«اقتصاد مرن».. كيف تغلبت مصر على أزمة ارتفاع الأسعار عالميًا؟
نشر مركزالمعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، اليوم الجمعة، النشرة الأسبوعية، تحت عنوان «الأزمة العالمية وغلاء الأسعار»، والتي بينت كيف استطاعت مصر التتغلب على أزمة ارتفاع الأسعار عالميًا.
مرونة الاقتصاد
لم تكن مصر معزولة عن التطورات العالمية التي تسببت في ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم بنسب متفاوتة عالميًا. ففي النصف الثاني من عام 2021 أدى ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة في أعقاب الأزمات العالمية إلى ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له في 20 شهرًا عند 6.57% و6.26% خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 2021 على الترتيب.
وعلى الرغم من الاتجاه التصاعدي للتضخم في الربع الأخير من عام 2021، نجحت مصر في الحفاظ على معدلاته ضمن النطاق المستهدف للبنك المركزي المصري والبالغ 7% (± 2%) في وقت تشهد فيه العديد من الدول موجة من التضخم المرتفع. ويمكن أن يعزى ذلك إلى نمو معدلات الإنتاجية الاقتصادية في عدة قطاعات، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لتلافي نقص السلع الأساسية وارتفاع الأسعار في السوق المحلية.
وللحد من آثار التضخم العالمي على السوق المصرية في السنوات الأخيرة، بدأت الحكومة في عدد من الترتيبات المصممة لتحسين الأمن الغذائي على جانبي الإنتاج والاستهلاك؛ حيث جعلت مصر تنمية القطاع الزراعي أولوية، مما يضمن مستويات مستدامة من الاستثمار.
وتمكنت مصر من تعزيز وزيادة توافر الغذاء من خلال تنفيذ مشروعات زراعية كبيرة وحديثة، وزيادة المساحة المتاحة للإنتاج، بالإضافة إلى زيادة غلة المحاصيل الحقلية الرئيسة ومحاصيل الخضار والفاكهة والدواجن والأسماك. كما أمّنت احتياجاتها من الواردات الغذائية من الأسواق الدولية ومن مصادر مختلفة، سواء من خلال المناقصات أو العقود؛ وذلك لتلبية احتياجات الملايين من السكان.
وعلى مدار عدة سنوات، رفعت مصر أيضًا قدراتها في تخزين الحبوب من 1.6 مليون طن متري إلى 4 ملايين طن متري، ونتيجة لذلك زادت مخزونها الاستراتيجي من السلع الغذائية الرئيسة من 3 إلى 6 أشهر. وهذا يمكن الدولة من التعامل مع أي ارتفاع في أسعار السلع العالمية، حيث يؤمّن هذا الاحتياطي الطلب على الغذاء من قِبل السوق المصرية لفترة من الوقت حتى تتجه الأسعار إلى الانخفاض.
ويتلقى معظم المصريين دعمًا للمواد الغذائية، والذي يُعد حجر الزاوية في نظام الحماية الاجتماعية في البلاد. ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تستخدم 88.5% من الأسر المصرية نظام دعم المواد الغذائية في البلاد. وفي السنوات الأخيرة، أدخلت الحكومة عدة إصلاحات لجعل النظام أكثر كفاءة وأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية.
بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الحكومة العديد من البرامج الاجتماعية ضمن الاستراتيجية الوطنية لأهداف التنمية المستدامة 2030، والتي تهدف إلى حماية الأسر الضعيفة من خلال تحسين حالة الأمن الغذائي ونوعية الحياة. كما تم تصميم هذه البرامج لضمان مستوى أفضل في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لهذه الأسر.
فعلى سبيل المثال، أطلقت الدولة برنامجي «تكافل وكرامة»، وبرنامج دعم الإسكان الاجتماعي، ومبادرة الإسكان لذوي الدخل المنخفض، وبرنامج حماية، وبرنامج الرعاية الصحية للمحرومين، ومبادرة «حياة كريمة»، وهي أكبر مبادرة من حيث التمويل والنطاق والتواصل؛ بهدف تحسين جودة الحياة لأشد القرى احتياجًا في جميع أنحاء البلاد، خاصة في صعيد مصر.
وارتباطًا بما سبق، فقد أظهر الاقتصاد المصري مرونة في مواجهة صدمات جائحة "كوفيد- 19" وتحديات تضخم أسعار السلع على مستوى العالم. فقد نما الناتج المحلي الإجمالي لمصر بنسبة 2.9% في الربع الأول من عام 2021، وقفز إلى 7.2% في الربع الثاني، قبل أن يواصل الارتفاع في الربع الثالث ليصل إلى 9.8%.
ختامًا، كانت السياسات الشاملة للبنك المركزي المصري حيوية في تحقيق الأهداف الاقتصادية الوطنية، بما في ذلك احتواء الأعباء التضخمية، واستقرار معدلات البطالة، ورفع معدلات الناتج المحلي الإجمالي مما أسهم في استقرار الاقتصاد وسط صدمات العرض والطلب التي تواجه الاقتصاد العالمي.
التغلب على أزمة ارتفاع الأسعار عالميًا
تتمتع مصر بأساس مالي أقوى بكثير مما كانت عليه في عام 2011، وقد أدى اكتشاف حقل "ظُهر" للغاز الطبيعي البحري في مصر عام 2015، وهو الأكبر في شرق البحر المتوسط، إلى جانب إصلاحات الاقتصاد الكلي التي بدأت عام 2016، إلى النهوض بالاقتصاد المصري. وبحلول عام 2018، بلغ احتياطي النقد الأجنبي للبلاد ما يقرب من 40 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل ستة أشهر من واردات السلع والخدمات.
ومع وجود موارد اقتصادية أكبر تحت تصرفها، شاركت "الهيئة العامة للسلع التموينية" (General Authority for Supply Commodities) في جهود استباقية للتخفيف من معضلة استيراد الغذاء في مصر حتى قبل اندلاع الأزمة الروسية- الأوكرانية، مستفيدة بذلك من انخفاض سعر القمح في أواخر نوفمبر 2021 بسبب مخاوف السوق بشأن متحور "أوميكرون" الجديد الذي تسبب في انخفاض الطلب.
ويمكن لمصر أن تخفف صدمات الأسعار قصيرة الأجل للقمح والزيت النباتي من خلال سياسة مالية حكيمة وجهود استحواذ حازمة بالتعاون مع الموردين الرئيسين لهذه السلع.
وتُواصل مصر تعاونها التمويلي البنَّاء مع "صندوق النقد الدولي"، وكذلك مع شركائها من دول الخليج العربي. ويتمثل جزء من الحل طويل الأجل في مصر في زيادة إنتاجها الزراعي من خلال توسيع الأراضي الصالحة للزراعة ومواصلة تحديث قطاعها الزراعي من خلال التكنولوجيا الزراعية المتقدمة وإدارة المياه وتقنيات الطاقة الخضراء.
مصر تضع خطة اقتصادية طموحة لمواجهة التحديات الحالية
اتجهت الدولة المصرية إلى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة لمواجهة التحديات التي ضربت الاقتصاد المحلي نتيجة الأزمة الروسية- الأوكرانية؛ حيث عملت الدولة على إشراك المزيد من الجهات، وعلى رأسها القطاع الخاص والمجتمع غير الحكومي، مثل رواد الأعمال، والنقابات العمالية، ومنظمات المجتمع المدني؛ لمساعدة الحكومة في التغلب على الضغوطات الحالية.
ويُعتقد أن هذا النهج الشامل سيعزز مكانة مصر مع المنظمات الدولية والحكومات الصديقة، في الشرق والغرب، والتي يمكن أن تزود مصر بالمساعدات المالية التي تحتاجها بشدة لتعزيز الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية التي تحققت خلال السنوات السبع الماضية.
في السياق ذاته، تخطط الحكومة لزيادة مشاركة أعمال القطاع الخاص المصري في المشروعات القومية التي تديرها الدولة إلى 65%، مقارنة بالمعدل الحالي البالغ 30%. ومن المتوقع أن يوفر ذلك فرصة ذهبية للمجتمع المتنامي من رواد الأعمال والشركات الناشئة التي تُعدُّ واحدة من أقوى ركائز دعم مستقبل الاقتصاد المصري.
وبالكاد يمكن للعالم رؤية جانب مشرق للأزمات المتفاقمة الناجمة عن تفشي جائحة "كوفيد-19"، وما تبعها من انهيار اقتصادي عالمي تحت ضغط الأزمة الروسية- الأوكرانية. ومع ذلك، فإن تلك الضغوطات قد تكون دافعًا لبعض الدول مثل، مصر، لإجراء تغييرات اقتصادية مهمة.
البنك المركزى المصرى يكافح ارتفاع الأسعار
وتعمل مصر جاهدة على محاربة التضخم الحالي والمستقبلي والحفاظ على النمو وحماية الوظائف، وهذه معادلة صعبة للغاية للإبقاء على الاستثمارات وضبط التضخم. وهو الأمر الذي يعمل البنك المركزي المصري حاليًا على تحقيقه، في الوقت الذي تتأخر فيه بعض البنوك المركزية الأخرى حول العالم.
وخلال افتتاح الاجتماع السنوي التاسع والعشرين لـ"البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، أفريكسم بنك" (African Export-Import Bank)، قال طارق عامر، محافظ البنك المركزي: "نحن سعداء لأن التضخم في مصر لا يزال تحت السيطرة المعقولة، مقارنة بالتضخم العالمي، ومع ذلك، فإنه لا نزال نفكر في حلول للأزمة غير المسبوقة في العالم".
وأكد "عامر" أهمية الاجتماع الذي يعكس أيضًا اهتمام الحكومة المصرية بزيادة التعاون مع الدول الإفريقية. وأضاف: "إن القارة الإفريقية تواجه تحديات كبيرة تتطلب دعم الشعوب، وإن البنك المركزي المصري يتعاون مع المجتمع لإيجاد حلول للمشكلات الموجودة، ولن تتردد الحكومة المصرية أبدًا في دعم المؤسسات الإفريقية برأس المال والموارد".
وكشف بنديكت أوراما، رئيس "بنك التصدير والاستيراد الإفريقي" عن أنه "بدعم من 50 مشاركًا، تمكن البنك من تعبئة 35 مليار دولار أمريكي في السنوات الأربع أو الخمس الماضية"، مضيفًا أن البنك ملتزم بتعزيز التجارة في جميع دول القارة، من أجل تسهيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
مصر تتطلع إلى زيادة تصنيع الخبز من القمح المحلى فى ظل ارتفاع الأسعار
تحاول مصر الحصول على دقيق إضافي من حبوبها لإنتاج المزيد من أرغفة الخبز التي تُعد عنصرًا أساسيًا في جميع الوجبات الغذائية بالبلاد، حيث تكافح مصر باعتبارها أحد أكبر مشترٍ للقمح في العالم للتغلب على ارتفاع الأسعار، وحث المطاحن التي تُسهم في برنامج دعم الخبز في البلاد، والتي يستفيد منها أكثر من ثلثي السكان الذين يزيد عددهم على 100 مليون نسمة، على زيادة كمية نخالة القمح- الطبقة الصلبة الخارجية لحبة القمح والمليئة بالعناصر الغذائية والألياف- التي يستخدمونها والتي تضيف بعض الفوائد الغذائية للخبز.
وتهدف تعليمات وزارة التموين والتجارة الداخلية إلى زيادة كمية الدقيق المصنوع من طن قمح بنحو 6%، أي ما يبلع 875 كيلوجرامًا (بقيمة 1929 جنيهًا). وهذا يعادل 616 رغيفًا إضافيًّا من الطن الواحد، وأوضحت الوزارة أن الإجراءات ستُطبق اعتبارًا من شهر يوليو 2022.
تجدر الإشارة إلى أن إمدادات القمح العالمية تضررت من جراء الأزمة الروسية- الأوكرانية، حيث تم إغلاق المواني المُستخدمة للتصدير، وتُجري مصر- التي حصلت في السابق على كميات كبيرة من القمح من كل من أوكرانيا وروسيا- محادثات مع موردين بديلين مثل الهند، بينما تتطلع إلى تعزيز مزارعها الخاصة.