مجلة أمريكية تكشف كواليس فك رموز حجر رشيد والتعدد الثقافي بمصر
كشف الكاتب العالمي إدوارد دولنيك، مؤلف كتاب "كتابة الآلهة: السباق لفك شفرة حجر رشيد"، أنه عندما اقتحم جان فرانسوا شامبليون، الفرنسي الذي كان يبلغ وقتها 31 عامًا والذي كرس حياته لدراسة مصر القديمة، مكتب شقيقه في باريس في 14 سبتمبر 1822، أصدر إعلانًا مؤكدًا قال فيه "لقد فهمت ذلك!"، ثم انهار على الفور سقط مغشيًا عليه وتعافى من نوبة إغماءه بعد خمسة أيام فقط، 5 أيام نوم متواصل بعد انتهاء عمل استمر أيام طويلة.
وبحسب مجلة "سميثسونيان" الأمريكية، فأن اكتشاف شامبليون كان يستحق كل هذه الضجة، فقد نجح في حل أحد أعظم ألغاز التاريخ وهي قراءة اللغة الهيروغليفية المصرية وكشف أسرار أعظم حضارة إنسانية.
وتابعت: المفتاح لهذه المعضلة التي تعود إلى قرون كان لوح متواضع من الجرانوديوريت اكتُشف في مصر في يوليو 1799، ويُطلق على اللوحة اسم حجر رشيد نسبة إلى المدينة التي تم العثور عليها فيها، وتحتوي على نسخ من نفس المرسوم بثلاثة نصوص: الهيروغليفية ، والديموطيقية ( في الأساس شكل مختزل من الهيروغليفية) واليونانية القديمة.
كواليس اكتشاف اللغة الهيروغليفية
وأضافت أنه من الناحية النظرية، كان من السهل فك رموز النقوش المتجاورة لأن العلماء في ذلك الوقت كانوا يعرفون اليونانية القديمة، وبالتالي يمكنهم تجميع الترجمة الهيروغليفية معًا استنادًا إلى الرسالة اليونانية، ويقول دولنيك، مؤلف كتاب "كتابة الآلهة: السباق لفك شفرة حجر رشيد": "اعتقد الأشخاص الأوائل الذين نظروا إلى حجر رشيد أن الأمر سيستغرق أسبوعين لفك شفرته، ولكن انتهى الأمر بعد 20 عامًا."
وتابع: "فشل العلماء على مدار 20 عامًا منذ اكتشافه عام 1802 في فك رموزه، حتى جاء العالم الفرنسي الشاب، الذي عكف على الحجر لعدة أيام متواصلة لم يعرف عددها، حتى نجح في فك رموزه أخيرًا".
واجه العلماء الذين شرعوا في فك رموز حجر رشيد مجموعة من التحديات، فعلى عكس الاعتقاد الخاطئ الشائع، فإن الحجر لا يحتوي على نصًا بثلاث لغات، إنه ثنائي اللغة ويحتوي على ثلاثة نصوص منفصلة، لأن اللغة الديموطيقية هي لغة مصرية قديمة أيضًا ولكن تكتب بطريقة مختلفة، حيث اعتقد العلماء لسنوات طويلة النصوص المكتوبة لا علاقة لها ببعضها البعض، فلم يتمكنوا من فهم حقيقة أن الكلمة الأولى في اليونانية يقابلها كلمة مماثلة بالهيروغليفية وجاء هذا المفهوم لأن المرسوم أصدر باللغة اليونانية ثم ترجم إلى المصرية لإضفاء مظهر محلي، بإضافة بعض الكلمات التي تجعله يبدو أكثر مصرية.
وأكدت المجلة أنه على الرغم من العوائق التي واجهها المفككون المحتملون، سارعت مجموعة من العلماء لتجربة حظهم في فك شفرة حجر رشيد، حيث ظهر اثنان من المرشحين البارزين: شامبليون، عالم اللغة الفرنسي الذي أثبت نجاحه في النهاية، وتوماس يونج، الطبيب والفيزيائي الإنجليزي الذي قدم مساهمات كبيرة في فهم العلماء للضوء.
ووفقًا لدولنيك، لم يكن يونج مهتمًا بشكل خاص بمصر أو الكتابة الهيروغليفية، لكن حجر رشيد طرح لغزًا لم يستطع مقاومته، وبصفته متعدد المواهب و "أعظم مفكك تشفير في العصر، كان فك الشفرة نوعًا من الترفيه في ساعات فراغه، وفي المقابل، كان شامبليون "مهووسًا بفك رموز الهيروغليفية وكشف أسرار مصر القديمة، فكان المشروع بالنسبة له بمثابة بوابة إلى ثقافة قديمة أراد أن يفهمها، لم يكن يريد فقط قراءة النصوص، ولكنه أراد أن يفهم الثقافة الكامنة وراء الكتابة.
ما هو حجر رشيد؟
حجر رشيد هو جزء من لوح أكبر أقيم في معبد مصري عام 196 قبل الميلاد، في عهد بطليموس الخامس، ملك من أصل يوناني مقدوني، نقش سطحه بمرسوم صادر عن مجلس الكهنة المصريين في ذكرى تتويج بطليموس، وعلى الرغم من أهمية الحجر الكبرى في العصور الحديثة، فإن النص نفسه عادي نسبيًا، حيث يسرد إنجازات الملك قبل تذكير القراء بألوهيته وتأكيد طائفته الملكية، ويختتم الكهنة رسالتهم بالأمر بأن يُكتب المرسوم على اللوحات "في كتابة كلام الآلهة وكتابة الكتب وكتابة الإغريق"، تم توزيع هذه النسخ بدورها في المعابد في جميع أنحاء المملكة المصرية.
وأكدت المجلة أنه تم تطوير الحروف الهيروغليفية قبل حوالي ثلاثة آلاف عام ، في عام 3100 قبل الميلاد، وهي رموز تصويرية تُستخدم لكتابة اللغة المصرية القديمة، وبحلول زمن بطليموس، بعد حوالي 3000 عام من إنشاء الكتابة الهيروغليفية ، كان الكهنة يستخدمون النص المفصل "اللغة الهيروغليفية" بشكل أساسي (ومن هنا جاءت إشارة حجر رشيد إلى "كلمات الآلهة") ، مع استخدام عامة الناس في كثير من الأحيان للديموطيقية الأبسط.
تعدد الثقافات
كما تقول إيلونا ريجولسكي، أمينة الثقافة المصرية المكتوبة في المتحف البريطاني ، الذي يضم حجر رشيد منذ عام 1802 ، "كانت مصر مجتمعًا متعدد الثقافات للغاية في ذلك الوقت، وكان بإمكان الذين يجيدون القراءة والكتابة القيام بذلك بأكثر من لغة، لذلك كان من الشائع جدًا في ذلك الوقت ترجمة أي نوع من الكتابة الرسمية إلى نصوص أخرى، سواء كانت مصرية إلى يونانية أو يونانية إلى مصرية ".
وأكدت المجلة أن الحجر لا يتضمن فقط حل رموز اللغة الهيروغليفية، ولكن أيضًا كشف أسرار الثورة الكبرى التي اندلعت عام 206 وحتى عام 186 قبل الميلاد، وهي انتفاضة سيئة التوثيق أشعلتها توترات طويلة الأمد بين حكام اليونان البطالمة ورعاياهم المصريين، حيث عاد المحاربون المصريون القدامى في الحرب التي قادها والد بطليموس الخامس إلى الوطن غير راغبين في قبول دورهم كمواطنين من الدرجة الثانية ودفعوا بنشاط من أجل عودة القيادة المصرية، وهذه الأحداث مباشرة ، توضح بالتفصيل كيف استولى بطليموس، الذي خلف والده حوالي عام 204 قبل الميلاد، بوحشية على بلدة معادية، وارتكب مذبحة عظيمة بينهم، ويقول دولنيك إن المرسوم الحماسي في مدحه للملك الشاب هو في الأساس "ملصق دعائي منحوت في الحجر".