محمد فهيم: التغيرات المناخية تعدت مرحلة الإزعاج وأصبحت أزمة وجودية عالمية
- الزراعة أولى الضحايا والدولة تدعم صغار المزارعين لأنهم الأكثر هشاشة فى مواجهتها
- علينا استغلال مؤتمر المناخ لدعم السودان وزيادة قدرته على الإنتاج التجارى للمحاصيل
حذر الدكتور محمد فهيم، رئيس مركز تغير المناخ الزراعى بوزارة الزراعة، من تأثير التغيرات المناخية الكبير على المحاصيل الزراعية فى مصر، منوهًا إلى أن الأمر تعدى مرحلة الإزعاج إلى مرحلة الخسائر الفادحة، وإلى ما يمكن اعتباره أزمة وجودية تؤثر على الحياة، وتستدعى العمل على مواجهتها. وأشار «فهيم»، خلال حديثه لـ«الدستور»، إلى جهود الدولة لدعم صغار المزارعين، مثل مبادرة «عايشين بخيرها» ومشروع «الزراعة المناخية من أجل الحياة»، لكونهم الأكثر هشاشة فى مواجهة الأزمات الناجمة عن تغير المناخ، مع توعيتهم بأهمية الالتزام بالخريطة الصيفية للزراعة، وغيرها من الإجراءات الهادفة لتحسين ظروفهم المعيشية ودعم قدرتهم على التعامل مع الضغوط المختلفة. ودعا إلى استغلال مؤتمر المناخ المقبل «cop 27» لدعم السودان الشقيق بجهود عربية مشتركة، تكمل عمل مصر الجاد لمساعدته على تجاوز محنته، وتزيد من قدرته على التحول إلى الإنتاج التجارى، لسد حاجة الدول العربية إلى الغذاء.
■ بداية.. ما تأثير ظاهرة التغير المناخى على مصر؟
- التغير المناخى ظاهرة قاسية، تعدت كثيرًا مرحلة الإزعاج، ووصلت إلى مرحلة الخسائر الفادحة، ولا توجد مبالغة فى وصف هذه الأزمة بأنها وجودية، خاصة أن الزراعة، المفترض أن توفر القوت للشعوب، هى أولى ضحاياها وليس الغابات والأشجار فقط، كما يعتقد البعض.
ورغم ذلك، فإن كثيرًا من الدول والمواطنين فى مصر والوطن العربى لا يلتفتون إلى أهمية تلك الأزمة، فالمواطن لدينا يلتفت لمشكلات تدنى الأجور وغلاء الأسعار، ولا ينتبه إلى أن زيادة استهلاكه من المياه يمكن أن تتحول فى لحظة ما إلى كابوس، وأنه قد يواجه الجفاف أو الفيضان.
وعلينا أن نعى أن مساهمة مصر فى الانبعاثات الغازية والكربونية لا تتجاوز نصف بالمائة من الانبعاثات العالمية، وأن مساهمات الدول النامية ومعظم الدول العربية لا تتعدى ٦٪ من الانبعاثات العالمية، لذا فإن دولنا تتأثر فقط بأزمة الاحتباس الحرارى التى لم تتسبب فيها، وتعانى كثيرًا بسببها.
■ كيف ستتأثر الزراعة بتلك الأزمة؟
- مصر دولة جافة، لا تتعدى الرقعة الزراعية فيها نسبة ٤٪ من مساحتها، كما أنها تعانى من تفتت الحيازات الزراعية، ما يسبب مشكلة كبيرة، لأن صغار المزارعين سيكونون الفئة الأكثر هشاشة فى مواجهة الأزمات ومنها تداعيات التغير المناخى، التى تؤثر على المحاصيل الزراعية الرئيسية، وأهمها القمح.
وعندما يتغير المناخ ويصبح الشتاء طويلًا والطقس باردًا فإن القمح يصاب بالصدأ، ما يضيف إلى المعاناة من أجل الحصول على القمح، خاصة بعد تأثرنا بالأزمة الروسية الأوكرانية، لأننا لا نملك الكفاية منه، لذا صدرت تعليمات مشددة من الدولة المصرية بالالتزام بالخريطة الصيفية للزراعة، لكن كثيرًا من المزارعين يظنون أن هذا الإجراء وغيره يهدف للتضييق عليهم، لذا تجب التوعية بأهمية الالتزام بتلك الإجراءات.
■ كيف يمكن دعم المزارعين لمواجهة تلك التغيرات؟
- الدولة معنية بالمزارعين وتهدف لتحسين ظروفهم المعيشية للوصول للحياة الكريمة، وذلك عبر زيادة قدرتهم على التعامل مع الضغوط، وتخفيض دوافع المخاطر لتقليل احتمالية حدوث صدمات مفاجئة، مع توفير البيئة الداعمة، التى تخلق ظروفًا مناسبة لإدارة تلك المخاطر، ومواجهة ظروف التغيرات المناخية.
ورغم أن المزارعين فى مصر ليسوا فى أفضل الأحوال ماديًا، خاصة فى هذه الفترة، إلا أنهم أيضًا غير قليلى الحيلة، وعندما نستمع إلى مشكلاتهم، ونضع أيدينا على الحلول، سنساعدهم على النهوض ومواجهة المشكلة.
■ ما أهم المشروعات التى يجرى تنفيذها حاليًا لدعم صغار المزارعين؟
- هناك عدة مشروعات يجرى تنفيذها حاليًا لدعم صغار المزارعين، من بينها مبادرة «عايشين بخيرها»، بالتعاون مع القطاع الخاص، ومشروع «الزراعة المناخية من أجل الحياة»، الذى يموله الاتحاد الأوروبى.
وتلك المبادرات والمشروعات، التى تنفذها الدولة المصرية، تساعد كثيرًا على تجنب مشكلات صغار المزارعين، ففى السودان المجاور، الذى تمثل الزراعة نسبة ٢٦٪ من إجمالى ناتجه المحلى فى عام ٢٠٢١، ويعتمد عليه معظم السكان فى الحصول على الغذاء، يعانى صغار المزارعين من الفقر بشكل كبير، رغم أن الزراعة فى البلاد يمكنها أن تكون مصدر ثراء لأهلها، خاصة أن السودان كان فى فترة ما مصدر اللحوم فى مصر وعدد من الدول العربية.
وعندما تأثر السودان بالأزمات المناخية، اتجهنا للغرب لسد حاجتنا إلى الغذاء، والآن يواجه الغرب نفسه أزمة كبيرة، ما يعنى أن علينا العودة لما كان، مع العمل على تحسين الإنتاجية والتنافسية للمزارعين والرعاة فى ريف السودان، للوصول لأحسن أنواع المدخلات الزراعية والبيطرية، ودعمهم بأدوات عمل مبتكرة، تمكنهم من التحول إلى الإنتاج التجارى، مع تعزيز قدراتهم فى مواجهة التغيرات المناخية.
وأعتقد أن مؤتمر المناخ «cop 27» يمثل فرصة مناسبة لدعم السودان بجهود عربية مشتركة، تكمل عمل مصر الجاد لمساعدته على تجاوز محنته التى يمر بها، مع دعم قدرته على مواجهة أزمة الفيضانات السنوية المتكررة التى يعانى بسببها، رغم أنه لا يد له فيها.
كما أن علينا أن نزيد من الجهود الضنينة التى تبذلها منظمات المجتمع المدنى، لتمويل إنتاج البذور المحسنة والمقاومة لارتفاع الحرارة، مع دعم استخدام الأسمدة العضوية، وتمويل مشروعات تسمين الماشية والتوسع فى استخدام أنظمة الطاقة الشمسية.