«تنوير العقول».. مثقفون يتحدثون عن توجيه الرئيس بإنشاء المكتبات: «خطوة فارقة لبناء الوعى»
رحبت الأوساط الثقافية بتوجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بعدم الاكتفاء بإقامة الأنشطة التجارية والخدمية خلال عملية التطوير الجارية لمرافق وطرق وكبارى العاصمة، وإضافة البُعد الثقافى والمعرفى لتلك الأنشطة، خاصةً إنشاء المكتبات.
واعتبر عدد من الكتّاب ذلك التوجيه خطوة مهمة للغاية فى طريق بناء الوعى للإنسان المصرى، بحيث تتوفر له المصادر المعرفية بسهولة ويسر، من خلال إتاحة الحصول على الكتب وقراءتها، ومشاهدة الأنشطة المختلفة.
فيما قالت الدكتورة نيفين الكيلانى، وزيرة الثقافة، إنها حريصة على متابعة توجيهات الرئيس ووضعها حيز التنفيذ، لافتة إلى أن الوزارة فى انتظار التكليفات المنوطة بها فى هذا الأمر.
حسين حمودة: يفتح منافذ جديدة غير تقليدية لبث الثقافة بكل أشكالها
قال الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة، إن إضفاء البُعد الثقافى على المنشآت الجديدة فى مصر، مثل المحطات والكبارى والمبانى العامة، إضافة مهمة جدًا تنطلق من توجه سليم.
وأضاف «حمودة» أن هذه العملية يجب تعميمها بحيث تتجاوز المنشآت الجديدة، أى يجب أن تتحقق فى كل المنشآت التى يمكن نشر الثقافة فيها، موضحًا: «طبعًا الثقافة هنا يمكن أن تشمل أنشطة متعددة، على رأسها تجهيز مكتبات صغيرة، وأماكن لعروض أفلام قصيرة، ومعارض فنية وتشكيلية وبيئية، وما يمثل امتدادًا لأكشاك الموسيقى، إلى آخره».
وأكمل: «كما يمكن أن يتم تخصيص جزء من هذه الأماكن كمنافذ لتوزيع بعض المنتجات الثقافية والفنية المتنوعة، ولعل التوسع فى مثل هذه العملية- وطبعًا قبل ذلك التجهيز المناسب والمنظم لها- يفتح منافذ جديدة غير تقليدية لبث الثقافة بكل أشكالها، ولتلبية الحاجات الثقافية المتنوعة، وأيضًا لكسر العزلة التقليدية التى تحيط بالكثير من المنتجات الثقافية بوجه عام».
سلوى بكر: مجابهة قوية للجماعات الإرهابية.. وتثقيف للأجيال الجديدة
أشادت الروائية سلوى بكر بتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤكدة أن «الثقافة تعد مجابهة قوية للإرهاب مثل المواجهة الأمنية».
وقالت «سلوى»: «حينما كنت فى فترة المراهقة، كان كل حى فى القاهرة يضم مكتبة يتردد عليها الناس، إما للقراءة أو للاستعارة، ما أسهم فى خروج أجيال مثقفة، واستفادت فئات كثيرة من وجود تلك المكتبات، خاصة الأسر التى كانت لا تستطيع شراء الكتب».
وأضافت: «بمرور الزمن، لم تعد هذه المكتبات موجودة، لذا أرى أن فكرة تدشين مكتبات فى الأماكن السكنية ذات الكثافة العالية، فكرة مهمة جدًا».
وأوضحت: «بسبب الكثافة السكانية أصبح الحيز العمرانى ضيقًا، ولم يعد بالإمكان توفير أراضٍ لبناء مكتبات عامة، وأقترح أن نستغل الحدائق الواسعة لتخصيص ركن فى كل حديقة للقراءة.. ما المانع؟.. من السهل تدشين مكتبة فى الحديقة الدولية مثلًا».
ورأت صاحبة رواية «البشمورى» أن أكشاك المنتجات والسلع الغذائية مهمة للغاية، لكن من الممكن أيضًا إنشاء كشك كمكتبة، متسائلة: «ما الذى يمنع من إقامة كشك للقراءة مثل الأكشاك المهمة لبيع السمك أو اللحوم، على أن يضم كل كشك مجموعة من الطاولات».
وقالت: «طرح فكرة مراعاة البُعد الثقافى والمعرفى، خاصة بإنشاء المكتبات، وعدم الاكتفاء بإقامة الأنشطة التجارية والخدمية فى عملية التطوير المستمرة لمرافق وطرق وكبارى العاصمة- مهم للغاية، لأن ذلك سيشجع المواطنين على فكرة القراءة، ويمكن أن تقدم هذه الأماكن مشروبات».
وأوضحت أنه يمكن استغلال الدور الأرضى بمعرض هيئة الكتاب الموجود فى شارع ٢٦ يوليو بوسط البلد فى القاهرة، موضحة: «ممكن يتحط فيه كام ترابيزة، وهو كان معمول كده فى البداية، وقتما طوروا الفرع، لأن أى حد يحب يقرأ كتاب هيروح يقعد فيه ويشرب فنجان قهوة».
واقترحت أن يجرى استطلاع رأى للشباب والمراهقين، خاصة فى الجامعات، لمعرفة الكتب التى يحبونها، وبذلك سنعرف طبيعة ذائقتهم الفنية، وقالت: «من الضرورى أن نعرف اهتماماتهم وأى الكتب التى يفضلون قراءتها، إضافة إلى أنه من الممكن توجيههم لأنواع من الكتب، ويمكن السير بعد ذلك فى الخطين على التوازى».
وذكرت أن غالبية الشباب يجهلون تاريخ مصر، رغم أن هناك سلاسل جيدة ومهمة للغاية تصدر عن الهيئة العامة للكتاب، ومن الممكن أن يطلع عليها الشباب، واقترحت لتحقيق ذلك تشكيل لجنة من خلال الهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة، لصناعة قواعد بيانات.
وأوضحت: «نعانى من أزمة غياب قواعد البيانات، ونحتاج لاستغلال معرض القاهرة للكتاب باعتباره مؤشرًا مهمًا للغاية على القراءة، والتعرف على ما يرغب الجمهور فى قراءته فى كل فئة من الأعمار على حدة».
وتابعت: «لا بد من أن يجرى المتخصصون فى الإحصاء دراسات لمعرفة ما تفضله كل فئة عمرية من الكتب، وكذلك الكتب الأكثر مبيعًا فى هيئة قصور الثقافة والهيئة العامة للكتاب».
وطالبت بضرورة تكوين قاعدة بيانات قبل الشروع فى أى خطوة، لافتة إلى أنها اقترحت على الدكتور هيثم الحاج على، رئيس الهيئة العامة للكتاب سابقًا، ضرورة وجود مكتبة عامة فى منطقة المقطم، خاصة أنها تخلو من أى مكتبة.
وأوضحت: «مافيهاش مكتبة عامة واحدة رغم كثافتها السكانية الكبيرة، ورغم أنها منطقة عبور للمتجهين لمنطقة ناصر أو التجمع».
إبراهيم داود: يجب إشراك المجتمع المدنى فى تنفيذ المشروع
أشاد الشاعر إبراهيم داود بفكرة إضافة البُعد الثقافى والمعرفى فى عملية تطوير طرق وكبارى العاصمة خاصة إنشاء المكتبات.
وقال: «خبر سار جدًا، ومشروع عظيم وأتمنى تحقيقه فى أسرع وقت وبشكل يليق بمصر»، مضيفًا: «من الجيد أن تأتى هذه الخطوة التى ربما تأخرت كثيرًا».
وذكر أن الطرق والكبارى ليست ملك فئة معينة، وإنما لجميع فئات المجتمع، مشيرًا إلى أنه يطمح فى أن تعود مصر مثلما كانت فى نهضتها الأولى وتحديدًا بعد ثورة ١٩١٩، وبأن تكون لدى الشعب ذائقة أدبية وفنية، وتكون هناك كتب دينية جيدة، وكتب أدبية تقدمها أجيال مختلفة وليست الأسماء الكبيرة فقط، وتكون منفتحة على كل الاتجاهات الفكرية والأدبية، ونُشعر الجميع بأننا لسنا معزولين عن الكوكب.
واقترح تنفيذ أنشطة وفعاليات مصاحبة لهذه المكتبات، وأن يكون للمجتمع المدنى دور فى هذا المشروع بالمشاركة مع مختلف الجهات، كهيئة الكتاب وقصور الثقافة وغيرهما من قطاعات وزارة الثقافة، لجعل هذه المكتبات بمثابة منارات ثقافية، مضيفًا أنه يتمنى أن يلقى الإعلام الضوء على هذه المكتبات وأماكن وجودها.
سمير الفيل: توجه سليم يحتاج جهازًا مسئولًا لتحويله إلى برامج قابلة للتنفيذ على الأرض
رحب الشاعر والروائى سمير الفيل بالتوجه لاستغلال المساحات المتوافرة بمشروعات التطوير المختلفة للطرق والمرافق فى إقامة مشروعات تضفى قيمة ثقافية وبُعدًا معرفيًا، واصفًا ذلك بأنه توجه سليم من الدولة، لكنه يحتاج إلى جهاز حقيقى لتحويل الفكرة إلى برامج ممكنة التنفيذ.
وقال: «هناك عدة مقترحات لتحويل الفكرة إلى واقع قابل التنفيذ، مع وضع ضوابط تضمن الإجادة والتحديث بما يتناغم مع العصر، ومنها السماح بوجود مكتبات دائمة أو متنقلة فى المناطق المتاحة تحت الكبارى أو قرب المسطحات المائية، وإلى جوار النيل، خاصة فى القرى البعيدة».
وأشار إلى أن هناك أيضًا مقترحات بتوقيع بروتوكولات بين وزارة الثقافة والكليات الفنية، لرسم جداريات ترصد بطولات الشعب المصرى على امتداد تاريخه، داعيًا إلى السماح بفتح حوانيت أو دكاكين حديثة، بسعة مناسبة، تبيع القطع الخزفية بشكل احترافى جميل، مع إحياء ورش المشغولات الحديدية والحفر على النحاس وصنع السلال من الخوص وغيرها من الصناعات البسيطة.
وأوضح أنه من الطبيعى، فى ظل هذا التوجه، أن يلتحق خريجو الفنون التطبيقية والجميلة بالمشروع فى مجالات متنوعة مثل فنون الخزف والسجاد ولوحات فن الجرافيك وغيرها، كما يمكن أن يخصص فى كل عاصمة بالمحافظات مكان لعزف القطع الموسيقية، أو تدشين «كشك الموسيقى»، كما كان يحدث فى ستينيات القرن الماضى.
وأضاف: «من الضرورى أيضًا فى ظل هذا الحراك الثقافى أن تتواجد مراكز الفنون الغنائية والمسرحية لتقدم فنونها بعد انتهاء اليوم الدراسى، ما يضمن مشاركة الطلاب وتنمية مواهبهم»، لافتًا إلى أن تلك المشاريع ستكون بحاجة إلى الاهتمام بالثقافة البصرية، ممثلة فى الجداريات والتماثيل الجمالية والرسوم الشعبية.
وقال: «هذا التوجه يفتح باب المشاركة أمام طلاب كليات الفنون فى المحافظات، وفى محافظة دمياط، التى أنتمى إليها، لدينا كلية للفنون التطبيقية يمكنها القيام بدور مهم فى هذا التوجه، فهناك يمكن استخدام مشغولات الفنان صلاح عبدالكريم من بقايا النحاس لتكوين أشكال بديعة، وسبق أن عرضت مفردة (الحصان) للفنان العالمى محمد رزق فى أحد المعارض بمدينة رأس البر، وكانت بالحجم الطبيعى، وكلها أمور يمكن استغلالها لدعم هذا التوجه الممتاز».
وواصل: «هناك أيضًا مئات التصورات التى يمكن أن تسهم فى غرس القيم الجمالية فى نفوس المواطنين، كما حدث فى فترات تاريخية اهتمت بفنون الميدان، وأذكر أن أول مسرح رأيته فى طفولتى كان مسرحًا مفتوحًا قدمته فرقة جوالة من القاهرة فى إحدى المناسبات الوطنية، وسط أشهر ميادين مدينة دمياط، بسوق الحسبة، التى اتسعت للمئات وقتها».
وتابع: «علينا أيضًا أن ننتهز توافر التكنولوجيا، ودخولها فى أغلب الأنشطة الفنية، لنتيح الفرصة لأجيال من الشباب كى تقدم مواهبها فى مسابقات الكمبيوتر، فى مواعيد معلومة، وفى مناطق جديدة تحت الكبارى، ويمكن هنا الاستفادة من تجارب سابقة مثل ساقية الصاوى وغيرها، كما يمكن كذلك تدشين مسابقات فى فنون الرقص والغناء الجماعى والمونولوج، التى هى فى سبيلها للتبدد».
وأكد الكاتب سمير الفيل أن بناء فكر ووجدان الإنسان يعد خطوة ضرورية للرقى والتقدم، لكنه يحتاج إلى إعادة الاعتبار للفنون المختلفة، ومن بينها تلك التى انقرضت أو كادت، مثل فنون الأراجوز وخيال الظل وأشكال المسرح الشعبى المختلفة، والتى بينها تجربة مسرح أبوالعلا السلامونى، التى هدفت لبناء مسرح حديث بعناصر تراثية راسخة.
وأكمل: «أتصور أن هناك أشكالًا أخرى، ثقافية وأدبية وموسيقية وتشكيلية يمكنها أن تسهم فى إعادة النضارة لوجه مصر الثقافى، وأن تجعل الفن فى خدمة الواقع، فلا يمكن لمن هم فى جيلى أن ينسوا ما رأيناه فى طفولتنا من نشاطات مهمة، وأتذكر وأنا طالب بالصف الثالث الإعدادى عرضًا للوحات للفنانين التشكيليين عرضت على امتداد الكورنيش، كما أتذكر سباق الدراجات الدولى فى عيد دمياط القومى، وتكريم الفائزين على الكورنيش، على خلفية اللوحات العملاقة وأقواس النصر، وكلها مشروعات ظللنا نحلم بها طويلًا وجاء وقت تنفيذها وإعادتها إلى أرض الواقع».
«قصور الثقافة»: منافذ لبيع الكتب فى «الميادين المُطورة» وأسفل الكبارى
قال هشام عطوة، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، إنه بناءً على توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، بأن تكون هناك مراعاة للبُعد الثقافى وإنشاء المكتبات، فإن الهيئة، بصفتها إحدى أذرع وزارة الثقافة المنوط بها التنشئة الثقافية فى المحافظات والأقاليم المختلفة، ستعد دراسة لإنشاء منافذ لبيع الكتب فى الميادين التى يتم تطويرها. وأضاف «عطوة» أن المكتبات ستكون أيضًا أسفل الكبارى التى تم إنشاؤها حديثًا، بما يتواءم ورؤية الرئيس، وكذلك فى المحاور التى تنشئها الدولة حاليًا، ليساير الفعل الثقافى التطوير الخاص فى البنى التحتية وكل المنجزات الجديدة.
وأشار إلى أن الخدمة ستكون متاحة لكل أبناء الوطن، من أجل القراءة والاطلاع وكذلك شراء الكتب، وبمبالغ زهيدة، لخلق حالة من التناغم ما بين البُعد المعيشى والفعل الثقافى.
وتابع: «سيتم إنشاء منافذ لبيع الحرف التراثية واليدوية أيضًا، وفى القريب العاجل سيتم عرض الأمر على وزيرة الثقافة نيفين الكيلانى، والبدء فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه فى أسرع وقت ممكن، والتنسيق مع كل أجهزة الدولة المعنية فى هذا الصدد».