أكاديميون وخبراء عرب فى مجال التلوث البيئى لـ«الدستور»: ننتظر الكثير من COP27
تزداد معاناة المنطقة العربية من الآثار الناجمة عن أزمة المناخ والاحتباس الحراري، سواء من خلال تعرض بعض الدول لأزمات بسبب الجفاف أو التصحر أو نقص الغذاء، ومن هذا المنطلق ومع ارتفاع معدلات الوعي البيئي ومحاولات التصدي ومواجهة الأزمة المناخية، يعتقد الكثير أنه من الضروري الوصول إلى مشروع عربي إفريقي لحماية المنطقة.
ومع اقتراب انعقاد القمة العالمية للمناخ "COP27".. "الدستور" تحدث مع خبراء ومتخصصين في مجال البيئة عن أهم المحاور التي يجب الالتفات إليها عربيًا وإفريقيًا لتفادي مخاطر أزمة تغير المناخ، حيث أجمعوا على ضرورة التنسيق العربي المشترك من أجل إيجاد بدائلة للطاقة غير النظيفة، بالاعتماد على الطاقة الخضراء، فضلًا عن دراسة تبعات جفاف الأنهار في المنطقة ولا سيما دجلة والفرات، اللذين يغذيان منطقة الهلال الخصيب.
كما عبروا عن شعورهم بالفخر باستضافة مصر كبلد عربي وإفريقي القمة العالمية اللمناخ، متطلعين لأن تصبح استكمالًا لما خرجت به قمة جلاسكو 2021، واتفاق المناخ في باريس 2015.
المدير السابق لمركز حفظ البيئة ببيروت: جفاف "دجلة والفرات" يهدد الأمن الغذائي العربي
قالت الدكتورة نجاة عوني صليبة، النائبة اللبنانية، والمدير السابق لمركز حفظ البيئة في الجامعة الأمريكية في بيروت، إن طبيعة لبنان الممتد بها الأراضي الخضراء والغابات، تجعلها أمام كارثة بيئية بسبب تغيير المناخ، وهذا الكارثة متمثلة في "التصحر".
وأضافت "عوني"، في حديثها مع "الدستور": "عند النظر لأزمة التغير المناخي بالمنطقة العربية لا بد من الالتفات لعدة محاور، من بينها التصحر وحرائق الغابات في بعض الدول، بالإضافة إلى جفافة الأنهار كما هو الحال في نهري دجلة والفرات"، لافتة إلى أن هذين النهرين من أهم الأنهار التي خلقت ما يطلق عليه الهلال الخصيب.
وتابعت: "جفاف دجلة والفرات وبعض البحيرات اللائي يخرجن منهما، يهدد سلامة الأمن الغذائي في المنطقة، لأننا لن نستطيع الزراعة وتخصيب التربة لاحقًا، عندما يجفان نهائيًا".
واعتبرت الخبيرة البيئية أن الشعوب العربية تقع عليها مسئولية في الوقت الحالي تجاه الأجيال القادمة، لأنهما أمام أزمة جوع وتهديد سلامة الغذاء بسبب أزمة المناخ، موصية بضرورة تفعيل برامج تأهيل للمواطنين وأيضًا للنشء للتعامل مع قضايا البيئة.
وأردفت عوني: "لا بد أيضًا من عمل برنامج محاكاة إلكتروني يشرح مستقبل المنطقة في حالة جفت الأنهار، ويدرس كيفية تعويض سلامة الغذاء، وكيفية إيجاد بدائل للاعتماد على مصادر غذائية".
كما لفتت إلى أن هناك بعض البلدان العربية تتخبط أنظمتها السياسية، مما يجعلها تفقد الوعي البيئي بأزمة المناخ ومنهم لبنان وسوريا والعراق وفلسطين، مردفة: "ولكن هناك بلدان أثارت وعي أكبر للموضوع، وأصبح لديها دعم للأبحاث ودعم المجالات الرسمية والخاصة من أجل الانتباه لهذه الأزمة، لكي يستبقوا الكوارث المناخية، ولا بد من التذكير في هذا المجال بالمبادرة السعودية ٢٠٣٠، والتي تدعم زرع مليار شجرة في جميع الأراضي السعودية، بالإضافة إلى الإمارات وقطر".
وقالت إن التوسع العمراني في بعض البلدان العربية لا بد أن يكون في مقابله مشاريع للتشجير، حتى نخفف من انتشار الغبار، وتوفير منابع المياه.
وأشارت الخبيرة اللبنانية إلى أن هناك أيضًا الكثير من البلدان التي بدأت في مشاريع الطاقة البديلة، من أجل تخفيف انبعاثات الفاثيل فيول والفيول، لافتة إلى أن هذا التحدي أو المشروع لا يقع على عاتق الشرق الأوسط فقط، بل إنه تحدي عالمي، مؤكدة أنه كان لا بد من العمل على هذا المشروع في وقت مبكر مما نحن عليه.
وقالت أيضًا: "حتى الوقت الحالي ما وجدنا بديلًا عن الفيول، والجميع ينتظر 2030، والعالم بدأ في التكاتف من أجل هذا المشروع، لاسيما مع الحرب الأوكرانية، وأزمة الطاقة العالمية، فبدأت الأصوات بالتعالي من أجل استبدال الفيول، وحتى أنه ببعض المناطق حول العالم عادوا لاستعمال الفحم الحجري، لأنه- الغاز- السبب الرئيسي في الانبعاثات لم يعد متوافرًا".
كما حذرت من أن الشتاء المقبل ستكون له آثار كبرى أيضًا على أزمة المناخ، حيث إنه يأتي في ظل معاناة أوروبا والبلدان التي تعاني من برودة قارسة، من نقص الغاز اللازم للتدفئة، لذا سيلجا الكثيرون إلى حرق الخشب للتدفئة، مردفة: "هذا الأمر أيضًا من شأنه التأثير الكبير على تلوث الهواء وزيادة الانبعاثات والاحتباس الحراري".
رئيسة منظمة سينارجيا الجزائرية للبيئة: أتطلع للاستفادة من التجارب المصرية لمواجهة تحديات المناخ
عبرت بسمة بلبجاوي، الخبيرة الجزائرية في مجال البيئة والاقتصاد الأخضر، ورئيسة منظمة سينارجيا للبيئة، عن فخرها بأن تكون مصر المنظم للقمة العالمية للمناخ، مضيفة: "كما أتمنى أن تكون هذه القمة مبنية على ما تم التوصل إليه في قمة جلاسكو السابقة، واستكمالًا لشروط اتفاق باريس، مع الدفع بالسياسات البيئية العربية والإفريقية، وإيصال صوت إفريقيا وما تعانيه من مشاكل بيئية وتغيرات مناخية صعبة للغاية".
وأضافت "بلبجاوي"، في تصريحات لـ"الدستور": إن الدول الإفريقية من أقل الدول المنتجة لغازات الاحتباس الحراري والأكثر عرضة للتغيرات المناخية، وما ينجم عليها من كوارث طبيعية، سواء زيادة في درجات الحرارة، أو جفافًا ونقصًا في الإنتاج الغذائي، ومجاعات وفيضانات وارتفاع عدد اللاجئين، مما يهدد أمن واستقرار العديد من الدول مع ارتفاع الفقر والأمراض، ويفتح المجال للتطرف والإرهاب، بحسب قولها.
كما أوضحت أن القارة العجوز قد ساهمت بأقل قدر في ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث تمثل أقل من 4% من الانبعاثات العالمية، عند مستوى 0.8 طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون/عام، على سبيل المثال، مضيفة: "تعتبر انبعاثات الفرد في إفريقيا أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 5 أطنان من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون/عام، وأقل بكثير من المناطق الأخرى مثل أوروبا وآسيا".
وأشارت إلى أنه مع كل ما سبق، فإن المساعدات المالية العالمية للقارة الإفريقية لمواجهة والتكيف مع التغيرات المناخية ضئيلة جدًا، وهذا ما يجعل الأمر يحتاج إلى تكاتف وموقف دولي.
وفي هذا السياق، قالت بلبجاوي: لقد عبرت الجزائر عن دعمها لمجهودات دولة مصر في الدفع بالسياسات البيئية لتحقيق تغيرات ملموسة، وعلى أرض الواقع، حيث قال لعمامرة وزير الخارجية للدولة الجزائرية، خلال الاجتماع التحضيري للقمة على "ضرورة أن تتكلم الدول الإفريقية بصوت واحد من أجل الدعوة إلى عمل مناخي فعلي وناجع يأخذ بعين الاعتبار أولويات القارة الإفريقية وانشغالاتها، لاسيما بالنظر إلى المحاولات المتكررة الرامية إلى التشكيك في صلاحية مبدأ المسئوليات المشتركة رغم اختلافها".
بينما عبرت عن تطلعها للاستفادة من التجارب المصرية التي حققت تطورًا كبيرًا في التكيف ومواجهة تحدي التغيرات المناخية، من خلال مشاريع تطوير الاقتصاد الأخضر والسياسات البيئية التي تسمح بتطبيقه على أرض الواقع مع تنمية اقتصادية ملموسة وتحسن ملحوظ في المستوى المعيشي.
وعن قمة المناخ 27، قالت: "كما أتمنى أن تتطرق القمة العالمية للمناخ للمشاكل البيئية العربية والإفريقية مثل ظاهرة التلوث بمادة البلاستيك برًا وبحرًا، والتقليل من المواد البلاستيكية ذات استعمال واحد، والجفاف وأزمات الغذاء الناجمة عنه، والاهتمام بظاهرة التصحر وحرائق الغابات، والتطرق لملف إدارة المياه وتسيير النفايات، مع تأطير مساعي كل الدول العربية والإفريقية للوصول إلى وضع سياسات بيئية مشتركة تسمح لنا بالوصول إلى أهداف التنمية المستدامة مع تحقيق الاقتصاد الأخضر من أمن غذائي ومائي واجتماعي".
أستاذ البيئة في جامعة المستنصرية العراقية: يجب على الدول العربية التنسيق المبدئى قبل قمة المناخ
عبّر الدكتور إياد عبدالمحسن أحمد، الأكاديمي في مجال التلوث البيئي، بكلية العلوم، الجامعة المستنصرية بالعراق، قسم البايولوجي، عن تطلعاته إلى التزام الدولة المشاركة في قمة المناخ المقبلة في شرم الشيخ بالتوصيات التي ستخرج عنها، مشيرًا إلى مجموعة من التوصيات التي صدرت منذ انطلاق الدورات السابقة، من بينها خفض الانبعاثات من 40 إلى 70 بالمائة خلال 30:40 سنة بالنسبة للدول المتقدمة، التي تستهلك الكثير من الطاقة، بما يسمح بالحفاظ على مستوى ارتفاع درجة حرارة، على نحو لا يتجاوز أقل من درجتين، بالإضافة إلى التزام الدول المتقدمة بكمية استهلاكها للوقود الأُحفري، السبب في الاحتباس الحراري والانبعاثات ومشاكل التصحر وقلة سقوط الأمطار وتداعياتها على المناخ العالمي.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«الدستور»: «كما جاءت توصيات خاصة بالدول النامية، بأن يوفر لها دعمًا ماليًا وتكنولوچيًا، ليساعدها في مواجهة التغيرات المناخية بأسلوب حديث، بالإضافة إلى تقديم الدول الكبرى على المعونات العلمية والتكنولوجية»، مشيرًا أيضًا إلى جانب آخر من التوصيات، وهو استخدام الوقود الأحيائي «البايو أفيون» مثل الكحول الأثيلي أو الغاز النظيف، ووقود الهيدروجين.
وتابع الأكاديمي البيئي العراقي: «كان على الدول العربية التنسيق المبدئي قبل القمة؛ لأنها تحتاج تشاورًا مُسبقًا خصوصًا في مجال أصحاب الاختصاصات، وكذلك على الأكثر للدول المتضررة من التغير المناخي والاحتباس الحراري»، مضيفًا: «أكثر الدول المتضررة عربيًا العراق، فهو واحد من خمس دول ولأسباب معروفة وكذلك سوريا وليبيا وأيضًا اليمن وأيضًا دولة الصومال، فيجب أن توضع مبادئ بصورة عامة ولدراستها وإبرام اتفاق حولها في القمة وفق شروط معينة تتبناها الدول العربية».
الشرق الأوسط بحاجة إلى صندوق مالي لدعم مشاكل الاحتباس الحراري
كما أوصى بضرورة العمل على توفير صندوق مالي لدعم التطبيق؛ لأن مشكلة الاحتباس الحراري مشكلة عالمية، وأكثر تضررًا دول الشرق الأوسط، فالعلاج يجب أن يكون مدروسًا وأيضًا يجب أن يكون هناك دعم وتطبيق، قائلًا: «وليس بروتوكولات فقط وعقد مؤتمرات وندوات أو ورشات عمل، يجب أن يكون هناك تطبيق لكل المحاور؛ لأن هذا يهم مستقبل الأجيال ومستقبل البشرية، حتى الوصول إلى وجود الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة».
وأوضح أن الوطن العربي يمتلك موقعًا جغرافيًا مميزًا يسمح له بالمساهمة في هذه القضية، لوجود الطاقة الشمسية باستخدام الألواح الشمسية، وهي طاقة نظيفة، مردفًا: «أيضًا يمتلك موقعًا جغرافيًا مهمًا لوجود الرياح التي تستخدم في توليد الطاقة الكهربائية، والتي من مميزاتها أنها تدخل في مجال التكنولوجيا الخضراء، كما أنها رخيصة، وآمنة، سهلة التداول، وصيانتها رخيصة للغاية».
يمكن أن يشارك الوطن العربي في حل أزمة المناخ بمياهه الجوفية
وتابع الخبير في مجال البيئة: «الوطن العربي يعتبر رقم واحد عالميًا في كمية المياه الجوفية، وخصوصًا العراق الذي يحتل الصدارة في كمية المياة الجوفية المخزونة، طبعًا المياه الجوفية نقصد بها الماء العذبة والمياه المالحة، وهذه يمكن معالجتها مثل ما تُستخدم التقنية منذ الخمسينات في دول الخليج العربي قطر الإمارات، رغم أنها كانت مكلفة لكن الآن أقل كُلفة».
وأردف: «وأيضًا في الجانب الزراعي نؤكد على استخدام أصناف مقاومة للجفاف، وأيضًا تحتاج كميات مياه أقل للإنتاج الزراعي كمحصول استراتيجي أو لإنتاج مستخلصات طبية، هذا جانب والجانب الآخر أيضًا أصناف تقاوم الملوحة؛ لأن هناك نسبة ارتفاع عالية لملوحة التربة في معظم مناطق الزراعية في الوطن العربي».
كما أكد على ضرورة حماية البيئة الطبيعية في الوطن العربي من التحطيب، أي قطع النباتات الطبيعية وأيضًا الرعي الجائر بإنشاء منظمات تابعة للوزارات المختصة لحماية البيئات الطبيعية.
حاجة عربية لتهيئة كوادر عربية للعمل في النشاط البيئي
واعتبر أنه من الضروري أن تكون هناك تهيئة كوادر خاصة في مجال البيئة والكوادر الخاصة، عبر إقامة مراكز التدريب، وتطوير المناطق الصحراوية، وإيقاف زحف الرمال والصحراء، قائلًا: «ولا بد أن يبدأ الوطن العربي في خطة تعليمية لتدريب الأطفال منذ الروضة على حماية البيئة، لغرض الوصول إلى الحل الأمثل لحماية البيئة».
واختتم حديثه قائلًا: «كما نحتاج إلى تطبيق القوانين البيئية لحماية التنوع البيئي ومواجهة التغير المناخي الذي هو مشكلة عالمية».