فى ذكرى رحيله.. حسن حنفى استحضر كل التجارب الفكرية المصرية والعربية
تحل اليوم الذكري الأولي لرحيل المفكر الدكتور حسن حنفي، الباحث في الفلسفة والتراث الإسلامي، والذي غادرنا في مثل هذا اليوم من العام المنصرم 2021، بعدما طاف جثمانه بأرجاء جامعة القاهرة التي عاش بينها أكثر من نصف قرن.
ويعد الدكتور حسن حنفي، من أشهر منظري تيار اليسار الإسلامي، واهتم بشكل خاص بقضية التراث والتجديد، وقد خصص مشروعه البحثي من خلال مؤلفاته حول هذه القضية، فمن أبرز مؤلفاته البحثية الفلسفية كتب: «الوحي والواقع.. تحليل المضمون»، «دراسات فلسفية في الفكر الإسلامي المعاصر»، «عرب هذا الزمان.. وطن بلا صاحب»، «من العقيدة إلى الثورة» في خمسة أجزاء هي علي التوالي: «المقدمات النظرية، التوحيد، العدلي، النبوة ـ المعاد، الإيمان والعمل ــ الإمامة»، بالإضافة إلى مجلده الموسوعي المعنون بــ«من النقل إلى الإبداع».
مشروع التراث والتجديد عند حسن حنفي
يذهب الباحث الدكتور مصطفى النشار، في كتابه «فلسفة حسن حنفي ــ مقاربة تحليلية نقدية»، إلى أن: «حسن حنفي استحضر كل التجارب الفكرية المصرية والعربية السابقة عليه، وتتلمذ عليها من رفاعة رافع الطهطاوي إلى الأفغاني ومحمد عبده ومصطفي عبدالرازق وعثمان أمين وأحمد لطفي السيد وقاسم أمين، كما عاش كل التجارب الثورية والفكرية في عصره وتفاعل معها وشارك فيها، فكان دائمًا صاحب الموقف الواضح الصريح والرأي الحر المختلف».
ويضيف «النشار»: «ومشروع التراث والتجديد من خلال جبهاته والموقف الحضاري فيه وخصائصه، يظهر أنه لا يخص المفكر والمثقف العربي، فهو مشروع واقع ككل، يريد به صاحبه ــ حسن حنفي ــ تحرير الإنسان بشكل عام والإنسان العربي من التخلف وإعادة تشكيل عقله وفكره ووجدانه، وتحريره من كل أشكال الاغتراب التي تحاصر وجوده من كل جهة وجانب».
يقول حسن حنفي: «يتكون مشروع التراث والتجديد من جبهات ثلاث: «موقفنا من التراث القديم، موقفنا من التراث الغربي، موقفنا من الواقع (نظرية التفسير)، ولكل جبهة بيان نظري، والبيان النظري لكل جبهة من الجبهات الثلاث موجود في كتاب "التراث والتجديد"، الذي يمثل البيان النظري للمشروع كله، جبهات وأقسام كل جبهة، وأجزاء كل قسم، فالجبهة الأولي هي الموروث القديم والموقف الحضاري منه وتقوم على دراسة ونقد التراث ونقله إلى حاضر الأمة وإلى عصرها ليصبح عنصر قوة وعامل تجديد وبناء وازدهار في جميع المستويات الحياتية؛ لأنه لا يزال وبقوة مخزونًا نفسيًا في نفوس أبناء الأمة العربية والإسلامية، وتحويله إلى طاقات وشحنات البناء الحضاري أمر ممكن».
ويتابع «النشار» عن مشروع «التراث والتجديد» لدى حسن حنفي: «أما الجبهة الثانية أو الغرب الأوروبي المتقدم والموقف الحضاري منه من خلال قراءة الآخر ونقده في إطار جدل الأنا والآخر، هذا الجدل المبني على المركز والأطراف كظاهرة فكرية، وعلى مركب العظمة لدى الآخر، ومركب النقص عند غيره كظاهرة سلبية وغير إنسانية، رؤي وأفكار تأسست بفعل الاستشراق وبفعل الأغراض التي تخدمها، والموقف الحضاري ببعده المستقبلي في هذه الجبهة يتوقف على «علم الاستغراب»، وهو العلم الجديد الذي ينشأ في مقابل الاستشراق ويؤدي لا محالة إلى انتهاء الاستشراق، وتحول حضارات الشرق من موضوع إلى ذات، ومن أحجار إلى شعوب، وتصحيح الأحكام التي ألقاها الوعي الأوروبي، وهو في عنفوان يقظته على حضارات الشرق وهي في عمق نومها وخمولها.
والجبهة الثالثة والأخيرة هي جبهة الواقع والموقف الحضاري منها في المشروع الحضاري ككل يتمثل في إيجاد نظرية في تفسير الواقع تعتمد على منهج تحليل الخبرات تدرس الأنا والآخر، الموروث والوافد لا على أساس التبرير والرفض أو الانعزال، بل على أساس التنظير المباشر للواقع والتعامل مع تحدياته ومتطلباته في جميع جوانب الحياة لدى الفرد والمجتمع والأمة والإنسانية جمعاء.