زمن الوفرة انتهى.. أوروبا تعيش أسوأ أزمة طاقة.. ورعب من القادم فى الشتاء
«عهد الرفاهية انتهى ونعيش نهاية زمن الوفرة وراحة البال».. بهذه الكلمات صدم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون كل الفرنسيين، داعيًا إياهم- فى خطاب يوم الخميس الماضى- للاستعداد لـ«التضحية» بسبب الأزمات المتتالية فى الطاقة والغذاء والجفاف.
وسلطت تقارير دولية الضوء على أزمة الطاقة فى القارة الأوروبية، وسط مخاوف من مصير مظلم وشتاء قارس البرودة، وعمل خبراء الطاقة الأوروبيون على وضع قواعد جديدة لترشيد استهلاك الغاز والكهرباء.
تضاعف أسعار الغاز.. غضب من فواتير الكهرباء.. وذعر بين السياسيين
كشفت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية عن أن أسعار الغاز الطبيعى فى أوروبا باتت عشرة أضعاف أسعارها المعتادة، مشيرة إلى أن الصناعة فى القارة العجوز تواجه مشاكل كبيرة، وسط حالة من الغضب تسود الشارع، والذعر الشديد الذى يعيشه السياسيون والقادة.
وذكرت أن «معظم دول العالم يكافح مع ارتفاع أسعار الطاقة، لكن أوروبا تتعرض لضغوط شديدة، ما أجبر القادة الأوروبيين على الارتجال فى خطط الإنقاذ وإجراءات الطوارئ لتجنيب المستهلكين الألم الاقتصادى المدمر فى الشتاء».
وأضافت المجلة: «ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى بات المشكلة الأكبر والأخطر الآن التى تعيث الفوضى فى جميع أنحاء القارة، بعدما تسببت فى ارتفاع نسب التضخم وتعطل الصناعات، وجعلت الناس فى أوروبا يرتجفون عندما يطلعون على فواتير الكهرباء الخاصة بهم الواجب دفعها».
وأرجعت المجلة الأمريكية مشكلة الغاز إلى الحرب الروسية فى أوكرانيا، التى عطلت صادرات الغاز الروسى إلى أوروبا، ورفعت الأسعار فى كل مكان، لكن الأمر لا يتعلق بالحرب فقط، فالإمدادات البديلة من الغاز باهظة الثمن، كما أن تغير المناخ أدى إلى استنزاف الأنهار، لدرجة أن العديد من المحطات النووية فى أوروبا أصبح عاطلًا عن العمل.
وأضافت: «أسعار الطاقة فى كل من ألمانيا وفرنسا وصلت إلى مستويات قياسية هذا الأسبوع، وهذا انعكاس لحالة الطوارئ الكهربائية المتزايدة فى القارة، فى وقت تنهار فيه الدول تحت الضغوط الاقتصادية، ما اضطر الدول الأوروبية للدعوة إلى اتخاذ تدابير يائسة لمعالجة الأزمة».
ومع تخلى أوروبا عن إمدادات الطاقة فى موسكو، سارع العديد من القادة إلى تأمين صفقات وإمدادات بديلة مع دول أخرى، بداية من إيطاليا التى حصلت على المزيد من الغاز من الجزائر، بينما اتجهت دول أخرى إلى أذربيجان والنرويج وقطر.
وأعربت ألمانيا عن أملها فى إبرام صفقة جديدة للغاز الطبيعى المسال مع كندا، التى كانت بدورها أقل تفاؤلًا إلى حد كبير، كما استثمر آخرون بشكل كبير فى البنية التحتية للغاز الطبيعى المسال، وتتسابق ألمانيا لبناء ٥ محطات عائمة للغاز الطبيعى المسال، وتستعد هولندا وفنلندا وإيطاليا لمزيد من الوحدات العائمة لاستيراد الغاز.
خبير: شك حقيقى فى قدرة القارة على تلبية احتياجات الشتاء
نقلت «فورين بوليسى» عن أليكس مونتون، الخبير فى أسواق الغاز العالمية بشركة «Rapidan Energy Group» الاستشارية، أن «أسعار الغاز الطبيعى فى أوروبا أصبحت أعلى بنحو ١٠ أضعاف مما كانت عليه فى المتوسط خلال العقد الماضى، و١٠ أضعاف السعر فى الولايات المتحدة».
وأضاف «مونتون»: «أوروبا فى أزمة ولدينا أسعار غاز فلكية، وما زلنا على بُعد بضعة أشهر من بلوغ الطلب على الغاز ذروته خلال فصل الشتاء، وهناك عدم يقين حقيقى بشأن ما إذا كان سيكون هناك ما يكفى من الغاز لتلبية الطلب طوال فصل الشتاء أم لا».
وواصل: «أوروبا عادة فى فصل الشتاء تستخدم الكثير مما لديها فى المخازن، بينما تستورد فى الوقت نفسه الكثير من الغاز من مصادر أخرى، هى تحتاج إلى كلا الخيارين، لكن بينما نفكر فى هذا الشتاء، هناك تهديد حقيقى للغاية بعدم وجود أى غاز روسى على الإطلاق، ففى السابق كان الغاز الروسى يوفر نحو ٤٠٪ من الواردات الأوروبية».
وأكمل: «دون إمدادات غاز روسيا فى الشتاء، ستضطر الدول الأوروبية إلى الاعتماد على واردات الغاز الطبيعى المسال بدرجة أكبر من الموردين مثل الولايات المتحدة، والمشكلة أن آسيا- سوق كبرى للغاز الطبيعى المسال- تتنافس أيضًا على نفس الإمدادات، ما يعنى أن الأسعار ستكون دائمًا أعلى من الغاز القديم عبر الأنابيب من الشرق»، مشددًا على أن «هذه هى الأزمة التى تواجهها أوروبا والعالم». وقال جيسون بوردوف، المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية فى جامعة كولومبيا، المساعد الخاص للرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، إن هناك الكثير مما يمكن للدول فعله لدعم إمداداتها.
خفض الاستهلاك 15% حتى مارس
يبحث خبراء الطاقة عن حلول لأزمة الطاقة فى أوروبا، بينما يخطط السياسيون، الذين يعيشون حالة ذعر، لاتخاذ وفرض تدابير سياسية قد تحد من تفاقم أزمة الغاز.
وقال وزير الصناعة التشيكى جوزيف سيكيلا، أمس الأول، إن بلاده ستدعو مجلس الطاقة فى الاتحاد الأوروبى إلى عقد اجتماع استثنائى، بعد أيام فقط من اقتراح تحديد سقف للأسعار كإحدى الخطط المحتملة.
بينما تبحث بريطانيا عن حل لأزمة التضخم، الذى حدث بسبب الارتفاع الجنونى فى أسعار الطاقة، وتراجع تقديرات الناتج المحلى الإجمالى، وفقًا لـ«Oxford Economics»، التى قالت فى دراسة لها إنها تعتقد أن قطاع التصنيع الأوروبى سيشهد ركودًا خلال الشهور المقبلة، وستكون هناك أيضًا تداعيات على الأسر، كما ستؤثر الزيادة فى أسعار الغاز والكهرباء على المستهلكين بشدة. وأشارت مجلة «barrons» الأمريكية إلى أن دول أوروبا تخطط لخفض استهلاك الغاز بنسبة ١٥٪، فى الفترة من ١ أغسطس ٢٠٢٢ إلى ٣١ مارس ٢٠٢٣ لمواجهة هذه الأزمة المرعبة.
النمسا تُشغل محطة الكهرباء بالفحم.. وإيطاليا تفرض قيودًا على استخدام المكيفات
وضعت الحكومة الألمانية العديد من الضوابط من أجل ترشيد استهلاك الغاز من بينها الاستحمام بالماء البارد فى حمامات السباحة المحلية بعد تطبيق الأمر على الحمامات السياحية كما حدث فى مدينة هانوفر الشمالية الغربية، كما ستكون الرحلة إلى برلين أقل إبهارًا لأن المدينة ستطفئ الأنوار التى تضىء ٢٠٠ من معالمها السياحية الرئيسية فى الليل.
كما حظرت ألمانيا تدفئة حمامات السباحة الخاصة اعتبارًا من سبتمبر، وخفضت العديد من المدن درجة الحرارة فى حمامات السباحة الخاصة بها وخفضت الإضاءة فى المناطق الحضرية.
أما إيطاليا، فأطلقت فى وقت سابق من هذا العام ما سمته «عملية الترموستات» لخفض درجات التدفئة وخفض تكييف الهواء فى المدارس والمبانى العامة كما يجب على مؤسسات القطاع العام خفض التدفئة فى المدارس والمكاتب درجة واحدة، وما يعادلها بالنسبة لتكييف الهواء فى الصيف.
واتخذت الحكومة الفرنسية عددًا من الإجراءات من أجل ترشيد استهلاك الغاز، فوفق القرارات الجديدة سيكون على المحلات التجارية التى تستخدم مكيفات الهواء فى البلاد أن تغلق وإلا ستواجه غرامة مالية.
كما سيتم حظر تشغيل شاشات الإعلانات المضيئة فى الفترة بين الساعة ١ صباحًا و٦ صباحًا، باستثناء المطارات ومحطات السكك الحديدية.
ومنذ ١٠ أغسطس الجارى، أعلنت الحكومة الإسبانية عن إيقاف تشغيل مكيفات الهواء وضبطها على ما لا يقل عن ٢٧ درجة مئوية، خلال الأشهر الأكثر دفئًا فى العام، وذلك فى وسائل النقل العام إلى المتاجر والمكاتب والمسارح ودور السينما. وفى إطار خطتها لترشيد استهلاك الغاز، قررت الحكومة النمساوية التخلى عن أضواء عيد الميلاد هذا العام. كما أعلنت عن أنها ستعمل مع مجموعة «فيرباند»، المورد الرئيسى للكهرباء فى البلاد، على إعادة تشغيل محطة طاقة فى مدينة ميلاخ الجنوبية التى تعمل بالفحم الحجرى، بسبب النقص فى إنتاج الكهرباء الناجم عن خفض واردات الغاز الروسى.
من جهتها، كشفت وكالة بلومبرج الأمريكية نقلًا عن مصادر خاصة، عن أن بريطانيا تخطط لقطع منظم للكهرباء فى المصانع وحتى المنازل، خلال فصل الشتاء.