«شخصيات في حياة الحكيم».. كواليس علاقته بـ نجيب محفوظ وابنه «الموسيقار»
كان الأديب نجيب محفوظ مقربا من الأديب توفيق الحكيم، وجمعت بينهما صداقة كبيرة من لقائهما الأول، نستعرض في هذا التقرير كواليس علاقة “الحكيم” ضمن سلسلة شخصيات في حياته، علاقته القاسية مع ابنه، وعلاقته بأديب نوبل.
توفيق الحكيم وابنه
كان "الحكيم" يرغب في أن يرى ابنه "إسماعيل" مهندسا، والأبن يريد أن يصبح موسيقار، وزاد من الخلافات التي وصلت إلى ما يشبه القطيعة، أنه اقترض من والده "المعروف بخله" مبلغا ماليا ليؤسس فرقته الموسيقية "بلاك كوتس"، ولم يستطع رده.
نشر "هيكل" تنويها في الصفحة الأولى من جريدة "الأهرام" بأن توفيق الحكيم سيكتب مقالا جديدا بعنوان "تلاقي الأجيال"، وعرض مبلغ خمسة آلاف جنيه كمكافأة إضافية عن راتبه في الصحيفة.
لم يصدق الأديب توفيق الحكيم عرض "هيكل"، شك في جديته، رغم أن الكاتب الصحفي الكبير كان جادًا، إذ اتفق مع الفنان صلاح طاهر المستشار الفني لـ "الأهرام" والأديب يوسف إدريس، أن يصطحبا "الحكيم" في مغامرته.
حضر توفيق الحكيم حفلا موسيقيا لابنه "إسماعيل" وكتب انطباعه ومشاهداته في مقال على صفحتين من العدد الأسبوعي لـ "الأهرام".
يشير الكاتب الصحفي طاهر عبد الرحمن في كتابه "حكايات من الأرشيف" أن هذه المرة كانت من المرات النادرة التي يقترح فيها محمد حسنين هيكل على توفيق الحكيم أن يكتب مقالا محددًا بموضوع معين.
ويشير "عبد الرحمن" أن العلاقة كانت بين الكبيرين "الحكيم" و"هيكل" علاقة صداقة منذ بداية تعارفهما بداية فترة الخمسينات، وامتدت إلى أن صدر لـ "الحكيم" كتاب "عودة الوعي" الذي هاجم فيه الرئيس جمال عبد الناصر هجوما شديدًا وهو ما لم يكن يرضاه "هيكل".
ولفت الكاتب الصحفي، أن محمد حسنين هيكل تعرض لعلاقة الأديب توفيق الحكيم بابنه مبكرًا، ففي عام 1956 كتب في "أخبار اليوم" عدد 14 يناير، أنه لا يجيد التعامل مع ابنه، وعرض لرأي "الحكيم" الذي رأى أنهم لن يجيدوا التعامل مع أبنائهم أبدًا.
وسرد الكاتب الصحفي إبراهيم عبد العزيز الأيام الأخيرة في حياة إسماعيل الحكيم، قال: "عندما اشتد الألم على إسماعيل، نادى والده، وكانت كلمة بابا أجمل كلمة يسمعها توفيق الحكيم في حياته، فلم يشعر بطعمها ومذاقها إلا في هذه اللحظة".
وفي اللحظة التي كان الأب توفيق الحكيم يقترج علاج ابنه في الخارج، جاءه صوت ابنته "ناجا" وصوت زوجة إسماعيل الثانية "هيدي" يصرخن "إسماعيل مات".
لم يشعر "الحكيم" بنفسه، كان يصرخ ويقوم ويسقط في صالون البيت، يسرع إلى الشرفة ويعود وهو يلطم، ومرت ساعة وصمت تماما. وكلما اقترب شهر أكتوبر الذي يحمل هذه الذكرى التعيسة، تنهار نفسته وتعاوده مشاعر الذنب ظنا منه أنه أهمل ابنه في طفولته، وحرمه حنانه وهو ما تسبب في موته، بل قتله، كما يقول "عبد العزيز".
نجيب محفوظ في ندوة الحكيم
عرف نجيب محفوظ ندوة الأديب توفيق الحكيم التي كانت تقام في الإسكندرية في فترة الأربعينات، وكان يتردد عليها في "كازينو بترو" الذي هدم في السنوات الأخيرة، وكان الكازينو يحتل موقعا جميلا بجوار كابينة سيدي بشر.
في الساحة الخارجية لكازينو بترو، كان توفيق الحكيم يعقد جلساته التي يحضرها عدد من أدباء الإسكندرية والأدباء القاهريين ورجال السياسة.
كان توفيق الحكيم يتردد على الإسكندرية في شهور الصيف بانتظام، وكانت المدينة الوحيدة التي يسافر إليها خارج القاهرة.
روى الأديب جمال الغيطاني في كتابه "المجالس المحفوظية" أن الأديب نجيب محفوظ كان يتوقف عن العمل في شهور الصيف نتيجة إصابته بمرض الحساسية، ويخلو إلى البحر في الثغر، وإلى التأمل.
حكى نجيب محفوظ لـ "الغيطاني" أنه لم يعرف الباشوات إلا في ندوة توفيق الحكيم بعد ثورة يوليو، وكان يجلس عند حافة "القعدة" ينظر إليهم من بعيد، وكانوا ينظرون إليه بريبة أحيانا، ويصمتون كأنما يظنونه واحدا من جيل ثورة يوليو 1952، إذ تعرضوا جميعهم إلى قانون الإصلاح الزراعي، أو فرضت عليهم الحراسة، ومنهم من اعتقل أو سجن، وكان من رواد ندوة توفيق الحكيم في الإسكندرية إبراهيم باشا.
واعترف نجيب محفوظ في مذكراته لـ "النقاش"، أن "ركن الحكيم" في مقهى "بترو" كان يؤمه الباشوات والإقطاعيون من المهتمين بالأدب والثقافة وذكر منهم شمس الدين باشا عبد الغفار وبرهان باشا نور، قال: "عندما انضممت إليهم شعرت بتحفظهم نحوي وخوفهم من وجودي، ولاحظ الحكيم ذلك فحاول إزالة هذه التحفظات والمخاوف ونجح في ذلك، وأصبحت من أعضاء الشلة، ودخلت في نسيجها الإنساني، وأخذنا نتبادل الضحك والمزاح".
بعد قيام الثورة استمرت لقاءات "شلة الحكيم" وأصبح من روادها الباشوات السابقين، وكان "محفوظ" يستغل تحفظهم في الحديث عن السياسية ليداعبهم ويسخر منهم، فكان يتحدث عن أحدث الأفلام السينمائية المعروضة، ويستخلص منه مغزى سياسي ويشير إلى اتفاق شمس الدين باشا معه في الرأي الذي توصل إليه فيقفز من مكانه وهو في حالة هلع ليؤكد أنه لا رأي له في شيء، قال: "في تلك الأيام كان الإقطاعيون والباشوات القدامى في تلك الأيام يعيشون في حالة خوف وذعر بعد قيام الثورة خشية الاعتقال والمطاردة".