«أن الأوان نرقص سامبا».. أسلحة البرازيل لاستعادة أمجاد مونديال كوريا واليابان
بكاء وصراخ واحتفالات جنونية.. هكذا كان حال معظم لاعبي المنتخب البرازيلي وهم يستقبلون خبر اختيارهم ضمن قائمة «السامبا» في مونديال قطر، الذي ينطلق 20 نوفمبر الجاري.
حينما تستقبل تلك المشاهد والحفاوة الكبيرة لنجوم يلعبون لأكبر الأندية في العالم لمجرد انضمامهم إلى قائمة منتخب بلادهم في البطولة، ستصيبك الشكوك، وربما تظن للحظة أن الأمر قد يكون أكبر من ذلك.
لكن في حقيقة الأمر، وأنت تنظر إلى الأسماء المتنافسة على تلك المقاعد، ستكتشف أنه أمر يستحق ذلك الاحتفال الجنوني لـ«ريتشارلسون» و«أنتوني» وعائلتهما، وغيرهما من لاعبي «السيلساو»، وستقول أنهم محقين تمامًا، فالفوز بمكان وسط هذه الكوكبة المجنونة من النجوم المسيطرين على كبرى أندية العالم هو إنجاز في حد ذاته.
كتيبة متكاملة بين أصحاب المهام الخططية الكبيرة والحلول الفردية الاستثنائية
من المقدمة سالفة الذكر يمكنك أن تستشعر حجم الخطر الذي يحاوط كل منافسي البرازيل في هذه النسخة من المونديال، وأن تستخلص أنك أمام نسخة جديدة من البلد التي فازت بمونديال 2002 في كوريا واليابان، نظرًا لقوة أسماء لاعبيها وكفاءتهم التكتيكية.
مع كل مونديال تأتي البرازيل بين المرشحين للفوز باللقب، لتاريخها وأسلوبها المتفرد، مهما تباينت الأسماء وتبدلت الأجيال. لكن مع انطلاق هذه النسخة من المونديال، فإننا لسنا أمام تاريخ فحسب، أو مجرد نجوم وأسماء لامعة تبحث عن «الشو» والاستعراض، بل مع فريق متكامل، يحمل معه وهو في طريقه إلى الدوحة كل المقومات والأسلحة التي تضعه المرشح الأول للظفر بهذا اللقب.
تتميز هذه القائمة بجمعها بين أصحاب المهام الخططية الكبيرة، حينما تبحث عن منظومة منضبطة تلعب بشكل محكم ومخطط ولا تترك مساحة للخصم ، وبين أصحاب الحلول الفردية الاستثنائية، القادرين على تغيير أي مجريات وتبديلها لصالحك مهما كانت منظومتك منقوصة ومعيوبة.
باختصار شديد يمكنك من خلال هذه الكوكبة من النجوم أن تتبع أي فلسفة، وبمقدورك أن تفوز بأي استراتيجية لعب، لأنك تستحوذ على مقومات ومواصفات مختلفة وخصائص متباينة، يؤدي اجتماعها إلى حالة من «الكمال الكروي».
ربما خط الدفاع هو أضعف خطوط «السيلساو» في هذا النسخة، خاصة بالنظر إلى ظهيري الجانب، وسط اعتماد تيتي في الجهة اليسرى على تيليس ظهير إشبيلية، وألكيساندرو ظهير يوفنتوس، وكلاهما ليس في أفضل حالة، وليسا بنفس قوة بقية العناصر حولهما.
ورغم أنه في الجهة اليمنى ربما الحال أفضل نسبيًا. لكنه ليس بقوة بقية المراكز في الفريق، وسط تواجد دانيلو وداني ألفيش.
في قلب الدفاع يمتلك البرازيل استقراراً كبيراً، مع تياجو سيلفا وماركينهوس وميلتاو، وأي ثنائية منهما تستطيع تقديم عمل كبير في عمق الدفاع، وفي عملية البناء والخروج بالكرة.
وإذا انتقلنا إلى وسط الملعب، فإننا سنكون أمام تركيبة جبارة لأسماء كبيرة جدًا، على رأس تلك الأسماء أفضل مفسد هجمات في العالم، كاسيميرو لاعب مانشسر يونايتد الحالي وريال مدريد السابق.
حينما يعتمد تيتي على طريقة لعب «4/2/3/1»، سيكون الاسم الثاني إلى جوار «كاسميرو» بحسب طبيعة الخصم، فحينما يميل إلى التوازن وعدم الاندفاع مبكرًا، يبحث عن لاعب صاحب أدوار متوازنة مثل فريد لاعب مانشستر يونايتد، أو فيدريكو سانتوس لاعب كوبنهاجن.
بينما يختلف الأمر تمامًا أمام الخصوم المتوسطة والأقل من المتوسطة، ليعتمد تيتي على لوكاس باكيتا كلاعب محور في مركز 8، بمقربة من مركز 10 الذي يشغله دائمًا نيمار دا سيلفا نجم باريس سان جيرمان. وتشكل هذه الثنائية قوة هجومية كبيرة، لما يمتلكاه من قدرات فردية كبيرة في المراوغة والمبادرة والتقدم بالكرة، وكذلك تنوع أسلوبهمل في اللعب على الخطوط وفي العمق.
في الغالب ستكون هذه الثنائية هي الأساسية في غالبية المباريات، ويتم التعويل عليها في صناعة حالة لا مركزية في الثلث الأخير من الملعب مع الثلاثي الهجومي، لنكون أمام 5 مهاجمين يتحركون ويتبادلون الأدوار، ولدى كل منهم المقدرة على خلق الحل الفردي بالمراوغة والتسديد والاختراق والتسجيل والصناعة.
الثلاثي الذي يكمل ثنائية نيمار وباكيتا هو رافيينا لاعب برشلونة في الجهة اليمنى، وفي اليسرى يقابله فينسيوس جونيور نجم ريال مدريد، الذي يعد أفضل لاعبي الجناح في العالم خلال الفترة الحالية، وبينهما في عمق الهجوم إما خيسوس لاعب أرسنال أو ريتشارلسون مهاجم توتنهام.
صحيح لا يمتلك البرازيل المهاجم الكلاسيكي، وليس لديه صاحب بروفايل المهاجم الذي نوصفه هنا بـ«رقم 9»، لكن ميزة هذه الكوكبة أن بمقدور أي منهما التسجيل، والأروع هو التسجيل من اللافرصة، أو عبر العمل الفردي الكبير.
5 مهاجمين وقدرة كبيرة على ضبط الإيقاع.. وغياب المهاجم الصريح في الصالح
كل عنصر من العناصر الهجومية الخمس في تشكيل البرازيل قادر على أداء أدوار «ضابط الإيقاع»... تخيل هناك منتخبات ليس لديها لاعب يستطيع ضبط الإيقاع والتحكم بالرتم. نحن كمنتخب مصر مثلاً لا يوجد لدينا لاعب واحد قادر على أداء هذه المهمة، بينما في تشكيلة البرازيل أكثر من نصف التشكيل لديهم القدرة على ذلك.
ونقصد بضبط «الرتم» هنا، أنهم لديهم من المهارة ما يمكنهم من التحكم بالكرة وتوجيه اللعب بشكل جيد، وإجادة عملية التهدئة والتسريع.. صحيح أن المهمة توكل بشكل أكبر لنيمار داسيلفا، لكن جميعهم يعرفون كيف يفعلون هذا جيدًا.
ورغم افتقار البرازيل للمهاجم الصريح، يمنح ذلك الفريق قوة كبيرة، لأنه يعطي كثافة عددية كبيرة في مكان الكرة، لقدرة أي من خيسوس أو ريتشارلسون على العودة إلى الخلف واللعب على الأطراف، وهنا دائمًا يستطيع البرازيل أن يستحوذ على أي خصم مهما بلغت قوته.
كذلك يشكل هذا المهاجم في أي جهة يذهب فيها 3 جبهة خطرة للغاية، ففي اليسار يمكنك رؤية نيمار بمقربة من فينيسيوس ويميل معهما المهاجم، وهو ما يزود القدرة على خلق الفرصة وصناعة الخطر في أي وقت، وفي الجهة المقابلة يذهب رافينيا مع باكيتا وأحيانًا فريد، وأخرى يمتلك نيمار حرية كاملة للميل ناحية الكرة ويلعب في الجهتين.
أي فريق يقرر أن ينتهج إيقاع سريع أمام كتيبة تيتي في نسخة قطر، فهو اختار الانتحار بنفسه، لأنك تواجه قاطرات تركض دون تعطل مهما بذلت من جهد، وتستطيع خماسية الخط الأمامي كسب أي صراع فردي له علاقة بالسرعة.
بالإضافة إلى ذلك، يمتلك هؤلاء قدرة على التصرف تحت الضغط وتبادل الأدوار، فستجد نيمار يخرج إلى الطرف الأيسر، ويتحول فينيسوس إلى مهاجم ثاني بمقربة من المهاجم الرئيسي، أو يأخذ مكان نيمار.
لن تعرف من أين يأتيك الخطر، وكيف توقف هذا الطوفان الذي تصطدم به من كل الاتجاهات.
إلى جانب ذلك، تمتلك البرازيل دكة بدلاء بنفس القوة، ويستطيع تيتي أن يكون الطرف الأقوى من خارج الخطوط أمام الجميع، لما يملكه من أدوات تجلس جواره.
على سبيل المثال، في الجناح الأيسر، إن لم يكن فينيسوس جونيور في يومه، تستطيع إدخال رودريجو، وكذلك يمكن تحويل نيمار دا سيلفا، مع إجراء تغييرات في العمق، كما يؤدي باكيتا نفس الأدوار أيضًا.
وفي الجهة اليمنىـ، تستطيع تعويض رافينا بما هو أقوى، فلديك أنتوني جناح يونايتد المتألق بقوة، وكذلك يكون رودريجو جناح ريال مدريد بارعًا أيضًا في هذه الجهة.
وفي الوسط سيكون فابينيو معوضًا لـ«كاسيميرو»، وهنا تتحدث عن ثنائية تلائم تماما أسلوب هذا الفريق، فمع تركيية تهاجم بهذه الكثافة، وأمام خماسي هجومي لديه هذه المقومات الفردية وحالة النهم أمام مناطق الخصوم، فلابد أن يكون بحوزتك مقاتل في عمق الملعب يغطي هذه المساحات الكبيرة التي تظهر أثناء الاندفاع والتقدم للهجوم، وهذا ما يمتلكه تمامًا تلك الثنائية.
يحتاج فقط تيتي لأن ينجو من الأخطاء الساذجة في الخط الخلفي، وكذلك التزام الجناحين بالأدوار الدفاعية والعودة بعد افتقاد الكرة، وسيكون هذا الأمر هو القطعة التي تكمل المعزوفة البرازيلية في هذه البطولة.
استبعاد فيرمينو خطأ لا يغتفر: «أول مدافع في المقدمة»
رغم أننا قلنا في بداية حديثنا بأن تيتي كان الله في عونه أمام هذه الكوكبة، إلا أنه ارتكب خطئًا كبيرًا لما استبعد ربرتو فيرمينو، هذا بعيدًا عن قدرة البرازيل بالفوز باللقب بدونه أم لا... لماذا؟
فيرمينيو واحد من أفضل لاعبي العالم حركة دون كرة، هو نموذج لمدرب بزي لاعب داخل الملعب. تجد غرابة كبيرة عندما تشاهده في الوسط يدافع مع لاعب الارتكاز، وهو مهاجم صريح، وتستعجب أكثر حينما تجده أقرب لاعب للظهير يطلب الكرة ليطور الأداء الهجومي، وكل هذه الأدوار الفاعلة في الخلف، لا تعوقه عن فاعلية أكبر في المقدمة بالصناعة والتسجيل.
ربرتسون الظهير الأيسر لفريق ليفربول قال ذات مرة: «حينما يتجاوز الخصم فيرمينيو نشعر بالخطر على مرمانا». تخيل معي كرة تتجاوز المهاجم الصريح، فيشعر زملائه في الخلف بالخطر، تعرفون لماذا؟
لأن فيرمينيو ليس مهاجمًا عاديًا، هو الرجل الذي يلبي نداء زملائه في أي مكان في الملعب، يعطيك الغلبة والكثافة أينما طلبته، هو دائمًا اللاعب الإضافي الذي يمنح الفريق القوة.
يجول في الملعب دون قيد لحركته، يعرف أين يحتاج زملائه أدواره، فيتمركز وكأنه لاعب شفاف، يهبط دون أن تفهم كيف جرى ذلك، إلى المكان الذي تحتاج فيه للكثافة.
يساعدك ذلك في الخروج بالكرة حينما تواجه خصم يدافع بقوة ويضغط بشكل مكثف، وكذلك يعطيك قوة دفاعية جبارة في عملية الضغط والتنظيم.
هذا اللاعب لا يشببه في العالم سوى كريم بنزيما صاحب الكرة الذهبية، الذي يتفوق عليه بالنجاعة الهجومية والسمات الشخصية كقائد، لكن ذلك لا يمنع كونه أحد أهم لاعبي العالم، خاصة بدون الكرة.
وحتى في التسجيل والتصرف بالقرب من المرمى، هو أفضل كثيرًا من خيسوس، وكان على تيتي إيجاد مكان له، حتى بوجود خيسوس وريتشارلسون، فالجميع في البرازيل يمكنك تعويضه، عدا هذا الاستثنائي فيرمينيو.