إدوارد سعيد.. قصة فتى عربي غريب الوجه واليد واللسان
إدوارد سعيد، والذي تحل ذكري رحيله عن عالمنا، في مثل هذا اليوم، حيث توفي في 24 سبتمبر من العام 2003، هو منظر أدبي أمريكي من أصل فلسطيني، ويعد من أهم المثقفين الفلسطينيين، وهو من العلامات البارزة في دراسات الاستشراق.
عمل إدوارد سعيد أستاذا للأدب المقارن والنقد الأدبي في جامعة كولومبيا الأمريكية، ومن الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الاستعمار والنقد الحضاري، وقد نال شهرة واسعة بعد أن أصدر كتابه الأشهر “الاستشراق” عام 1978.
وصف محرر مراجعات الكتب بصحيفة النيويورك تايمز كتاب إدوارد سعيد “خارج المكان” والذي يعد سيرة ذاتية لـ إدوارد سعيد، بأنه: "ها هو إدوارد سعيد، هذا الرجل الذي لا يهدأ ولا يكف عن العمل، يقدم عملا أدبيا رائعا، وبعد أن كتب كتبه ومقالاته الممتازة في الدفاع عن قضية فلسطين، وفي فضح الاستشراق، وفي النقد الأدبي، يقدم سيرته الذاتية، أو بالأحري ذكرياته عن فترة صباه وشبابه، فيخاطب منا جانبا لم يخاطبه من قبل.
لا يكتب إدوارد سعيد كفلسطيني، ولا كمؤرخ للسياسة، ولا ناقد للأدب، بل كأديب ( أو بالتعبير الشائع، الآن، يقدم لنا عملا إبداعيا.
ــ الشعور بالاعتراب ظل ملازما لــ إدوارد سعيد
يذهب الدكتور جلال أمين، إلي أن الشعور بالاغتراب من المشاعر التي ظلت ملازمة وملاصقة لـ إدوارد سعيد طوال حياته وحتي رحيله. يقول “أمين”: ضعه في القاهرة أو بيروت أو برنستون أو نيويورك، تجده يشعر بالغربة ومفتقرا للشعور بالانتماء إلي المكان الذي وضع فيه، ومن ثم فهو يكاد دائما يحمل كل متاعه معه وكأنه لا يتوقع أبدا أن يعود إلي المكان نفسه.
ويلفت “أمين” إلى أن: القصة إذن هي قصة هذا الشعور بالاغتراب، وتراه في مكان بعد آخر، من يوم مولده في القدس سنة 1935، حيث أعطي، وهو الابن المولود من أب فلسطيني وأم فلسطينية، هذا الاسم غير العربي تيمنا باسم ولي عهد بريطانيا، وحتي حصوله علي الدكتوراه من جامعة هارفارد الأمريكية، التي يحمل اسمها وجنسيتها من دون أن يشعر قط بأنه ينتمي إليها.
ــ إدوارد سعيد .. غريب الوجه واليد واللسان
ويشدد الدكتور جلال أمين علي أن إدوارد سعيد ينطبق عليه إذن، في كل بلد عاش فيه، وصف المتنبي للفتي العربي إذ يجد نفسه في غير بلده “غريب الوجه واليد واللسان”، حتي في القاهرة التي يقول إدوارد سعيد أنه أحبها أكثر مما أحب مدينة أخري. وزاد الطين بله ما حدث لأسرته في القاهرة، أثناء وجوده في المدرسة الداخلية في أمريكا، ونتيجة لقيام ثورة 1952، يصاب الأب نتيجة ما اتخذته الثورة من إجراءات اقتصادية بخسارة مالية فادحة مما يزيد شعور إدوارد سعيد بالغربة. ومع ذلك فالصبي إدوارد سعيد يشعر بالتعاطف مع الثورة المصرية ومع اتجاهات عبد الناصر الوطنية. وكأن هذه الثورة بعثت في نفسه الأمل في أن يسترد الوطن الذي سلب منه، أو أحيت لديه جذوة الشعور بالانتماء.
ــ هل أساء إدوارد سعيد لأسرته في “خارج المكان”؟
ويوضح الدكتور جلال أمين عن كتاب إدوارد سعيد “خارج المكان”: يقول إدوارد سعيد في مقدمة كتابه إن أشياء كثيرة في الكتاب قد تغضب البعض ــ قاصدا بلا شك بعض أفراد أسرته ــ إذ قد يجدون فيها ما يعدونه إساءة إليهم أو إلي بعض أقربائهم الأعزاء عليهم، ويدافع عن نفسه بقوله إنه لم يقل إلا الحقيقة، وإنه علي أية حال لم يستثن نفسه من النقد اللاذع كما تطلب قول الحقيقة ذلك .
ويعقب “أمين”: ولكني في الحقيقة لم أجد في الكتاب ــ خارج المكان ــ ما يمكن أن يعد إساءة إلي أحد، لا إليه هو شخصيا لا إلي أحد من أقربائه، بما في ذلك أبوه الذي كثيرا ما يبدو في الكتاب بالغ القسوة. والسبب في ذلك، في ما يبدو لي، ليس هو بالضبط أن إدوارد سعيد قد توخي الحقيقة وحدها، بل إنه توخي الحقيقة كلها، أو علي الأقل ما وسعه أن يدرك منها.