«كتب أشعاره على الجبهة».. حكايات الشاعر حمدي منصور على خط النار
كانت حرب أكتوبر 1973 حرب عظيمة خاضها الشعب المصري بروحه ودمه؛ خاضها بكل شجاعة واستبسال؛ ولم تكن الفترة من حرب الاستنزاف حتى نصر أكتوبر وبعد النصر فترة سهلة في حياة المصريين بل كانت من أصعب الفترات التي عاشها المصريين، وفي هذا التقرير تتحدث الكاتبة الصحفية مي منصور حول ثمانٍ سنوات قضاهم والدها الشاعر حمدي منصور على خط النار.
تقول مي منصور: “هناك أجيال جديدة لم تعرف شيئاً عن تلك المعاناة؛ ربما أكون واحدة من هؤلاء الأجيال التي سمعت عن الحرب فحسب وشاهدت لها بعض الأفلام الوثائقية ولم نعشها بحذفيرها؛ لكن اختلف عن جيلي؛ حيث أن روحي كانت على الجبهة وقتها؛ أبي كان محارباً عظيماً؛ يد تمسك بندقية والأخرى يسطر بها أشعاره”.
وتضيف في تصريح خاص لـ"الدستور": "قضى والدي الشاعر حمدي منصور قرابة الثمان سنوات أو أكثر من عمره على الجبهة؛ وهي الفترة من حرب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر 1973؛ كان أحد الجنود الهامين حيث موقعة وحبه لمصر؛ فقد خدم في الجيش الثاني في الإسماعيلية وهي أحد المواقع المهمة لمواجهتها للعدو بشكل مباشر؛ ضمن قوات القطاع الأوسط؛ كتب الشاعر حمدي منصور أغلب أشعاره على الجبهة؛ وداخل الخنادق الضيقة لمراقبة العدو الغاصب.
وتواصل: "يقول الشاعر حمدي منصور في أحد خطاباته لوالدته التي كان يرسلها لها مع أي جندي بلدياته تسنح له الفرصة لزيارة أهله في قنا ولو زيارة سريعة لا تتعدى البضع ساعات مثلًا..
إيه أخبار فروجك يامه؟!
بتربيه وبيعيش.
بتحطيله بسة بردة وعيش.
إياكي تكوني بتربي فروج عروج.
وطبعًا في هذه الأبيات يتحدث إلى أمه مصر، الأم الكبيرة والوطن ويسألها عن أخبارها وأخبار من يقومون بحمايتها من العدو الغاصب؛ وهو الفروجويطلب منها أن يكونوا أبناؤها على استعداد تام للحرب.
وتكمل: "كتب أيضاً عن الزوجة التي تركها زوجها بالأولاد وذهب يحارب؛ أم في لحظة حرب.
أم ف لحظة حرب
حليت كرداني
ورميت الطرحة
ورا ضهري
ملست عليه بشفايف قهري
ولدي
وليدي
لسه ملكش على وش الدنيا يومين
والعتمة رموش مش سهيانة
والجاني واخد ع العتمة
بعيون خوانه
غطيته بشئ
شئ مش عارفة إيه كونه
حلماتي رغم العتمه
عارفة شفايفه
انجغة
انجغة
والدك راجلي
فجري
على وش الضحكة
أهو عدى
شايفاه
شايفاه
وانت ف ايده
سنكي في صدر الأعدا
كان يحكي لي كيف تعرض لصدمات إنسانية لم يقو على تحملها
وتختتم: "لم يكن يفضل القتل في كل الأوقات كان يأسر العدو؛ انما القتل ليس دائماً؛ ولكنه وضع بموقف كان لابد أن يكون فيه قاتلاً أو سيكون مقتولاً؛ خياران لا ثالث لهما؛ حيث وجد نفسه في حفرة عميقة هو واحد جنود العدو؛ فاستعد لقتله؛ وإذا بهذا العدو يصرخ في وجه حمدي ويقول أنا أحمد الدرز أنا عربي مثلك؛ والله أنا أحمد الدرز أحمد الدرز أنا عربي عربي لا تقتلني؛ تجمد حمدي وهو ممسكاً ببندقيته وبدأت يده ترتعش ولا يعرف ماذا يفعل؛ وإذا بأحد الجنود المصريين يشاهد بالصدفة فيجري على حمدي ويقتل أحمد الدرز دون أن يعرف شيئاً؛ ومات أحمد الدرز في أحضان حمدي، وأخبره الجندي بعد ذلك أنه إسرائيلي خائن وكان يستحق القتل وأنه كان يحاول خداعه.
لم تكن الحرب سهلة كانت مهيبة وعظيمة وعلى قدر عظمتها على قدر ما احتاجت من الرجال؛ للحرب رجال والمصريين كانوا رجالها ومنهم والدي الشاعر حمدي منصور.