دعوة للاستماع
لا شك أننا نعاني اليوم ومنذ سنوات من آفة تكون دائمًا سببًا في إشعال فتيل الأزمات في أوقات كثيرة، وهى مهارة الاستماع، جانب كبير من حياتنا اليومية وحياتنا السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية تقوم في الأساس على الحوار، ومن أهم عوامل نجاح الحوار هو ثقافة الاستماع... أن تسمع الآخر.
ولقد ضرب الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام مثلاً أعلى في مهارة الاستماع، ومن ثمَّ نجاح الحوار حينما جاءه عتبة بن ربيعة في محاولة للمفاوضات المباشرة معه في مكة حينما بدأ دعوته، فلما جاءه الرجل عرض عليه أمورًا كان في مقدمتها كلمة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام مهدت لنجاح الحوار وفتح جسور الثقة بين الطرفين، وهي: "قل يا أبا الوليد.. اسمع".. فحينما تجد من أمامك راغبًا في الاستماع والإنصات، لما تقول لا شك أنك سوف تدلي بدلوك في الأمر، وأنت في غاية الارتياح والهدوء والثقة، ولما يُطلب منك أن تسمع لن تتردد في أن تسمع غيرك.
فلما سمع الرسول منه كل ما قيل مع العلم أنه كلام يوقن النبي مبدئيًا أنه سوف يرفضه ولكنه أصر على أن يسمع، بعد أن سمع قال له: "أفرغت يا أبا الوليد؟" قال: نعم، قال: "فاسمع مني"، فلم يجد الرجل بدًا من الاستماع والاهتمام وعدم مقاطعة الرسول فيما يقول، فلما تكلم أسمعه آيات من سورة فصلت جعلته يتأثر كثيرًا حتى قاطعه ليسكت من قوة تأثير الكلام عليه.
ما كان هذا سيحدث لو أن الرسول قاطعه في البداية، لأنه كان سوف يجعل تركيزه منصبًا في مقاطعته هو الآخر حتى ينتصر لنفسه، لكنه لما استمع له الرسول جعل الفرصة مواتية لاستماعه هو الآخر، مما جعل عتبة ينتفع بما قاله الرسول ويتأثر به حتى ولو لم يسلم!
وهذا من أهم ثمرات الاستماع ألا وهو التعلم والانتفاع، فكل كلمة تقال فيها منفعة، حتى وإن لم تنتفع سوف يمنحك الاستماع فرصة هامة لإعداد الرد المناسب على الفكرة التي يناقشها الطرف الآخر، كما إنك تجعل ساحة النقاش بحسن استماعك هادئة تدل على حالة من التحضر وتشير إلى أشخاص عاقلة لن تخرج من نقاشها بشجار أو مقاطعة، لكن في النهاية لن تعدم نفعًا من استماع الآخر.
إنها دعوة لتقبل ما يقال أمامك حتى وإن رفضه عقلك، لكنك تقبل سماعه ثم ترد عليه بعقل وهدوء، كثير من مشكلاتنا تتعاظم وتتكاثر فقط لأننا لا نسمع!