«انتهت بموت مندور فجأة».. كواليس معركة محمود شاكر ولويس عوض
نشبت معركة أدبية بين محمود شاكر والدكتور لويس عوض، إذ نشر الثاني أثناء عمله مستشارا ثقافيا لصحيفة "الأهرام" ومشرفا على الصفحة الأدبية دراسة حول أبي العلاء المعري ورسالة الغفران ضمنها حديثا عن تأثره بالثقافة اليونانية.
تدخل محمود شاكر ورد على "عوض" بتسعة مقالات في مجلة "الرسالة الجديدة" فنّد فيها آراء "عوض" وعارضه بحدة، وهو ما دفع محمد مندور للتدخل في تلك المعركة مدافعًا عن "عوض" وحقه في التعبير عن رأيه، ومعترضًا على التجريح الشخصي الذي نال "عوض".
روى الدكتور محمود علي مكي في مقاله بمجلة "الأهرام" 2005": "إن المعركة بدأت بين "عوض" و"شاكر" وقتما أراد الثاني أن يثبت تأثر "المعري" بالثقافة اليونانية، واعتمد في ذلك على نصوص بعض خصوم "المعري" الذين اتهموه بالزندقة مثل ياقوت الرومي والقفطي والذهبي.
وكان خصوم "المعري" قالوا أنه لما كبر وخرج من "معرة" النعمان، وكان ذلك في عام 380 هجريًا وعمره 17 عامًا، فسافر إلى طرابلس "الشام" فاجتاز باللاذقية ونزل "دير" الفاروس فلقي بهذا الدير راهبًا قد درس الفلسفة وعلوم الأوائل، فأخذ عنه ما شككه في دينه وفي غيره من الديانات، وكان مصدر ذلك الدكتور طه حسين في كتابه "تجديد ذكرى أبي العلاء" لكن لويس عوض توسع في هذه الفكرة ولم يكتف بما ذكره طه حسين من أن علاقة "المعري" براهب دير الفاروس هو الذي أدى به إلى الشك في الديانات وما اتهم به من الزندقة، وتصور أن "المعري" تعلم اليونانية على يد راهب الفاروس.
واستند "عوض" حسبما يشير "مكي" في "الهلال" إلى بيتان لأبي العلاء المعري في إحدى قصائده يقول في إحداهما وهي في مديح الشريف أبي إبراهيم العلوي "حلبا حجت المطى، ولو أنجمت عنها مالت إلى حران، صليت جمرة الهجير نهارا، ثم باتت تغص بالصليان".، قال "مكي": "ومن الطرف أن أطراف المعركة الثلاثة كانوا من تلاميذ طه حسين، ولويس عوض قرأ البيت الثاني محرفا فيه لفظ الصليان إلى الصبان، وفهم منه أن مدينة حلب التي كان يقيم فيها أبو إبراهيم كانت تغص أي تحفل بالصلبان".
ولفت إلى أن لويس عوض تعرض لتأويل آيات القرآن الكريم مثل تعليقه على آية سورة الرحمن "فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان" وذكر أن هناك صلة بين "الوردة" في هذه الآية وبين "الوردة السماوية" الواردة في الكوميديا الإلهية لدانتي وهي رمز لمريم العذراء، قال "مكي": "ومن الواضح أنه أخطأ في فهم معنى الوردة في الآية القرآنية فهي صفة بمعنى الحمراء، وليست اسمًا للزهرة المعروفة".
برهن محمود شاكر في رده على أن شعر أبي العلاء يدل على سلامة عقيدته وصحة إيمانه، وتضامن معه الدكتور شوقي ضيف والدكتور حامد عبد المجيد الذي أثبت أن بعض الأبيات التي قد يفهم منها الشك في العقيدة أو ما نسب من أجلها إلى الزندقة كانت محرفة بسوء نية، وأنها وردت في روايات أخرى، ومنها رواية ابن السيد البطليوسي الأندلسي بحيث تتبدد معها تلك الشبهة.
وتدخل محمد مندور جاء دفاعًا عن حقه في الاجتهاد دون أن يوافقه على آراءه في إلحاد المعري، كتب: "أني أرحب بكل معركة أدبية أو فنية أو نظيفة، ولكني أرفض التجريح الشخصي والتهم الخطيرة الباطلة التي يجب منعها حتى لا تثير فتنا قومية ودينية ما أغنانا عنها وما أحوجنا إلى عكسها".
انتقلت المعركة خارج مصر، حيث تدخل الكتاب محي الدين محمد دافع عن لويس في مجلة "العلوم" ببيروت، إبريل 1965، وأشاد بدوره الثقافي والهجوم على ما وصفهم بالـ "كتيبة".
انتهت المعركة سريعًا برحيل محمد مندور في أواخر شهر مايو 1965، وأن كان الخلاف قد احتد في نقد محمد مندور ورد محمود شاكر إلا أنها كانت أقل عنفا وضراوة بين طرفي النزاع الأصليين، إذ جمعت مودة قديمة بين محمود شاكر ومحمد مندور، وكانت وفاة "الأخير" المفاجئة دفعت "شاكر" لاسترجاع ذكريات قديمة عبر عنها في تأبينه له.