الأمين العام لدار الفتوى بأستراليا: ارتباط الفتوى بمسايرة قضايا العصر ضرورة
استعرض الشيخ سليم علوان الحسيني - الأمين العام لدار الفتوى بدولة أستراليا خلال كلمته كيف أن الدين سد الذرائع ومنع أي ضرر يلحق ضررًا بالبيئة والتنمية، كما أوضح أهمية دور الفتوى في تحقيق التنمية المستدامة، مؤكدًا ضرورة ارتباط الفتوى بمسايرة قضايا العصر ووجوب مراعاة المفتي للواقع.
جاء ذلك خلال الجلسة العلمية الثالثة التي انطلقت تحت عنوان "الفتوى ودعم الاقتصاد الوطني" بالمؤتمر العالمي السابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.
واختتم فضيلته بتوجيه الشكر والتقدير للرئيس عبدالفتاح السيسي لرعايته المؤتمر، وللأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم ولفضيلة المفتي الأستاذ الدكتور شوقي علام.
ومن جانبه، قال الدكتور فياض عبدالمنعم حسنين، وزير المالية الأسبق: إن القصد من هذه الجلسة هو بيان دور الفتوى في دعم التنمية المستدامة، موضحًا أن الفتوى تصف أحوال التصرفات الاقتصادية وتصف معاملة الإنسان وتصرفاته في الكون المحيط به، ومن ثم لها علاقة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأضاف أن الاقتصاد وتحقيق الأهداف الاقتصادية ونمو الإنتاج أمر حافل في القرآن والسنة والفقه الإسلامي، فالفتوى من شأنها إفساح المجال في العمل الاقتصادي، والتنمية المستدامة هي تطور علمي جديد ومعرفي في علم الاقتصاد بعد أن انتهت الحقبة الاستعمارية، مشيرًا إلى أن مصطلح التنمية الاقتصادية برز بغرض دفع الإنتاج، ثم تطور المفهوم في مراحل مختلفة حتى وصلنا لهذه الصيغة التي تشمل 17 مؤشرًا تغطي ثلاثة جوانب أساسية، هي: الجانب الاقتصادي، والجانب الاجتماعي، والبيئي، وهذه التنمية الاقتصادية بهذا المفهوم، أما إنها تندرج في مفهوم العلم الشرعي أو في المقاصد الشرعية، مؤكدًا أن تغير الحكم الشرعي في التصرفات الاقتصادية طبيعي لتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، وأن أهداف التنمية تقع في نطاق تحقيق المقاصد الشرعية.
وتابع: التنمية المستدامة من وسائل تحقيق المقاصد الشرعية الكلية، والقرآن حافل بمفاهيم متساهلة مع أهداف التنمية الاقتصادية، ومطلوب من الفتوى أن تدعم الدوافع الاقتصادية إنتاجًا واستهلاكًا للحفاظ على انضباط البيئة.
وقال د. محمود حسن محمود البيطار: كبيرُ الباحثين بالأمانة العامة لِدُورِ وهيئاتِ الإفتاء في العالم في كلمة له بعنوان "أهدافُ التنميةِ المستدامةِ من منظور مقصَدِ حفظِ المال تطبيقًا على الإفتاء المعاصر": لقد قامَتْ شريعةُ الإسلامِ على تحقيقِ مَصالحِ العبادِ في المَعاشِ والمَعاد، ولما كانت هذه المصالحُ التي سَعى إليها الشرعُ الحنيفُ مُتجلِّيةً بأوضَحِ صُوَرِها من خلال المقاصدِ الشرعيَّةِ؛ كانت تلك المقاصدُ هي رُوحَ التَّشريعِ العُلْيا، وغايتَهُ العُظمى، تتَّصلُ به اتصالَ الروحِ بالجسَد، غيرَ مُنْفَكَّةٍ عن حُكمٍ من أحكامه، أمرًا كان أو نهيًا؛ وكان تحقيقُها هو غايةَ ما يُحقِّقه المفتي في فَتْواه حالَ إخبارِه عن الحُكمِ الشرعيِّ مع مقصود الشارعِ منه؛ من هُنا تُعلَم تلك الصِّلةُ التي تَربِطُ بين المقاصِدِ الشرعيةِ وبين الصَّنْعة الإفتائيَّة؛ هذا من جهة.
وأكد د. البيطار على أنَّنا ما جِئْنا اليومَ في هذا الْمَقامِ لِنُقحِمَ العُلومَ الإسلاميَّةَ إقحامًا لِمُواكَبةِ فلسفةِ مفهومٍ بيئيٍّ مُجتمَعيٍّ أُمَميٍّ، مُتمثِّلٍ في "التَّنمية المستدامة وما تشتملُ عليه مِن أهداف". كَلَّا؛ بل إنَّ هذه الفِكرةَ في الأساسِ فكرةٌ إسلاميَّةُ المنبَع، رَبَّانيةُ المصدَر، لها جُذورُها المتأصِّلةُ في نُصوصِ الوحْيَين الشريفَين: القرآنِ الكريم، والسُّنةِ النبويَّةِ المطهَّرةِ؛ فهذه بِضاعتُنا رُدَّتْ إلينا.
وشدد فضيلته على مقصده من كلمته قائلًا: وإني لا أقصدُ من كَلِمتي هذه أن أُروِّجَ لِسَبْق شريعةِ الإسلام للقراراتِ الأُمميَّةِ في مَجالِ حمايةِ البيئةِ ومَواردِها؛ فليس هذا هاجسًا من هَواجسي، ولكنِّي أرَدتُ أن أُسمِعَكم صوتَ الدِّين في جانبٍ يسيرٍ من جوانبِ هذه القضيةِ الحيويَّة، المطروحةِ على الساحةِ الدوليةِ ... هذا بصفةٍ عامَّة.
وأضاف: وعلى الصعيدِ الخاصِّ؛ فإن الأمرَ أعمقُ من ذلك إذا أمكَنَ كشفُ الصِّلةِ الكائنةِ، لا أقولُ بين نُصوص الشَّارعِ نفسِها، بل بَيْن بعضِ عُلوم الأدَواتِ والغاياتِ للفقيهِ والمفتي، وبينَ هذه الفكرةِ البيئيَّةِ المجتمَعية.. من هنا؛ كانت هذه الكلمة مضمونًا للطرح البحثي الذي وسَمْتُه بعُنوان: "أهدافُ التنميةِ المستدامةِ من منظورِ مَقْصَدِ حِفْظ المال؛ تطبيقًا على الإفتاء المعاصر".
ولفت فضيلته النظر إلى أن حفظ المال هو أحَدُ أهمِّ أركانِ كُلِّيَّاتٍ خمسٍ؛ هي: الدِّينُ، والنفسُ، والعقل، والعِرْض، والمال؛ جاءتْ الشريعةُ لِصَونِها وصيانتِها، وكان للشَّرعِ الحنيفِ في تَعامُلِه مع المالِ سياساتٌ أربَعٌ؛ هي أصولٌ يقومُ عليها النظامُ الماليُّ في الإسلام؛ يمثلها أربعة مطالب هي بيت القصيد من هذا الطرح بعد ما سبقها من تمهيد: أما أوَّلُها؛ فهو أصلُ الحِفْظ والصِّيانة، وأمَّا ثانيها؛ فهو أصلُ العَدالة في التوزيع، وأمَّا ثالثُها؛ فهو أصلُ حُرمة التعدِّي والاعتداء، وأما رابعُها؛ فهو أصلُ ضرورة الاستثمار والتنمية.
واختتم فضيلته كلمته بعرض نتائج بحثه قائلًا: قد جمعتْ هذه الفِكرةُ البحثيَّةُ بين التمهيدِ والتأصيلِ والتطبيقِ الإفتائيِّ الواقعي؛ وقد خرَج البحثُ بعِدَّة نتائجَ؛ أهَمُّها كشَف البحثُ عن الجذور الإسلاميَّةِ لأهدافِ التنمية المستدامة، من خلالِ ما جاء في نُصوصِ الوحْيَينِ الشَّريفَين؛ القرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ المطهرةِ، وكذلك فقد عَمِلَ البحث على استِجْلاءِ البُعدِ الواقعيِّ لِمَقْصَدِ حِفْظِ المالِ؛ ومِن ثَمَّ الوقوفُ على العَلاقةِ التي تَربِطُ بينه وبين أهدافِ التنميةِ المستدامة، كما قدَّم البحث نَماذِجَ تطبيقيةً صادقةً لتنزيل مَقْصَدِ حِفْظِ المال على أهدافِ التنميةِ المستدامة، مع بَيانِ مَحلِّ التَّلاقي بيْنَ كلٍّ مِنها، وأخيرًا قدَّم البحث نماذج إفتائية معاصرة لمفتي الديارِ المصرية تمثِّل اعتبارَ الفَتْوى المعاصِرةِ لأهدافِ التنمية المستدامة، تَمثيلًا صادقًا، في ضوءِ ما جاءت به الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ من أحكام.
وقال فضيلة الشيخ أحمد سمير أحمد أمين الفتوى ومدير المراجعة والتنسيق الشرعي في كلمة له بعنوان «الفَتْوَى الشَّرْعيَّةُ ودَعْمُ الِاقْتِصَادِ الْوَطَنِيِّ»: إن دارَ الإفتاءِ المصريةَ، مِن خلال رسالتها السامية، التي تدور حولَ إصدارِ الفتاوى الشرعيةِ في واقعاتِ الـمُسْتَفْتِين، وما يَهُمُّ المجتمعَ مِن قضايا دينيةٍ في مُختلَفِ المجالات: تُقدِّمُ رؤيةَ الإسلامِ الحقيقيةَ في دعمِ الاقتصادِ الوطنيِّ وتحقيقِ ازدهارِه.
ولفت فضيلته النظر إلى أن الفتاوى التي تَـحُثُّ على ترشيدِ الاستهلاكِ والاقتصادِ في المعيشة، تُعْلِـي مِن قِيَـمِ التعاونِ، وتَنشُر سِـمَاتِ التكافلِ في المجتمع، وتُـحرِّضُ المواطنين على العمل والإتقان، وعلى وَضْعِ أموالهم في المشاريـعِ الاستثماريةِ والإنتاجيةِ، والمشاركة في مُبادَراتِ الدولةِ الـمتنوعة لدعم الاقتصاد الوطني، وتُـحذِّر في نفس الوقت مِن توظيف الأموال خارج نطاق المؤسسات الاقتصادية المعتمدة من الدولة، كما في «ظاهرة المستريح» مثلًا، وكذلك الفتاوى التي تَهدُفُ إلى تشجيع الصناعة والابتكار، والتعليم والبحث العلمي، وغيرها من الفتاوى التي تُحرِّم جميعَ أشكال الاعتداء على حقوق الملكية والعلامات التجارية الأصلية، وكذا الفتاوى التي تعالج قضيةَ الفقرِ والجوعِ والبطَالةِ.. وغيرها من الفتاوى التي تَصدُر يوميًّا في هذا الإطار.
وأشار د. سمير إلى أن دارَ الإفتاءِ المصرية تَبنَّتْ مسلكًا تجديديًّا متنوعًا؛ لإشاعة هذه الفتاوى ونَشْرِها عَبْرَ وسائلِ الإعلام والتواصل المختلفة.
وأردف: وهذه الجهودُ المتواصلة التي تقوم بها المؤسسات الإفتائية عبر العصور، تُؤكِّد أن الفتوى الشرعيةَ تُسهم في تشكيلِ وبناءِ ثقافةٍ ووَعْيٍ مجتمعيٍّ عامٍّ للمشاركة بقوة في الاقتصاد الوطنيِّ، بل إنَّ حَثَّ دار الإفتاء للمواطنين على المشاركة في المبادرات التي تُطلقها الدولة، له نظرةٌ مستقبلية تعالج ثقافةَ الاستهلاك السائدة.
وأوضح فضيلته أن الفتوى الشرعيةَ، بمشروعية الإنفاق على الدراسات والبحوث العلمية، من مصارف الزكاة والصدقات والوقف، لها مردودٌ اقتصاديٌّ إيجابيٌّ كبيرٌ في مسيرةِ التنمية المستدامة.
ولبيان مظاهر دَعْم الفتوى للاقتصاد الوطني، استعرض أمين الفتوى د. أحمد سمير عددًا من النماذجَ من فتاوى دار الإفتاء المصريَّة كفتوى التسويق الشبكي (2012م)، وكذلك فتوى العملة الافتراضية "البتكوين" سنة (2017م) وكذلك فتوى "شهادات قناة السويس" عام (2014م).
واختتم فضيلته كلمته قائلًا: هذه النماذجُ وغيرُها تؤكد دَوْر الفتوى في حماية القيم الوطنية وتوطينها، وتحريرها من الـمُعوِّقات، من خلال استشراف بعض العوائق والصعوبات التي تُواجِهُ تحقيقَ أهدافِ التنمية، في منظومةٍ متكاملة، تنهض بالمجتمع وتُعزِّز أسبابَ التكافل والتعاون فيه، مع الحفاظ على هويةِ وأمنِ الوطن ضِدَّ أيَّةِ مخاطِرَ مستقبليةٍ.