الحقيقة والوهم.. الذكاء بعينه!
ذات مساء كانت ابنتي "نورا" تحاول أن تنام لكن النوم لم يكن يريد القدوم إليها، فكرت نورا في شيء يسليها حتى يجئ النوم، فاقترحت أن تقرأ بعض القصص التي لديها، أعجبتني فكرتها.. وبدأت استمع لما تقرأه ابنتي، اختارت كتاب اسمه "أنا القمر" وهذا الكتاب يتضمن مجموعة من القصص الشعبية الصينية، ترجمة الأستاذ طلعت الشايب، والحقيقة أن قصص هذا الكتاب ممتعة لدرجة أنني لم استطع أن أعرف أي قصة أفضل من الأخرى، وهي قصص تجري على ألسنة الحيوان والطير والجماد.. بقرة وكلب يتفقان على الهرب لكن حب الملكية والتعلق بها يمنع البقرة من الهروب، ضفدع مزعج يساعد ثعبان فيلقى حتفه، دجاجة تشكو من أنها في خطر لمجموعة من الحيوانات المفترسة، نحات يتحدث إلى تمثال بعد أن صنعه، نمر عنده كرامة، ثعلب وسلطعون، حوت طيب!، قط صاخب وكلب صموت، وقد اخترت من قصص الكتاب وعددها خمسين قصة، قصتين هما قصة الحقيقة والوهم، وقصة الذكاء بعينه!، وسوف أروي لكم القصتين في السطور التالية:
أولاً: قصة الحقيقة والوهم للكاتب الصيني "جين جيانج"
مشت الحقيقة عارية في الطريق، فأخذ الناس ينظرون إليها باستغراب! كانت الحقيقة ذاهبة إلى القصر لمقابلة الملك، على باب القصر، استوقفها أحد الحراش الأشداء:
- من أنت؟
- أنا الحقيقة.
- وماذا تريدين؟
- أرجو أن تخبر جلالته أنني قد جئت لمقابلته.
هب الحارس إلى وزير البلاط وأخبره بما حدث، فقال الوزير: لا بد أنها أمرأة مجنونة، اصرفها من هنا فورًا. وذهب الحارس ليطرد الحقيقة، بينما ذهب الوزير لينقل الرسالة إلى الملك الذي ضحك وهو يقول: حقيقة عارية؟! يا له من سخف!
ارتدت الحقيقة لباس الفقراء ومشت في الطريق، فلم يٌعِرها أحد أدنى اهتمام.
كانت مرة أخرى ذاهبة إلى القصر لمقابلة الملك. وعلى الباب استوقفها أحد الحراس الأشداء، وسألها نفس الأسئلة، فقالت: أنا واعظة ، وأريد أن أقابل جلالته.
ذهب الحارس ليخبر الوزير أن هناك امرأة في ثياب بالية تدعي أنها واعظة وتريد أن تقابل جلالة الملك.
فكر الوزير للحظات ثم قال: كيف تجرؤ واعظة في ثياب رثة أن تطلب لقاء الملك؟ أخبرها بأن تذهب إلى مكان آخر لتعظ الدهماء هناك.
نقل الحارس الرسالة إليها، وطردها شر طردة. وعندما أخبر الوزير الملك بما حدث قال جلالته غاضبًا:
- ألا يكفي ما أسمعه من مواعظ تافهة؟
ارتدت الحقيقة هذه المرة ملابس زاهية ومشت في الطريق، كان كل من يلتقيها يحييها باحترام ويتبعها ويستمع إلى ما تقول.. كانت الحقيقة في الطريق للقاء الملك .
وكالمعتاد، استوقفها الحارس ولكنه سألها باحترام: هلا تفضلت يا سيدتي وأخبرتني باسمك وبسبب مجيئك؟ فقالت: أنا الوهم! وقد جئت لمقابلة جلالة الملك.
انطلق الحارس ليخبر الوزير: بالباب يا سيدي سيدة أنيقة، تقول: إن اسمها الوهم وترغب في لقاء جلالة الملك. فهرع الوزير وذهب ليخبر الملك الذي هب واقفًا:
- افتحوا الأبواب ولتعزف الموسيقى..
وخرج الملك والملكة والحاشية وعٍلية القوم ليكونوا جميعًا في استقبال الوهم
وهكذا استطاعت الحقيقة أن تدخل القصر في النهاية.
ثانيًا : قصة "الذكاء بعينه!" وهي قصة مجهولة المصدر، وإن كانت تشبه قصص جحا في أدبنا الشعبي.
تحكي القصة أن ثريا كان على درجة عالية جدًا من البخل، أعطى خادمة زجاجة وطلب منه أن يشتري له خمرًا .. ولم يعطه نقودًا .
اندهش الخادم وسأل سيده : "كيف اشتري شيئًا يا سيدي دون نقود؟"
قال الثري: "إن أي إنسان يمكنه أن يشتري خمرًا بنقود، وهذا أمر عادي، أما أن يشتريها دون نقود فذلك هو الذكاء بعينه، وهو دليل كفاءة ومقدرة"
خرج الخادم متجهًا إلى السوق وهو يفكر، وبعد قليل عاد بذات الزجاجة ليقدمها إلى سيده قائلًا: "لقد اشتريت الخمر .. تفضل يا مولاي!"
الثري الذي كان على درجة عالية من البخل، راح يتأمل الزجاجة الفارغة ثم قال للخادم: "ماذا أشرب أيها الأحمق؟ إنها فارغة"
قال الخادم: "إن أي إنسان يمكنه أن يشرب الخمر من زجاجة مملوءة به، أما أن يشربها من زجاجة فارغة فذلك هو الذكاء بعينه، وهو دليل كفاءة ومقدرة!".