تكمين الكمين.. هدايا سيف العدل للقاعدة
تكمين الكمين.. هو عملية خاصة بتنظيم القاعدة، هو اختراعهم الذى أتى به سيف العدل، المرشح المحتمل لتولى زعامة القاعدة بعد مقتل الظواهرى، وهو مصرى من محافظة المنوفية.. هو صاحب فكرة هذه العملية كما يؤكد بعض المصادر، فبعد انتقاله من السودان لأفغانستان عقب مقابلة أسامة بن لادن هناك وانضمامه للتنظيم، كان يرى أن القاعدة مجرد ميليشيات تعمل بشكل عشوائى وهو ما يجعلها صيدًا سهلًا فى أحيانٍ كثيرة للقوات المنظمة، فى حين أنها مجرد مجموعات تضرب هنا وهناك، وأنه كثيرًا ما يتم استهداف عناصر التنظيم عن طريق الأكمنة.
وهو ما جعله يفكر فى طريقة تجنبهم الوقوع فى قبضة الكمائن، ففكر فى عمل كمين للكمين، وهى طريقة صعبة للغاية، لأنها تعتمد على المعلومات المسربة عن طريق الجواسيس بمكان ووقت وقوام أو عدد أفراد هذا الكمين، ونوع الأسلحة والمعدات الموجودة معهم، وخط سيرهم والنقاط التى يمرون عليها، وعن طريق هذه المعلومات يتم إعداد وتجهيز كمين التنظيم، حيث يجب أن يتفوق فى العدد والأسلحة عن الكمين الأصلى، كما توضع خطة لمراقبة الكمين الأصلى بدقة وسرية كاملتين لاختيار نقطة الهجوم المثلى عليه، لضمان حصاره وعمل شلل لأفراده عن طريق عنصر المفاجأة، ولضمان عدم وجود فرص للمواجهة وتبادل إطلاق النيران بين الطرفين، وبعد إتمام عملية تطويقه بشكل محكم تتم مهاجمته والقضاء عليه بشكل سريع، ورغم أن سيف العدل، كما ترجح أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، لم يتربَّ تربية إسلامية متشددة كما غيره، بل إن المعلومات المتاحة تشير إلى أنه كان فى بيئة وبيت عادى وليس متدينًا، بدليل أنه من عشاق كرة القدم كما أنه أظهر موهبة كبيرة فى اللعب وهى إحدى هواياته المعروف بها فى تنظيم القاعدة.. إلا أنه بعد انضمامه للقاعدة كانت صفاته تشير كما لو أنه تربى فى تنظيمات سرية منذ صغره، فهو شخصية تشك فى أصابع يديها، لذلك كان يحرص دائمًا فى كل عملية على أن تكون المعلومات المتوافرة والتعليمات تخص أفراد العملية فقط، ولا يعلم بها أى شخص آخر فى المكان، أيًا كانت قيمته.
انتشرت هذه العملية بشكل كبير خلال فترة التسعينيات وما بعدها واستخدمتها القاعدة فى أماكن ودول كثيرة خارج نطاق أفغانستان إلى أن انتقلت للتنظيمات الجديدة بعد ذلك، ومنها على سبيل المثال «جبهة النصرة» و«داعش».. فقد سعى «سيف العدل» إلى الحد من الأكمنة وإجبار القوات الأمنية والعسكرية على تجنبها فى خطط المواجهة مع القاعدة للحد من التهديدات التى تواجهها.
وفى سيناء تم استخدام هذا التكتيك بشكل واسع لمهاجمة أكمنة الجيش والشرطة التى أُعدت فى مناطق مختلفة للقبض على العناصر التكفيرية، خاصة فيما بعد ثورة ٣٠ يونيو، ولكن فى مصر سرعان ما تم التعامل مع هذا التكتيك وإحباطه فى العديد من المواقع بل عمل ضربات استباقية للقضاء على الإرهابيين وإحباط خططهم سواء لمهاجمة الأكمنة أو المنشآت.
جدير بالذكر أن سيف العدل صاحب «تكمين الكمين» سعى منذ اللحظة الأولى لانضمامه لتنظيم القاعدة إلى معرفة كيفية تطوير التنظيم وفقًا للمتغيرات العديدة التى أثرت عليه، وقام بإعادة تشكيل خططه واستراتيجيته بما يتناسب مع التهديدات الأمنية والعسكرية، وعمل على دراسة الأخطاء التى وقع فيها تنظيم القاعدة وكيفية تجنبها، والتى كانت سببًا لضربات قوية وجهت له، مما أظهر خللًا داخل التنظيم، كما أنه عمل أيضًا على اكتشاف نقاط الضعف فى القاعدة سواء كانت من بعض القادة وكبار منظريها أو بعض الاستراتيجيات، وبسبب دعم بن لادن له استطاع إقناعه بضرورة التخلص أو استبعاد كل ما يعتبره نقاط ضعف لتعويض الخسائر التى لحقت بهم.. كما أنه عمل على تدريب الأعضاء على طرق مواجهة التحقيقات فى السجون، فقد أدرك أن ضربات كثيرة توجه للتنظيم بعد القبض أو اعتقال بعض أفراده وكانت هذه ثغرة أراد تفاديها، خاصة أنه سبق وتعرض للحبس فى مصر عام ١٩٨٧ على خلفية قضية محاولة إحياء تنظيم الجهاد والتورط فى محاولة اغتيال وزير الداخلية آنذاك حسن أبوباشا، وأُفرج عنه عام ١٩٨٩ أى أنه ظل فى السجن عامين، حتى الإفراج عنه، وهى التجربة التى استطاع من خلالها التأكد من ضرورة تدريب العناصر الإرهابية على أساليب وطرق الاستجوابات، وإجراء التحقيقات فى السجون وأمام جهات الاستجواب، وتلقينهم عبارات وكلمات للمراوغة وتشتيت المحقق، وكان يرى أنه تدريب لا يقل أهمية عن التدريب على فنون القتال وتحضير المتفجرات والتجنيد والحرب النفسية ومواجهة القوات النظامية.
ولأن التنظيمات الإرهابية تختلف من حيث قدرتها على البقاء والاستمرار، فإن القاعدة فى ذلك الحين كان تنظيمًا مرنًا ويرغب فى التعلم والتطوير، حيث إن هذا هو سبيله للبقاء، ما دعم وجود سيف العدل وسهّل مهمته مع بن لادن والظواهرى، لأنه هو مَن قام بذلك وعمل على أن يصبح أكثر كفاءة فى اختيار واستخدام الأسلحة المتطورة والعناصر البشرية، وأن يستطيع التنظيم مواجهة الأساليب والخطط والأسلحة الجديدة المستخدمة ضده، وأن يتجنب محاولات الاختراق والتدمير التى كادت أن تهز استقراره وللحفاظ على خلاياه نشطة.. وهو ما يشير إلى أن كل هذه التنظيمات مهما بلغت قوتها فى فترة ما، إلا أنه تنتابها حالات ضعف وتحديات قد تؤدى إلى هدم التنظيم وتفككه، ويصبح هشًا للغاية مهما بلغ من قوة وتنظيم فى عهد سابق، وأنه إذا أمكن للأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة الإرهاب استغلال نقاط ضعفه هذه وضرب التنظيم بكل قوة فى هذه الفترة، فإن القضاء عليه يكون فرصة ذهبية وأمرًا واقعًا لا مخرج منه، وإسقاطه أكيد، والتوقيت هنا فى غاية الأهمية، حيث إنه إذا لم يضرب التنظيم فى فتره ضعفه، فقد يتجاوز هذه المرحلة ويتعافى حيث يستعين بعناصر جديدة تدعمه وتطور آلياته وبنيانه وتغير أهدافه واستراتيجياته ما يقوى شوكته مرة أخرى.