«مراحل وسمات بناء الشخصية في السنة النبوية».. موضوع خطبة الجمعة القادمة
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة 21 أكتوبر 2022م تحت عنوان: "مراحل وسمات بناء الشخصية في السنة النبوية".
وأكدت على جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة عن عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية.
فيما يلي نص الخطبة
مراحل وسمات بناء الشخصية في السنة النبوية
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأََشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا مُحَمَّدًا عَبدُه ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد:
فقد حرص نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) على بناء الشخصية السوية، التي تعمِّر وتبني، وتُصلح ولا تُفسِد، وفقَ الرسالة السامية التي دعا الإسلامُ إليها، حيث يقول الحق سبحانه: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}.
والمتأمل في السنة النبوية المشرَّفة يدرك أنها بيَّنت مراحل بناء الشخصية السوية، وأول هـذه المراحل: بناء العقيدة الإيمانية الراسخة، فالإيمان بالله يزرع في الشخصية الطمأنينـةَ والسكينةَ، ويـجعـل الإنسان في معية الله وحفظه؛ يقول سيدُنا جُنُدب بن عبد الله (رضِيَ اللهُ عنه): كنَّا معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ونحنُ فتيانٌ - قاربنا البلوغ- فتعلَّمنا الإيمانَ قبلَ أن نتعلَّمَ القرآنَ، ثمَّ تعلَّمنا القرآنَ فازددنا بِه إيمانًا ، وعن سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا، فقال لي: (يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لكَ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ، وجَفَّتِ الصُّحُفَ)، ومن الطفولة إلى الشباب ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) .
وقد بنى نبيُّنا (صلى الله عليه وسلم) الشخصيةَ على التوازن بين حاجات الروح والجسد ، فلا إغراق في جانب دون آخر، حيث يقول سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، وتلك هي الوسطية التي أرشدنا إليها ديننا الحنيف ، حيث يقول سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}، ويقول تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) لسيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما): (صُمْ وأَفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا).
ومن أهم سمات بناء الشخصية: التمسك بالقيم النبيلة والأخلاق السامية، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُما كُنْتَ، وَأَتْبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)، وبتلك الشخصيات السوية يتكون مجتمع صالح متماسك يسري الحب والتعاون بين أبنائه، يقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يهتم بغرس الأخلاق والآداب والقيم في النفوس منذ عمر الطفولة، يقول سيدنا عمر بن أبي سلمة (رضي الله عنه): كُنْتُ غُلَامًا في حجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ- أي: تتحرك في جوانب الإناءِ- فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ).
***
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ومن أهم سمات بناء الشخصية أيضًا : المسئولية والإيجابية، والحرص على العمل، بل على إتقانه ، حيث يقول نبينا (عليه الصلاة والسلام): (احرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واستَعِنْ بالله ولا تَعْجِزَ)، وقال (صلى الله عليه وسلم) لرجلٍ يسأله مالًا: (اذهبْ فاحْتَطِبْ وبِعْ، ولا أرَيَنَّكَ خَمسَةَ عَشَرَ يومًا فَفَعَلَ، فجاء وقَدْ أصابَ عَشْرةَ دَراهِمَ، فاشْتَرَى بِبَعضِها ثَوبًا وبِبَعضِها طعامًا، فقال رسولُ اللهِ : هذا خَيرٌ لكَ من أنْ تَجِيءَ المسألَةَ نُكْتَةً في وجهِكَ يومَ القيامةِ)، بل بلغ الحرص على الإيجابية حدًّا جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إن قامتِ الساعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةٌ، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ( إنَّ اللهَ يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ ) .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
واحفظ بلادنا مصر، وسائر بلاد العالمين