كاتبات وناقدات مصريات: الرواية المصرية لم تقدم حرب أكتوبر كما يجب
تظل حرب أكتوبر أحد أبرز انتصارات المصريين في تاريخ مصر الجمهورية، والنقطة الفاصلة في تقديم صورة واضحة عن إرادة المصريين في الانتصار لقضاياهم الكبرى، إلا أن هذه الحرب بكل ما حملته وزرعته وصدرته للعالم عن قدرة المصريين في رد الاعتبار وحسم المعركة لصالحهم، إلا أن كل هذا لم يواكبه الإبداع المصري في جميع صيغة وعدد ما كتب من أعمال إبداعية عن حرب أكتوبر لم يتجاز عدد أصابع اليدين، وظهرت صورة الحرب في تاريخ السرد والإبداع المصري خافته وقد يمكن وصفها بأنها لا تليق بما قدمه المصريون من تضحيات في هذه الحرب.
سهير المصادفة: الأدب المصري لم يواكب أهم معاركنا
وتقول الكاتبة الروائية الدكتور سهير المصادفة إنه “مع الأسف لم يواكب الأدب المصري أهم معاركنا وأحداثنا الكبرى الجسام، كما حدث في الغرب، حين كتب الروائيون عشرات الروايات عن الحرب العالمية الأولى والثانية، وحتى حروب أوطانهم الأهلية، أظن أن تحقيق طفرة إبداعية تتناول الأحداث الوطنية المصيرية تحتاج إلى مناخ من حرية التعبير وتداول المعلومات وتعدد الآراء وليس الانحياز إلى وجهة نظر واحدة”.
وأشارت المصادفة إلى أن "حتى الروايات التي تناولت حرب أكتوبر لم تصمد كثيرا، وجاءت مباشرة وشديدة التقليدية، وكذلك بعض الأفلام السينمائية، الأدب بشكل عام يتنفس جيدا في هواء حر وتوفير فرص التحقق لكل إبداع، وهذا مع الأسف الشديد غير متوفر في مجال الفنون والآداب، حيث الاحتكار وضيق آفاق الدعم الفني للمنتج الروائي أو السينمائي.
وتابعت المصادفة "ربما ما تحقق من إنجاز في حرب أكتوبر هي الأغنية، فالأغنيات التي انطلقت مع الانتصار كانت عفوية، وملهمة ومنطلقة من قلوب وحناجر فرحة وملهمة بالعامية المصرية.
وختمت المصادفة: “أيضا ثمة آثار ومشاهد الحرب في عديد من الروايات الجيدة، ورغم أنها جاءت على هامش الأحداث الرئيسة فإنها كانت مؤثرة”.
هويدا صالح: انشغال الأجيال الحالية بالذاتي واليومي أحد أسباب ندرة الكتابة عن الحرب
بينما تقول الناقدة والأكاديمية الدكتور هويدا صالح "تأتي ندرة الكتابات عن حرب أكتوبر لعدة أسباب أولها أن الأجيال الحالية لم يعاصروا حرب أكتوبر، إلى جانب حالة غياب والإيمان بالقضايا والأفكار الكبرى، والتى كانت شاغل وقناعات الأجيال السابقة في السبعينيات والستينيات والثمانينات، وقد يشير هذا إلى أن الأجيال الجديدة تبدو منقطعة الصلة بتلك القضايا، وانشغالهم باليومي والذاتي هو الموضوع الأبرز في ساحة كتاباتهم.
وتابعت "صالح": “والحقيقة أن الكتابات المطروحة عن حرب أكتوبر بمقارنتها بموضوع الحرب وواقعها تبدو خافته، بالرغم من أن الأمر يستحق الكتابة، خاصة أن ما حدث يحرض ويدفع على أن تسرد روائيا، خاصة أن الرواية صوت الشعوب، ويمكن تقديم صوت انتصار الجيش وإرادة الشعب عبر الرواية”.
وعن سؤال لماذا لا يكتبن الكتابات عن الحرب تقول "صالح": "من المفترض أن تأتي الكتابة عن خبرة، وقناعتي هى أننا نكتب دوما عما نعرف، وأن يكون الكاتب عاش وخبر الحدث، فالكتابة عن تجربة حرب بكل ما فيها من مشاعر نفسية خوف وشجاعة وإقدام، وأن يأتي هذا عبر كاتبة في ظني سيقدم صورة خافته، وتظهر أنها كتابة من الخارج؛ ذلك أن القراءة فقط لأحداث تلك المرحلة لا تعطي للمرأة صك خوض تلك التجربة، فالأمر في ظني يصبح غير صادق ومن الخارج، على عكس الكاتبات اللواتي كتبن عن تجارب أخرى مغايرة مثل المعتقل والمظاهرات وهذا ظهر واضحا في أعمال لـ"سلوى بكر"، و"فتحية العسال" لذا جاءت كتاباتهم أكثر صدقا وأكثر واقعية.
وختمت صالح: “بالتأكيد على أن الكتابات عن حرب أكتوبر قبل الكتاب المصريين قليلة ونحتاح إلى كتابات أكثر تليق بمكانة وزخم حرب اكتوبر”.
منى العساسي: ظاهرة واضحة المعالم ونحتاج للمؤسسات للتحريض على الكتابة في الحرب
من جانبها، تقول الكاتبة الروائية منى العساسي "تبدو حالة الغياب والندرة للكتابات الإبداعية وخاصة في مجال الرواية، والتي تتناول حرب أكتوبر ظاهرة واضحة خاصة في ظل تصاعد ما يسمى بظاهرة الرواية التاريخية، والتي أصبحت جزءًا لا يتجزا من المشهد الإبداعي الروائي المصري خاصة والعربي بشكل عام.
ولفتت العساسي إلى أنه كانت أسماء مثل إحسان عبد القدوس، وجمال الغيطاني، ويوسف القعيد هي الأسماء الأبرز التي تناولت أعمالهم حرب أكتوبر، فجاءت رواية "الرصاصة لاتزال في جيبي" لإحسان عبد القدوس، والمجموعة القصصية “حكاياتات الغريب”، "ورواية "الرفاعي" لجمال الغيطاني، ورواية "الحرب في بر مصر" ليوسف القعيد، لتؤسس لما يسمى بأدب الحرب في عالمنا العربي.
وأشارت العساسي إلى أننا “نحتاج إلى تقديم حرب أكتوبر في صيغ أدبية متعددة ولا يقتصر الأمر فقط على ما تم طرحه، ليكون هذا بمثابة أبرز دعاية لمواجهة تزييف الصهيونية العالمية، والتي تشتغل على تزييف الرأي العام العالمي، وتظهر دوما في صورة الضحية”.
ولفتت العساسي إلى أن "ما فعلته الكاتبة والمخرجة العالمية سوزان سونتاج عبر إخراجها فيلم "الأراضي الموعودة" وهو أول فيلم "إسرائيلي" روائي طويل يتحدث عن حرب أكتوبر بمثابة واحد من أبز الدعاية للصهيونية العالمية، وكان علينا ومازال مواجهة مثل هذه الدعاية بدعاية مماثلة وحقيقية لكشف زيف ادعاءات الآخر، ويأتي ذلك عبر الفنون والرواية والقصة والمسرح، والتي إلى الآن لم تحقق ما يمكن أن نؤكد على أنه جسد لنا ما خاضه المصريون جيشا وشعبا وقيادة في سبيل تحرير الأرض، للأسف حتى الآن لا نستطيع أن نقول إن الإبداع المصري قدم لنا الصورة الكاملة لحرب أكتوبر كما تليق بتاريخنا، والانصراف إلى كتابة تاريخ أسبق بكثير من حرب أكتوبر ضروي بطبيعة الحال لكن في ظنى أن الانشغال بكتابة إبداع يظهر لنا أعظم ما قدمه المصريون في تاريخهم الحديث أمر ملح ويتطلب اهتماما من جانب المؤسسات في تقديم ما يدفع الكتاب لخوض غمار الكتابة في هذا الاتجاه على سبيل المثال، تقديم جوائز تحت اسم حرب أكتوبر تخصص لأفضل عمل إبداعي يتناول الحرب.
بهية طلب: الغياب والندرة نتيجة تقدم الثورة كمشهد وانتصار جديد للأجيال الحالية
من جانبها، تقول الكاتبة والشاعرة بهية طلب "أسباب الندرة ترجع إلى أن الروائيين الشباب وجدوا مشهدا بديلا للانتصار في ثورة ٢٠١١ لسهولة الوصول للوثائق بفضل التكنولوجيا في مقابل صعوبة الحصول عليها عن حرب أكتوبر، كما أن من كتبوا عن الحرب عاصروها وممن مستهم الحرب مثل جمال الغيطاني ويوسف القعيد وإحسان عبد القدوس، وربما من يكتبون روايات تاريخية سيتعمقون في فترات تاريخية أسبق من حرب أكتوبر لسهولة طرح رؤاهم وأفكارهم.