ننشر كلمة مفتى أستراليا فى فعاليات الملتقى العالمى للتصوف بالمغرب
ألقى الدكتور سليم علوان الحسيني، مفتي أستراليا، كلمة أمام الوفود والتيارات المشاركة في فعاليات الملتقى العالمي للتصوف في دورته السابعة عشر، حيث قال: «السادة المتابعين والمتابعات نحييكم جميعًا ونهنئكم بذكرى المولد النبوي الشريف، ونهنئ الأمة وجلالة الملك محمد السادس وفقه الله ونصره، بهذه الذكرى العطرة، ويسعدني أن أكون معكم مشاركًا في "الملتقى العالمي للتصوف السابع عشر" تحت عنوان: التصوف وسؤال العمل إصلاح الفرد إلى بناء المجتمع، تحت محور: العمل الصوفي ودوره في بناء المجتمع».
وأضاف : «أيها الإخوة والأخوات: هذه الدنيا اليوم تظهر بهجتها بذكرى ولادة النبي الأرحم صلى الله عليه وسلم، وكيف لا نحتفل به عليه الصلاة والسلام وقد قال فيه ربه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، أيها السادة المتابعون: قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]، وروى الإمام البخاري في الصحيح أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالـمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
وتابع: «روى الحاكم في المستدرك عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} قَالَ: «عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ» قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.اهـ ووافقه الذهبي، أيها السادة الأكارم: قولُه جلَّ ذِكْرُه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ» أي: فقّهوهم، وأدّبوهم، وادعوهم إلى طاعة الله، وامنعوهم عن استحقاق العقوبة بإرشادهم وتعليمهم. ودلّت الآية: على وجوب الأمر بالمعروف في الدّين للأقرب فالقرب، وحقيقة الأدب اجتماع خصال الخير، فالأديب الَّذِي اجتمع فِيهِ خصال الخير».
وأوضح قائلًا: «إنَّ أيَّ مجتمعٍ بشري مؤلفٌ من مجموعة أُسَر، وكلُّ أسرة مؤلفةٌ من أفراد، ولا صلاح للمجتمع إلا بصلاح الأسرة ولا تصلح الأسرة إلا بصلاح أفرادها، وأفرادها هم الأب والأم والأولاد الذكور والإناث، فما هو إذن دور الأب والأم في عملية بناء الأسرة بناءً قويما لا إعوجاج فيه؟ وما هي الانحرافات والأخطار التي تهدد الأسرة؟ إنّ للأب والأم الدور الأول في توجيه الأسرة، فإن كانا صالحين كان توجيههما نحو الصلاح وإن كان غيرَ ذلك كان توجيههما نحو نقيضه، فينبغي على الوالدين أن يقوما بأداء ما أوجب الله عليهما واجتناب ما حرم حتى ينعكس هذا الالتزام خيرًا على أبنائهما فيكتسبوا من أخلاقهما».
وأكمل: «ولكن الحقيقة التي تدمع لها القلوب وتحزن لها النفوس أنّ معظم البيوت أصابها الخراب بسبب خراب القلوب، وعمّ فيها ظلام المعاصي بدل نور الطاعات وحلّت فيها مصيبة الانحلال والفساد بدل نعمة التقوى والطهارة، إن على أولياء الأمور أن يعملوا على تطبيق نصائح الرسول صلى الله عليه وسلم الذي علّمنا ووجهنا إلى الطريقة الفضلى في التربية، فإنّ العلم في الصغر كالنقش في الحجر، ومن عوّده أبواه على الصلاة والصيام والطاعة صغيرًا وجد نفسه معتادًا مواظبًا عليها كبيرًا».
وأضاف: «ومن الواجب على الأبوين نحو أولادهما تعليم الصبي والصبية ما يجب عليهما بعد البلوغ أي من أمور الدين الضرورية وهو ما كان من أصول العقيدة من وجود الله ووحدانيته وقدمه وبقائه وقيامه بنفسه ومخالفته للحوادث في الذات والصفات والأفعال أي أنه لا يشبه الضوء ولا الظلام ولا الإنسان ولا النبات ولا الجمادات من الكواكب وغيرها، وأن لله قدرة وإرادة وسمعًا وبصرًا وعلمًا وحياة وكلامًا، وأنه سبحانه وتعالى غنيّ عن العالمين لا يحتاج إلى المكان ولا يجري عليه الزمان، وأنّ محمدًا عبد الله ورسوله وأنه خاتم الأنبياء، وأنه عربي وأنه ولد بمكة وهاجر إلى المدينة، وأنّ لله ملائكة، وأنه أرسل أنبياء أولهم آدم، وأنه أنزل كتبًا مع الأنبياء وأنه سيفني الجنّ والإنس ثم يعادون إلى الحياة وأنهم يجازون بعد ذلك على حسناتهم بالنعيم المقيم وعلى سيئاتهم بالعذاب الأليم، وأنّ الله أعد للمؤمنين دارا يتنعمون فيها تسمى الجنة وللكافرين دارا تسمى جهنم، وتعليمهما ما أشبه ذلك، وكذلك تعليمهما حرمة السرقة والكذب والزنا والغيبة والنميمة وضرب المسلم ظلما ونحو ذلك من الأمور الظاهرة».
واختتم: «اسمعوا معي إلى قصة سهل التُسْتَـرِي الصَّالح الْمَشْهُور الذي لم يكن لَهُ فِي وقته نَظِير فِي الْمُعَامَلَات والورع، وَكَانَ صَاحب كرامات وَلَقي ذَا النُّون الْمصْرِيّ بِمَكَّة، وَكَانَ سَبَب سلوكه هَذِه الطَّرِيق خَالُه مُحَمَّدُ بن سَوَّار فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ لي خَالِي يَوْمًا: أَلا تذكر الله الَّذِي خلقك، فَقلت لَهُ: كَيفَ أذكرهُ، فَقَالَ: قل بقلبك عِنْد تقلبك فِي ثِيَابك ثَلَاث مَرَّات من غير أَن تحرّك بِهِ لسَانك: الله معي الله نَاظر إِلَيّ الله شَاهِدي، فَقلت ذَلِك ليَالِي ثمَّ أعلمته فَقَالَ: قلها كل لَيْلَة سبع مَرَّات، فَقلت ذَلِك ثمَّ أعلمته فَقَالَ: قلها فِي كل لَيْلَة إِحْدَى عشرَة مرّة فَقلت ذَلِك فَوَقع فِي قلبِي حلاوة فَلَمَّا كَانَ بعد سنة قَالَ لي خَالِي: احفظ مَا علمتك وَدم عَلَيْهِ إِلَى أَن تدخل الْقَبْر فَإِنَّهُ ينفعك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلم أزل على ذَلِك سِنِين فَوجدت لَهَا حلاوة فِي سري ثمَّ قَالَ خَالِي يَوْمًا: يَا سهل من كَانَ الله مَعَه وَهُوَ نَاظر إِلَيْهِ وَشَاهده يعصيه؟ إياك وَالْمَعْصِيَة، فهذه أخلاق نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا أصحابه الأخيار ومن تبعهم بإحسان، وممن تبعهم بإحسان سادتنا الصوفية الصادقون الصالحون، كالإمام الجنيد البغدادي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد الرفاعي، والشيخ عبد السلام بن مشيش، والغوث أبي مدين، وغيرِهم من العارفين رضي الله عنهم ونفعنا الله بهم».