على جمعة : الحلم هو أن تكون هادئ النفس والطباع
قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إنه عندما رأى رسول الله ﷺ أشج عبد القيس -وهو أحد الصحابة الكرام- قال له: « إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ » سيدنا رسول الله ﷺ وهو يتخلق بأخلاق الله سبحانه وتعالى، وهو يأمر الناس بما يحبه الله سبحانه وتعالى أحب الحلم والأناة في أشج عبد قيس، والحِلْم صفةٌ تكاد أن تتفلت منا، وهي مفتاح كل خير، ومفتاح كل سلوكٍ طيب، بل هي مفتاح الاجتماع البشري الآمن، وهي مفتاح الحكمة {يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}.
وتابع " جمعة" عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى " فيس بوك" قائلًا : إن الحلم مفتاح كل خير، الحلم هو أن تكون هادئ النفس، هذا الهدوء يجعلك لا تتكلم إلا في موطنٍ يحتاج فيه الأمر إلى الكلام، والنبي ﷺ يمدح الصمت حتى ألَّف ابن أبي الدنيا كتابًا كبيرًا في جمع الأحاديث التي تحث على الصمت، والصمت يقول فيه رسول الله ﷺ: «إذا رأيتم الرجل قد أوتي صمتا فإنه قد أوتي الحكمة» هذا مفتاحه الحلم، الهدوء النفسي، ولذلك إذا واجهت سلوكًا، أو فعلًا، أو كارثة، أو مصيبة فإن رد فعلك أمامها بالحلم يجعلك هادئًا؛ فهو يُعلِّم التوكل الصحيح على الله سبحانه وتعالى، ومن توكل على الله كفاه، "حسبنا الله ونعم الوكيل" يعني كفايتنا ربنا سبحانه وتعالى، لا نريد ربًا سواه، ولا نعرف ربًا سواه، نتوكل عليه حق توكله سبحانه وتعالى، الحلم يجعلك قادرًا على أن تُنفِّذ النصيحة النبوية، والنبي ﷺ يقول: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» ويقول: «لا تغضب ولك الجنة» ليس لك جزاء إذا ما ملكت نفسك حين الغضب عن الغضب إلا الجنة {وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} أكظم غيظك ؛ وكظم الغيظ معناه أن الغيظ موجود، وأن الغضب قد حل، ولكن ليس الشديد بالصرعة المصارع الذي يُصارع الناس فيغلبهم، إنما الشديد والبطل هو ذلك الذي يملك نفسه حين الغضب، تخيل لو أن الناس أمسكت نفسها حين الغضب بالحلم والأناة والتفكر والتدبر تُحل المشكلات، ولا يتهور الإنسان بقول السوء، تراك صاحب الحق، ولا تُضيِّع حقك بشيءٍ قد تهورت فيه برد فعلٍ غير محسوب، مفتاح ذلك كله ألا تغضب، ثم إن جزاءك يوم القيامة الجنة.
وأوضح "جمعة" قائلا : عدم الغضب ليس سهلًا، إنما يُدخلك صدقًا في مصاف الأبطال، الحلم بالإضافة إلى أنه يُعلمك التوكل على الله، ويعلمك ضبط النفس، ويعلمك الهدوء النفسي، يعلمك أيضًا ذكر الله لأنك لابد أن تجعل ذلك لله، ولا يكفي أن يكون طبعك حليما، وإن كان الحلم يحبه الله سبحانه وتعالى، ولكن الحلم من أعمال القلوب، والنبي ﷺ يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى» ، ولذلك يجب أن نجعل حلمنا لوجه الله تعالى، تخيل أنك تذكر الله في كل وقتٍ وحين، تخيل أنك تشغل ذهنك بذكر الله بدلًا من التفكر في الانتقام، وفي كيفية الرد، وفي كيفية رد الفعل، وفي كيفية الغضب تذكر ربك، وربنا يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} ؛ فإذا ذكرت ربك في نفسك ذكرك في نفسه، أتعرف ماذا تسمع؟ رب العالمين، ملك الملوك يذكرك أنت أيها العبد الضعيف وأنت مخلوقه في نفسه جل جلال الله {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ما هذا؟ هذا فضلٌ عميم لا نلتفت إليه، وبإلفنا لسماع القرآن تمر علينا الآيات دون أن نتدبر وأن نقف وأن نتصور ما هذا، والله لو تصورته لاقشعر جلدك ثم لأن لذكر الله سبحانه وتعالى {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} ، أرأيت ما الذي يفعل الحلم بك إذا ما حلمت؟.
وأشار "جمعة" أما الأناة فقد افتقدناها كثيرًا فإنها تؤدي إلى الفكر المستقيم، وقليلٌ منا في عصرنا المتسارع هذا يتفكر ويتدبر ويتأمل، حتى أصبح الفكر نادرا، وأصبح الإنسان يسلك السلوك الذي يأتي على ذهنه، وليد الساعة دون أن يتدبر، ودون أن يتفكر، ودون أن يتأمل، والله سبحانه وتعالى نعى ذلك على البشر {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} وفي القرآن أمرٌ بالتعقل وبالتفكر وبالتدبر وبالتأمل وبالنظر، ما الذي دهانا لم نستمع إلى النصيحة النبوية الشريفة وإلى ذلك الكنز المخفي حيث يقول رسول الله ﷺ لأشج عبد قيس: «فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة»، كثر فينا الشجار والنزاع، وامتلأت المحاكم بالقضايا عندما افتقدنا الحلم والأناة.