«التنمية الاقتصادية والوعى البيئى».. قضايا يفجرها تغير المناخ داخل القارة الإفريقية
أكد البنك الدولي التابع للأمم المتحدة أنه يقع على جميع البلدان والقطاعات والشركات عبء تقليص الانبعاثات العالمية، ورغم الاختلافات في القدرات ومستويات الانبعاثات التاريخية بين بلدان العالم المتقدمة والنامية، تعاني إفريقيا من آثار التغيرات المناخية بنصيب ضئيل جدًا من الانبعاثات قد لا يتجاوز 4% من إجمالي الانبعاثات العالمية، وفي الوقت نفسه مطالبة بتنمية اقتصاداتها وتقوية قدراتها المؤسسية - بحسب تقرير للبنك الدولي-.
بينما أكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، في تقريرها عن القارة الإفريقية، أن إفريقيا معرضة بشكل خاص لآثار تغير المناخ بسبب عوامل مثل انتشار الفقر والجفاف المتكرر والتوزيع غير العادل للأراضي والإفراط في الاعتماد على الزراعة البعلية، وأن فرص الاستجابة لمجابهة تغير المناخ ضعيفة جدًا، وذلك بسبب اعتبار إجراءات التخفيف من حدة المناخ والتكييف معه خارج نطاق الوسائل الاقتصادية لبعض الدول، وذلك بسبب ما تشهده العديد من بلدان إفريقيا من تدهور من الناحية التجارية، وبعض السياسات غير الملائمة، وارتفاع معدلات النمو السكاني، إلى جانب مناخ شديد التقلب، جميعها عوامل تجعل من الصعب على العديد من البلدان تطوير أنماط من سبل العيش التي من شأنها أن تقلل الضغط على الموارد الطبيعية.
الآثار الاقتصادية لتغير المناخ على إفريقيا
في سياق تحليل آثار التغير المناخي على القارة الإفريقية من الجانب الاقتصادي، ودور الوعي البيئي كعامل مرثر في مواجهة التغيرات المناخية، تقول رباب محمد باحث ماجستير بكلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة، أن العالم كله اليوم يعاني من التغيرات المناخية، كحالات الجفاف الأكثر تواتراً وشدة، والفيضانات، وموجات الحر، والتصحر المتسارع، وتآكل السواحل، وغيرها من التأثيرات الناجمة عن تغيرات المناخ، موضحة أن البلدان الصناعية الكبرى هي المحرك الرئيسي للاحتباس العالمي، إلا أن إفريقيا كثائر دول العالم كان لها نصيب من هذه التغيرات، فبينما تمثل مساهمة إفريقيا 2-3% فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم من مصادر الطاقة والمصادر الصناعية، إلا أنها تتحمل تبعية التلوث.
وأضافت رباب محمد في حديثها لـ"الدستور"، أنه إفريقا شهدت فعليًا زيادة في درجات الحرارة بحوالي 0.7 درجة مئوية في معظم أنحاء القارة؛ الأمر الذي ظهر في موجات جفاف شديدة كما هو حادث في الصومال وشمال إفريقيا، ومواسم أمطار تتسبب في سيول وفيضانات كارثية مثل السودان وجنوب إفريقيا، وكذلك لم تسلم البحار والمحيطات المشاطئة للقارة الإفريقية من تبعات هذا التغير المناخي؛ فارتفعت درجة حرارة المياه مما يؤثر تراكميًا على الكائنات البحرية ودورة الحياة، فكل ذلك يهدد الاقتصادات الإفريقية ويجعلها غير قادرة على الصمود أمام هذا الأثر التي تهدد مصيرها.
مهددات المناخ على إفريقيا
أكدت الباحثة في العلوم السياسية والاقتصاد الإفريقي، أن التغيرات المناخية أصبحت تمثل مصدر قلق وتهديد لحياة المواطن الإفريقي، خاصة مع ندرة المياه التي أثرت على إنتاجية الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية التي تتمتع بها إفريقيا؛ مما سيسبب نقصاً في الغذاء وزيادة معدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي، هذا فضلًا عن التهديدات المرتبطة بصحة المواطنين بسبب ارتفاع درجة الحرارة وانتشار الجفاف وسوء التغذية مما سيزيد من معدلات الوفيات وانتشار الأمراض المعدية مثل الملاريا والحمى الصفراء وحمى الضنك والآفات (مثل الجراد) والأمراض المنقولة بالمياه (مثل الكوليرا)، مما يعرض عشرات الملايين من الأشخاص معظمها في شرق وجنوب إفريقيا إلي الوفاة، هذا فضلًا عن فقدان التنوع البيولوجي وتهديد الأنظمة البيئة البحرية فهناك أنواع كثيرة من الأسماك والثدييات الإفريقية التي معرضة لخطرالانقراض العالمي، لتحتل المرتبة الثانية بعد أمريكا الجنوبية من حيث حجم الخسائر المتوقعة في التنوع البيولوجي في إفريقيا.
التداعيات الاقتصادية لتغير المناخ على إفريقيا
مؤكدة "رباب" أن التداعيات الاقتصادية التي من المتوقع أن تحدثها التغيرات المناخية في أفريقيا تفوق حجم مساهماتها فيها، فنصيب الفرد في إفريقيا من الانبعاثات الكربونية لا يتعدى 0.8 طن، وهي بذلك أقل بكثير من المتوسط العالمي، وأقل بكثير من المناطق الأخرى مثل أوروبا وأمريكا وآسيا، إلا أن المواطن الإفريقي مهدد بفقدان العديد من فرص العمل وانتشار البطالة خاصة بين العاملين في النشاط الزراعي والرعي والصيد، فضلًا عن تدمير البنية التحتية بسبب الفيضانات وتآكل السواحل (النحر) التي تؤدى إلى تآكل الطرق والشبكات الممتدة، مما سيضر بمصادر الدخل وسبل العيش ويؤدي إلي انهيار الاقتصادات المحلية، وسيترتب علي كل ما سبق زيادة في معدلات الهجرة البيئية.
تكلفة تغير المناخ على إفريقيا
تأسيسًا على ما سبق تشير الباحثة إلي أنه مع أن إسهام إفريقيا في هذه الأزمة قليل ولا يتساوى مع التأثيرات السالبة وإطلاق الانبعاثات المرتفعة نتيجة للنشاط الاقتصادي في الدول الصناعية المتقدمة، لكنها تواجه أضراراً كبيرة مما يجعل الدول الكبرى مدينة لها، فالتأثيرات المناخية يمكن أن تكلف الدول الإفريقية 50 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030، مما يتطلب مساهمة الدول الكبرى الأكثر ثراء، والمسببة للتلوث، بتقديم المزيد من الأموال لمشروعات التكيف في القارة والتعويض عن الخسائر المرتبطة بتغير المناخ، فبدون أموال وسلع وخدمات كافية، ستزداد صعوبة تكيف من يعانون الفقر مع التغيرات المناخية، لذا فإن أهم الموضوعات التي سيركز عليها مؤتمر الأمم المتحدة "cop 27" المقرر انعقاده في مصر بمدينة شرم الشيخ خلال شهر نوفمبر القادم قضية التمويل وتقديم مطالب إفريقيا فيما يتعلق بتغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، والحصول على تمويل مناسب يساعدها في إجراءات التكيف.
الوعي بقضية التغيرات المناخية في إفريقيا
في سياق آخر يقول حمادة محمد عزت حمادة، باحث ماجيستير بكلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة، أن العديد من الدراسات والتقارير الدولية تشير إلي ان القارة الإفريقية ساهمت بأقل قدر في ظاهرة التغير المناخي، حيث تمثل أقل من 4% من الانبعاثات العالمية، عند مستوي 0.8 طن من الانبعاثات العالمية، ورغم ذلك فهي الأكثر عرضة لتأثيرات الظواهر المناخية القاسية كحالات الجفاف والتصحر وموجات الحر وتآكل السواحل وغيرها من التأثيرات، والتي أدت بدورها إلي نتائج سلبية متعددة اقتصادية واجتماعية وسياسية، ويدل علي ذلك إعصاري إداي وكينيث المداريين اللذين ضربا مالاوي وموزمبيق وزيمبابوي عام 2019 وتسببا في مقتل أكثر من 1000 شخص واحتياج مئات الآلاف للمساعدات الإنسانية ودمار شديد في البنية التحتية، ورغم محاولات القيادات الإفريقية لمعالجة أسباب تغيّر المناخ لتتمكن القارة من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، إلا أن هذه المحاولات كثيرا ما تواجه بضعف الوعي لدي الشعوب الإفريقية حول هذا الموضوع.
انخفاض معدل الوعي الإفريقي بقضية المناخ
أشار الباحث في العلوم السياسية والاقتصاد الإفريقي، إلي نتائج استطلاع أجرته وكالة Afro barometer في أغسطس2019 في حوالي 33 دولة إفريقية وبلغ عدد المستجيبين 44623 فردا بما يمثل 61% من سكان القارة، أظهرت هذه النتائج أن معدل المعرفة والوعي بقضية التغير المناخي تمثل 38% من العينة وهو معدل ضعيف جداً إذا ما قورن بمعدل المعرفة والوعي في أوروبا وأمريكا الشمالية والذي يقدر بـ80%.
وأشار إلى أن هذه النتائح تظهر أن معدل المعرفة بقضية التغير المناخي وآثارها في دولة كتونس تصل إلي 19% فقط من العينة، وهذا معدل يدل علي انخفاض شديد جدًا في الوعي بقضية هي الأكثر تأثيرًا علي العالم في الوقت الحالي، ورغم إقرار أكثر من نصف المستجيبين 52% أن هذا التغير المناخي نتيجة تصرفات بشرية خالصة، إلا أن 23% فقط من يرون أنهم قادرون علي المساعدة الفعّالة لحل هذه المشكلة، مقابل 43% يرون أن المواطنين لا يستطيعون فعل شيء أو يرون أنه لا يجب حل المشكلة.
آليات رفع الوعي الإفريقي بقضايا المناخ
يقول الباحث إنه لكي تستطيع الدول الإفريقية رفع الوعي لدي مواطنيها عن قضية التغيرات المناخية، يجب أن تتضامن مع منظمات المجتمع المدني والعمل معا لرفع الوعي العام، ولعل ما يحدث في مصر من منظمات المجتمع تجربة مميزة يجب الالتفات إليها، حيث قامت كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية بجامعة عين شمس بإطلاق مبادرة سفراء المناخ عام 2022، حيث تهدف إلي إعداد مدربين ذي جودة وكفاءة للتعامل مع الجمهور ورفع الوعي لديهم، وكذلك قيام بعض شركات القطاع الخاص بتبني سياسات تشغيلية تقلل من تأثيراتها علي المناخ كشركة جهينة للمنتجات الغذائية، حيث وضعت خطة لقياس ومعالجة مشكلة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري الناتجة عن أنشطة الشركة، مع مراعاة نسبة المُغذيات المنتجة من الأبقار مقارنة بالمستويات المرتفعة المنتجة من الحيوانات.
كما أطلقت بعض الجمعيات بالمحافظات مؤتمرات لإلقاء الضوء على ملف التغيرات البيئية وتأثيرها علي المجتمع كالمؤتمر الذي نظمته الجمعية الخيرية بقرية فرهاش إحدى الجمعيات في مجال العمل البيئي بمحافظة البحيرة بعنوان "التغيرات المناخية ودور المجتمع المدني للتكيف معها"، والعديد من الأدوار الأخرى لمنظمات المجتمع المدني في مصر، كل ذلك بجانب جهود الدولة المصرية للتصدي للتغيرات المناخية، ورفع الوعي بها وعلي رأسها حملة رئيس الجمهورية "اتحضر للأخضر" بالتزامن مع استضافة مصر لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "COP27"، كما تسعي هذه الحملات لتنمية المسئولية لدي المواطنين حول دورهم الفعّال في حل هذه المشكلة والتصدي لآثارها علي المدي القريب والبعيد.