترنت يديرها سماسرة غير مختصين يبيعون من خلالها عملات مزيفة ويعلنون عنها بأرقام ضخمة، يتم بيعها مقابل أموال رسمية بفئات أقل ويقع فيها ضحايا لا طائل لهم، ما يقلل من قيمة العملة المصرية ويضر بالاقتصاد ويخالف قانون العقوبات.
منصات ومكاتب تبيع أموال مزيفة: "الألف بـ200 جنيه"
بمجرد أن تضع كلمتي "فلوس مزورة، أموال مزيفة" على محرك البحث جوجل، تظهر منصات كثيرة داخل مصر وخارجها تعرض أموالا مزيفة، كذلك الأمر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، والذي انتشرت عليه صفحات ومجموعات لذات النشاط وتعلن عنه.
رصد "التحقيق" أحد المنشورات داخل مجموعة باسم "فلوس مزورة" وكتب صاحبه: "معايا فلوس مزورة درجة أولى في القاهرة الألف بـ350 جنيه سليم"، وعلى الفور بدأت تنهال عليه التعليقات والاستفسارات وإمكانية التواصل من قبل سماسرة وزبائن آخرون.
وكتب آخر في ذات المجموعة: "الألف بـ400 فئة 100 و50 و200 ورق بنكنوت، سلم واستلم في مكان عام مش خاص، ومفيش شحن والتواصل خاص وللجادين فقط"، ووضع رقمه من أجل البدء في عمليات البيع.
اختلفت أسعار العملات المزيفة، فكتب سمسار ثالث يستعرض إمكانيات عملاته المزورة: "موجود فرز أول شغل ليزر ألوان ثابتة ملمس خشن متعرفش تفرقها بين الأصلية، ولو عرفت تفرقها متاخدهاش، بسلم في مكان عام وبخليك تشوف حاجتك قبل ما تدفع الفلوس".
وبالتعمق في البحث، وجدنا أن الأمر لا يقتصر على منصات التواصل الاجتماعي، ولكن هناك مكاتب ومقرات تمارس ذات النشاط وتتعامل على مبالغ أكبر من المعروضة على فيسبوك، إذ أعلن أحد المكاتب عن وجود عروض وكانت كالآتي: "10 آلاف عليهم ألف، والـ20 ألف عليهم ألفين، الـ30 ألف عليهم 3 ألاف، والـ40 عليهم أربع ألاف".
وأنهى المكتب إعلانه بإغراء للزبائن: "ورق بنكنوت، علامة مائية تمثال خفي، ألوان ثابتة"، ناشرًا صورًا من داخل المكتب دون أن يدون عليه عنوان، وانهالت عليه التساؤلات عن كيفية التواصل.
ضحايا العملات المزروة يحكون تجاربهم
في 7 يوليو الماضي، كانت تبتاع لمياء، ربة منزل ثلاثينية، مستلزمات منزلها من أحد سلاسل المحلات الكبرى، وبعدما دفعت الثمن المطلوب، تفاجئت بـ"الكاشير" وزملائه ينادون عليهم ويحتجزونها حتى يأتي المدير دون أن تعلم ماذا يحدث.
فوجئت بأن المدير يؤكد لها أن العملة التي دفعتها فئة الـ100 جنيهًا مزورة بالكامل وغير أصلية، وحين سألته كيف علم أكد لها أن الألوان مختلفة كما أنها مصنوعة من الورق ويمكن "كرمشتها" بسهولة وكذلك قطعها.
كادت أن تواجه لمياء تهمة الإتجار في العملات المزيفة وتداولها، لولا أنها بعد محاولات إقناع للمدير بأنها لا تعلم عن ذلك الأمر شيء، وكشفه عن باقي العملات التي بحوزتها ووجدها أصلية تركها بعدما قام بتنفيذ ثقوب عديدة في الورقة حتى لا يتم تداولها مرة أخرى.
نفس الأمر تعرض له كرم، موظف ببنك حكومي، حين فوجئ بأنه يمتلك أموالا فئة الـ100 جنيه مزورة، حيث كان يقوم بعملية إيداع في البنك وعرف الموظف أن تلك الأموال مزيفة وغير أصلية.
يقول: "كنت بعمل إيداع بمبلغ مالي معين، ولما حط الموظف الفلوس في ماكينة العدّ كانت بتيجي عند الورقة دي وتقف أكتر من مرة، فخدها ودخل جوه تقريبًا في علامات للكشف عليها وخرج قالي دي مزورة".
قام موظف البنك بحسب كرم، بإحداث ثقوب في الورقة حتى لا يتم تداولها مرة أخرى، وإجراء عدة كشوفات على باقي الأموال من أجل التأكد أنها سليمة قبل إيداعها في البنك، ومنذ ذلك اليوم ويشك كرم في جميع العملات التي يقوم بتداولها.
"الدستور" تعقد اتفاقين لشراء عملات مزيفة
وللتأكد من أن تلك الصفحات حقيقية وليست مجرد احتيال أو تسلية، عقد فريق تحقيق “الدستور” اتفاقين، أحدهم مع مكتب حقيقي أي له مقر، والآخر مع صحفة على فيسبوك، واختلفت العروض في الاتفاقين.
في البداية تواصلنا مع واحدة من الصفحات الشهيرة في هذا الأمر، وأبلغنا صاحبها بأننا نرغب في شراء 20 ألف جنيه مزورة على أمل ألا يكون متوفرا ذلك المبلغ الكبير، ويكون الأمر مختصرًا على مبالغ 5 آلاف جنيهًا، إلا أن "محررة الدستور" فوجئت بتأكيد صاحب الصفحة أن الأمر متاح، وأكد لها أن الأموال مصنوعة بإتقان وعليها العلامة المائية والتمثال الخاص وكذلك نفس الألوان، وتوجد جميع الفئات بداية من 50 إلى 200 جنيه: "الفلوس هتبان إنها أصلية محدش هيعرف يفرقها ومحدش بيركز".
وعن طريقة التوصيل والمبلغ المطلوب نظير ذلك، أكد أن الـ20 ألف للعملات المزورة تُباع بألفي جنيه فقط من العملة الأصلية، وأن التسليم سيكون في مكان عام وسينتظر السمسار بعد أن يتأكد الزبون من الأموال وشكلها.
الاتفاق الثاني كان مع سمسار حاولنا أن نقابله في مكتبه كي نعرف العنوان والمقر، إلا أنه تحفظ مؤكدًا أن الاستلام يكون في الأماكن العامة فقط، موضحًا أن العملات التي يبيعها فرز أول ولا يمكن كشفها.
وقال السمسار: "الفلوس كوبي لكن فرز أول وشغل عالي، ومتاحة خلال 24 ساعة فقط، وأي مبلغ حتى لو عدى 50 ألف جنيه"، وعن السعر وطريقة البيع أكد أنه سيكون في مكان عام، والـ1000 من العملة المزيفة تباع بـ400 جنيه من العملة الأصلية.
تم إنهاء الإتفاقين إلى هذا الحد، دون إتمام عملية الشراء حتى لا يتم التورط قانونيًا.
قانوني: "السجن المشدد للقائم بتزويرالنقود وترويجها على مواقع التواصل الاجتماعي"
علق محمود إيهاب، محامي متخصص في قضايا التزييف، على ظاهرة تداول النقود المزورة على مواقع التواصل الاجتماعي قائلًا: "الدولة المصرية تحارب تلك الفئات المرتكبة لتلك الجرائم، فقد ألقت الحكومة المصرية القبض على عدد من القائمين بتلك الجريمة، وذلك خطوة منها للحد على تلك الظاهرة".
وأضاف إيهاب: "جرائم تزوير وتزييف العملات المعدنية أو الورقية يُعاقب عليها القانون، فقد نص قانون العقوبات المصري على تشديد هذه العقوبة إذا ترتب على هذا التزوير هبوط سعر العملة المصرية، كما ويعاقب القائم بعملية التزوير بالسجن المشدد".
ويوضح المحامي أن المادة رقم (203) قد نصت على معاقبة كل من أدخل بنفسه أو بواسطة غيره في مصر أو أخرج منها عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة، وكذلك كل من روَّجها أو حازها بقصد الترويج أو التعامل بها بالسجن المشدد، ويتم تغليظ العقوبة المدرجة في قانون العقوبات إذا نتج عنها تأثير بالسلب على القيمة الشرائيه للجنيه المصري.
خبير اقتصادي: أحدثت ضجّة كبيرة
يقول وليد جاب الله، خبير اقتصادي، إن ظاهرة تداول النقود المزورة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أحدثت ضجة قوية، وأثارت بدورها القلق والمخاوف بين مستخدمي التواصل الاجتماعي، والدولة تعمل جاهدةً على إصلاح هذا الأمر بإلقاء القبض على مرتكبي تلك الواقعات.
ويتابع: "بيع النقود المزورة وتداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي يعد جريمة كبيرة، يعاقب عليها القانون وتحاربها السلطات المصرية بشتى الطرق، كما ويتم إلقاء القبض على من يروج لها ويعمل على ضخها بالسوق المصري، معلقًا: "الناس الى بتعمل كدة بتثير البلبلة بين أفراد المجتمع، فلازم الدولة تحاربهم وتحد من انتشار الظاهرة الغربية".
وعن تأثير ظاهرة بيع النقود المزورة على قيمة الجنيه المصري، فيقول الخبير الاقتصادي: "لها تأثير ولكن تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال الآونة الأخيرة، يأتي نتيجة استمرار تبعات أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بشكل سلبي على قيمة الجنيه المصري".
ويضيف: "نتج أيضًا عن ارتفاع الفجوة بين صادرات مصر ووارداتها تعويم صرف الجنيه المصري"، مشيرًا إلى إن صندوق النقد الدولي يتطلب المزيد من المرونة حتى يحدث توازن بين العرض والطلب على الدولار في مصر.
يستكمل: "لقد أصبح التعامل في مصر بالمدفوعات الإلكترونية، الكثيرون من أفراد المجتمع لجأ لسداد مستحقاته إلكترونيًا من خلال البطاقات البنكية الخاصة بذلك، وقد تم إصدار بطاقة ميزة والتي انتشرت بشكل كبير بين أفراد المجتمع لتسهل على الفرد سداد مستحقاته المالية، وإتمام كافة التعاملات المالية، فلا يوجد بالفعل مجال لتداول العملات المزورة".
ويختتم الخبير الاقتصادي: "لتحول الرقمي الضمان الأولي للبعد عن النقود المزورة والتعاملات المالية الزائفة، كما تسهم في إنجاز التعاملات المالية في وقت أقل"، مشيرًا إلى إن هناك العديد من التدابير التي تق وم بها الحكومة المصرية لضبط القائمين بتلك الجرائم للحد من تلك الظاهرة ومحاربتها.
خبير معلومات: "مؤشر خطر"
يقول أسامة مصطفى، خبير تكنولوجيا المعلومات، إن تداول النقود المزورة على صفحات التواصل الاجتماعي عامل خطر قد يقع ضحاياه الكثير من المواطنين مسخدمى تلك المواقع، كما إن الهدف منه هو إثارة المخاوف والبلبة بين أفراد المجتمع، لكن الدولة تسعى جاهدةً لرصد القائمين بتلك الجريمة.
ويوضح مصطفى: "يعد بيع النقود الورقية المحلية أو الأجنبية المزورة على مواقع التواصل الاجتماعي جريمة غير مشروعة يُعاقب عليها قانون العقوبات المصري"، مشيرًا إلى إن الدولة المصرية المتمثلة في مباحث الإنترنت تقوم بالفعل بتتبع القائمين بارتكاب تلك الجريمة ورصدهم وإلقاء القبض عليهم.
يضيف: "لقد أصبح لدى ماكينات الصرافة والبنوك العديد من الأجهزة المستخدمة للكشف عن صحة النقود وخلوها من أية تزييف، كما وقد أصبح التحول الرقمي يلعب دور كبير في الحد من تلك الظاهرة،"، منوهًا إلى إن المواطن الذي يتعامل خارج القنوات الشرعية مُعرض لكثير من المخاطر.
ويختتم: "وزارة الداخلية والأجهزة المعنية لديها العديد من أنظمة الترقب والتتبع بشكل يمكنها من رصد المخالفين والقائمين على تلك الظاهرة، وبالفعل تم إلقاء القبض على كثير منهم، ولكن هناك ضرورة لنشر الوعي بين المواطنين بعدم إتباع وتصديق المعلومات غير موثوقة المصدر".