لقاء ريمينى للصداقة بين الشعوب يحتفل بمئوية «جوسانى»
"الشغف بالإنسان"، شعار لقاء ريميني للصداقة بين الشعوب، والذي انطلقت فعاليات دورته الثالثة والأربعين، في مدينة ريميني بشمال إيطاليا، والذي يمتد حتى الخامس والعشرين من أغسطس الجاري.
وقال الناقد الدكتور وائل فاروق، أستاذ الأدب العربي بالجامعة الكاثوليكية بميلانو، في تصريحات خاصة لـ"الدستور": لقاء ريميني حدث كبير يشارك فيه أبرز المفكرين والمثقفين ورجال الاقتصاد والسياسة من إيطاليا والعالم لمناقشة قضايا اللحظة الراهنة في كل المجالات، وعلى مدى العشرين عاما الأخيرة حظيت المشاركة العربية والإسلامية في لقاء ريميني باهتمام كبير، حيث شارك فيه عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية الأسبق، والرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة والفقيه الموريتاني أحمد بن بية، كما شارك فيه أيضا مصطفى الفقي، والراحل نصر حامد أبو زيد، ورجاء بن سلامة وصلاح فضل وحسين محمود وسيد محمود وخالد عزب وعادل عمر شريف نائب المحكمة الدستورية العليا المصرية إلى جانب عدد كبير من رجال الدين المسلمين والمسيحيين من مصر والعراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين وموريتانيا.
ــ الاحتفال بمئوية المفكر الإيطالي لويجي جوساني
وأضاف "فاروق": ينعقد لقاء ريميني هذا العام تحت عنوان "شغف بالإنسان" وهو مأخوذ من محاضرة للمفكر الإيطالي لويجي جوساني الذي يحتفل لقاء ريميني بمئويته هذا العام، تناولت أعمال جوساني العلاقة بين العقل والإيمان والأيديولوجيا والواقع، وهو صاحب عبارة "لا سبيل إلى الحقيقة الدينية إلا الحرية" وعبارة "أي حديث جدي عن الله يعني تمجيد العقل والدفاع عنه".
وقد أثرت أفكار جوساني على أجيال الشباب في أوروبا منذ الستينيات حتى اليوم كما ترجمت كتبه إلى معظم لغات العالم ومن بينها العربية التي صدر له فيها كتب: "الحس الديني" و"الوعي الديني لدى الإنسان المعاصر" و"المغامرة التربوية".
وقد تناول البابا فرانشسكو بابا الفاتيكان أعمال جوساني في العديد من خطاباته وخاصة كتابه الحس الديني الذي قال عنه: إننا في كتاب الحس الديني نتحدث قليلاً عن الله وكثيرًا عن الإنسان. هناك الكثير من الحديث عن الـ "لماذا"، والكثير من الحديث عن غايات الإنسان ودوافعه واحتياجاته النهائية.
ولفت "فاروق" إلى: يرى جوساني أنه لا يوجد شيء أكثر غموضًا من الإجابة عن سؤال لا يطرح نفسه. أحد أكبر تحديات ثقافة السوبر ماركت التي نعيشها في اللحظة الراهنة- ثقافة السوق التي تجعل كل شيء في متناول الجميع والتي تصيب القلب بالخمول- هي إعطاء صوت للأسئلة. هذا هو التحدي. في مواجهة خدر الحياة، في مواجهة الهدوء الرخيص، وإن كان شديد التنوع، يتمثل التحدي في طرح الأسئلة الحقيقية على أنفسنا حول معنى الإنسان، ووجوده، والإجابة عنها. لكن إذا أردنا الإجابة على أسئلة لا نجرؤ عليها، ولا نعرف أو لا نستطيع تفسيرها، فإننا نقع في العبث. بالنسبة للإنسان الذي نسي "أسئلته" الأساسية، نسي توق قلبه، أو فرض الرقابة على ضميره حتى لا يسأله، فإن حقيقة التحدث إليه عن الله ستبدو له خطابًا مجردًا محدودًا ليس له أي تأثير على الحياة. لا يمكن للمرء أن يبدأ حديثًا عن الله، إذا لم يتم نفض الرماد الذي يخنق الجمر المشتعل لـ"الأسئلة" الأساسية. تتمثل الخطوة الأولى في فهم هذه الأسئلة المخفية.
يؤكد كتاب الحس الديني على حقيقة أن الحديث بجدية عن الله يعني تمجيد العقل والدفاع عنه واكتشاف قيمته وطريقته الصحيحة. ليس عقلًا يُفهم على أنه مقياس محدد مسبقًا للواقع، ولكنه عقل منفتح على الواقع في مجموع عوامله، والذي يبدأ من التجربة الإنسانية، والتي تبدأ من هذا الأساس الأنطولوجي الذي يثير قلقلة القلب. لا يمكن أن تثار قضية الله بقلب خامل، لأنها ستكون إجابة بلا سؤال. العقل الذي يعكس التجربة هو عقل له معياره في الحكم لمقارنة كل شيء بالقلب، أي بمجموعة الحاجات الأصلية التي يمتلكها كل إنسان: الحاجة إلى الحب. إلى السعادة إلى الحقيقة والعدالة. القلب هو جوهر المتعالي الداخلي، حيث تتجذر الحقيقة، والجمال، والخير، والوحدة التي تعطي الانسجام للكائن كله. بهذا المعنى نحدد العقل البشري. ليس تلك العقلانية التجريبية، المثالية، التي يمكنها فعل أي شيء، يتدعي امتلاك الواقع من خلال امتلاك العدد أو الفكرة أو تبرير الأشياء. أو، إذا أردنا أن نذهب أبعد من ذلك ، تمتلك الواقع من خلال السيطرة المطلقة على تقنية تفوقنا في نفس لحظة الاستخدام ، وبالتالي الوقوع في تلك الحضارة التي أحب جوارديني أن يطلق عليها "الشكل الثاني من الجهل". من ناحية أخرى، نتحدث عن سبب لا يتم اختزاله أو استنفاده في المنهج الرياضي أو العلمي أو الفلسفي. في الواقع، كل طريقة مناسبة لمنطقها الخاص وبما يتعلق بموضوعها المحدد.
من ناحية أخرى، فإن استجواب الذات أمام العلامات يتطلب قدرة بشرية فائقة هي أول ما نمتلكه كرجال ونساء: وهي القدرة على الاندهاش، أو كما يسميها جوساني، قلب الأطفال. يعرف ويتعلم فقط عندما يندهش. لاحظ أن التدهور الأخلاقي والثقافي يبدآن في الظهور عندما تضعف هذه القدرة على الدهشة أو تُلغى أو تموت. إن مبدأ أي فلسفة هو الدهشة. هناك عبارة للبابا لوسياني تقول إن دراما المسيحية المعاصرة تكمن في حقيقة وضع الفئات والمعايير في مكان الدهشة. يجب أن تأتي الدهشة أولاً وقبل كل شيء، لأنها ما يقودني إلى البحث والانفتاح؛ هذا ما يجعل الإجابة ممكنة بالنسبة لي، وهي ليست إجابة لفظية ولا إجابة مفاهيمية. لأنه إذا انفتحت الدهشة في وجهي كسؤال، فإن الإجابة الوحيدة هي اللقاء: وفقط في اللقاء يروي العطش.