المفكر النبيل.. الشيخ مصطفى عبدالرازق (2)
هي علاقة لا أمل من تكرار الحديث حولها، ما بين الشيخ الأزهري والأديب العميق، حينما كنت أطالع مسرحية أهل الكهف فوجدت في مقدمتها كلامًا وتحليلًا للدكتور مصطفى عبدالرازق– شيخ الأزهر– مادحًا تلك الرواية العميقة، فقد كان يمشى في مكتبة صبيح يبحث عن ألوان من الكتب الجديدة، فوجد أمامه كتابًا يحمل اسم أهل الكهف، فلم يكترث به لعدة أسباب منها أنه كاتب ناشئ، ومنها أنه ظن أن الكتاب لأحد المشايخ يسرد تفسيرًا للقصة المعروفة والتي جاءت في القرآن بطريقة أو بأخرى، وأنه مثل العديد من خطب الجمعة التي نسمعها عن أهل الكهف، فليس هناك جديد يقال، فلم يعبأ به والتفت إلى غيره.
لكنه لما رجع إلى بيته زاره صديق يحمل معه هدية، وكانت المفاجأة أن الهدية هي رواية أهل الكهف للشاب- غير المعروف وقتها- توفيق الحكيم، فكأن القدر ساق الرواية إليه كي يقرأها رغمًا عنه، فما أن بدأ القراءة لم يكد يغلق الكتاب حتى أنهاها من روعة الأداء والأسلوب وجمال العبارة وحسن الصياغة.
وإذا بالكاتب هو من خيار الأفندية، وإذ بالكتاب لا يقل جمال معناه عن جمال صورته.. كما قال رحمه الله.
ثم شرع– رحمه الله– في مقال رائق يحكى عما فى الكتاب من جمال المعنى والمبنى، حيث أن الكاتب درس القصة درسًا محيطًا ثم أسلم جوهرها إلى خيال موفق وفكر مستقيم وذوق سليم، فصوّر من كل أولئك موضوعًا روائيًا طريفًا كساه الأسلوب السهل الفصيح حلةً رائعة.
كان هذا هو دأب الشيخ الفيلسوف الدكتور مصطفى عبدالرازق، فقد كان داعمًا بقوة لكل موهبة شابة، ليس في مجال العلم الشرعي فقط، وإنما في الأدب والفنون والفلسفة، فقد كان صديقًا مقربًا من المثَّال المصري الشهير محمود مختار، وشارك في حملة الاكتتاب الشهيرة التي أقيمت لبناء تمثال نهضة مصر الشهير بالقرب من جامعة القاهرة.
ولا ينسى أحد الدور الكبير الذي قام به مع السيدة أم كلثوم في بدايتها، حيث جاءت من بلدتها التابعة لمركز ميت غمر بالمنصورة لا تعرف السبيل إلى النجاح في المحروسة، تلك المدينة الكبيرة الباهرة، لكنه أخذ بيدها وأعطاها كل ما يستطيع من الدعم الكامل الذى يحتاجه فنان ناشئ يتلمس خطواته الجديدة في مدينة هي ملتقى الفنون والمواهب من جميع أنحاء الشرق الأوسط.
هكذا كان الشيخ الذي جاء شابًا من صعيد مصر قاصدًا أعلى الجامعات العالمية "السوربون"، ثم رجع إلى مصر داعمًا لأهل بلده، ناشرًا ما تلقاه من علم وخير للجميع.