«ابن جودر».. سيرة تصور الصراع الأبدي بين الخير والشر في إطار أسطوري
يرى الباحث والأكاديمي الدكتور عمرو عبد العزيز، أن السيرة الشعبية رسالة مأثورة متوارثة تعبر عن ضمير جمعي بمرسل محددة، وهي تخضع إلى إضافات وتعديلات وتحويرات تفرضها طبيعة المرحلة الاجتماعية من جهة الوظيفة الفنية من جهة، ويخضع هذا النوع من الخطابات في نشأته وتطوره إلى تعديلات جذرية؛ فهي تنتقل من المسار التاريخي إذا كان لها أصل تاريخي كسيرة عنترة والزير سالم، إلى المسار التخيلي الأسطوري؛ فالكثير من السير الشعبية ذات مرجع تاريخي، وهو يشكل الهيكل أو النواة للبناء الفني.
ويتابع عمرو منير حديثه عبر مقدمته لكتاب "سيرة ابن جودر“ قائلًا: ”أما سيرة فارس العراق زلزال جميع الآفاق وشتت الملوك من الطباق، الفارس المماري، والأسد المتارس الملك أسد الفوارس: فإن المرجع فيها روايات متناثرة وحكايات وردت في كتب الأخبار والسير الشعبية وغيرها، والتقطها الراوي الشعبي ليبدأ تشكلها الأسطوري على يديه، ويتدخل في تشكيلها الضمير الجمعي، لتصبح أكبر من الحقيقة التاريخية، ولاسيما أن سيرة فارس العراق تتضمن في نسيجها حكايات خارقة تتجاوز الفعل الإنساني؟.
وأكد “منير” أنه لن يصعب على القارئ العادي لا الحصيف، تصنيف هذه السيرة ضمن إطار الأدب العجائبي، فالخيال الجامح الذي يتعدى أطر المكان والزمان ليجوب العوالم الماورائية، متخطيا الحدود القصوى لمنطق الواقع والمعقول، في إبداع مغامر يتضافر فيه التاريخي بالمتخيل، والسحري بالواقعي، وهو يتاح من أدبيات العجائبي المترسخ في تاريخنا الأدبي”.
وتدور أحداث السيرة في العديد من الأماكن، والتي منها بلاد فارس "نهشير ونشاور والقصوى" والعراق، ومصر، والمغرب. وتدور عبر 3 أجيال الأول "ابن الملك انمر الفارسي وهما "قطاع "الابن الأكبر" وهو شرير يميل إلى الحرام وفعل المنكرات، وصدام "الابن الأصغر" وهو محب للخير ويفعله.
وكان والدهما الملك "انمر" رأى في منامه رؤيا، وفسرها له وزيره "خيرات" رأى أنه سيموت، وأن شخصا أمره بتقسيم ملكه بين أبنيه، ففعل وأعطى قطاعًا "52 مدينة" وصدامًا "26 مدينة " وأشهد على ذلك، وكتب حجج السلطنة بذلك في حضور الوزراء، وأوصى الملك ابنيه بالاتحاد ضد الأعداء، وعدم التفرق، وأوصى صداما برعاية أمه "لؤلؤة" والحذر من أخيه قطاع.
ومن بعد موت الملك بدأ الصراع بين الإخوة، فطمع في الزواج من زوجة أبيه وأم أخيه صدام “لؤلؤة” وإعماله لحيلة في دعوة صدام وأمه “لؤلؤة” لحضور زفافة على ابنة ملك إيران، ثم طلبه صدام الزواج من أمه والحرب التي دارت بينهما وأسر قطاع لصدام وأمه، وهربهما بعد ذلك من قصره، وموت لؤلؤة التي أكلها سبع في البراري، إلى أن ينتهي الأمر بقتل صدام.
الجيل الثاني "يمثله عمرو بن صدام والذي ربته أمه "عائشة بنت صراف / بعد قتل أبيه، وكانت عائشة وعمر قد بيعا في سوق الجواري، واشتراها أحد التجار، وكان قد فقد ابنه الوحيد الذي أنجبه بعد فترة طويلة من زواجه، وكانت عائشة السبب في إرجاع ابن هذا التاجر فاعتقها وابنها.
الجيل الثالث هم أبناء عمر بن صدام "سالم"، "سليم" "وطجودر" وكانت عائشة بنت صراف زوج عمر قد ماتت ومات عمر بعدها، وأخذ أولاده انصبتهم، فصرف سالم وسليم، نصيبهما في المحرمات والملذات، وعادا إلى جودر يحملان عليه ويسببان له المشكلات، وظل بلا عمل وهو ينفق عليهما، وفتح دكان ابيه عمر، فعمل جودر بالصيد ليبيع ما يصديه من الأسماك وينفق على أخويه.
وتتنامى أحداث هذا الجزء من السرة من خلال صراع سالم وسليم مع جودر، ومعاناة جودر في سبيل الرزق، والأهوال التي تعرض لها في سبيل إنقاذ الهيافة من يد الجن، والأهوال التي حدثت في إخراج كنز الشمردل.
يشير الباحث والأكاديمي عمرو منير إلى أن سيرة فارس العراق جاءت عبر النسخة الخطية الوحيدة التي اعتمد عليها في تحقيقه للدراسة، وسيرة فارس العراق تحتفظ بها جامعة ميتشغان.