أحمد زويل.. الحلم الذى لم يتحقق
لم أكن أتوقع حينما فتحت أحد مواقع التواصل الاجتماعي يومها وبدأت أتصفح حسابي عليه أن ما نشر صحيحاً، ظننته خبراً مكذوباً مثل آلاف الأخبار التي تنشر يومياً على تلك الصفحات، لكنني مع البحث وجدت صفحات رسمية تنقل هذا الخبر المؤلم على نفسي...
إنها وفاة الدكتور أحمد زويل... L
كان ذلك في الثاني من أغسطس عام 2016
كانت صدمتي الحقيقية... رأيت أحلامي تتساقط أمام عيني، فقد كانت من أهم أمنياتي لقاء هذا الرجل، والاستماع إليه والأخذ من نهر خبراته العميق الذي لا ينضب.
لست مبالغاً إن قلت إنى أقرأ جزءاً من سيرته وقصة حياته بشكل شبه يومي من خلال ما كتبه في الكتب عن نفسه، وذلك في كتب مثل "رحلة عبر الزمن"، "عصر العلم"، وغيرها من الكتب التي سطر بها طريقه الطويل حتى حصل علي أعلي الجوائز العلمية في عصرنا الحاضر...
لم يكن أحمد زويل مجرد عالم حصل على جائزة نوبل، إنما كان جسراً للتواصل بين الشرق والغرب، لم يكن عالماً يعكف على معمله يذاكر ويدرس ويعلم ويتعلم، إنما كانت له آفاق أخري أبعد من ذلك، فهناك فارق بين العالم والعالم المفكر، فالعالم رجل عاكف على الكتب والبحث في المسائل العلمية، لا ينخرط في المجتمعات وليس له دور في حياة الناس العامة... أما المفكر العالم فهو عالم قد سخر عقله وقيمته العلمية لخدمة الناس والرفع من مستواهم العلمي والاقتصادي والفكري... العالم المفكر جزء من حياة الناس لا ينفصل عنهم.
والدكتور أحمد زويل من هؤلاء العلماء المفكرين الذين جاهدوا في سبيل رفعة شأن هذا الوطن والحفاظ على هويته، حاول طويلاً من خلال محاضراته وندواته أن يغرس في نفوس الناس حب العلم، والتمسك به وتوعيتهم بأن العلم هو السبيل الأوحد لنهضة الأمم على اختلاف الزمان والمكان...
في لقاء تليفزيوني مع الدكتور زويل قال إن العالم الآن يتجه وبقوة إلى ما يسمي في الأوساط العلمية اقتصاد المعرفة (Knowledge investment) وما يريد أن يقوله هو إن العلم أغني من المال، بل العلم هو الذي يصنع المال...
وهذه الكلمة قالها الإمام علي بن أبي طالب لتلميذه كُميل بن زياد: "العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال".
وقال إنه بإمكان الدول أن تصنع المعجزات إن أعطت للعلم ميزانيات ضخمة، بحيث يكون توجه الدولة كله قائم على الاهتمام بتلك الفرق العلمية، التي لا نستطيع أن نعرف ما الذي سيصلون إليه من نجاحات علمية تؤدي إلى صناعات تشكل هوية الدولة وترفع بشكل واضح من مستواها الاقتصادي.
حينما يتكلم الدكتور زويل عن مصر يجعلك تنبهر... كلام يخرج من رجل عاش معظم حياته في الخارج لكنه ينتمي انتماءً حقيقياً لبلده، بخلاف كثير يعيش في هذا البلد ولا يكن له شيئاً من الوطنية... فلا أذكر مرة استمع فيها للدكتور زويل إلا ويذكر بكل فخر بلده مصر... نيل مصر... حضارة مصر... خلود مصر عبر التاريخ... رموز مصر من مفكرين وأدباء وساسة وفنانين وعلماء... رموز يفخر بها في كل مكان ... دائما يقول إن مصر هي التي علمت الدنيا... وخلقت الحضارة... هي التي أضاءت الطريق لهذا العالم.
لم يكن طريقه مفروشاً بالورود، فقد اعتقد الكثيرون أنه نجح بسبب خروجه من مصر فوجد الدنيا كلها في استقباله مقدمةً له أيدي المساعدة، بالطبع ليس هذا منطق أصحاب الفكر المستقيم فليس الطريق في أي مكان مفروشاً بالورود إن لم يكن صاحب الأمر ذا همة عالية... نعم... وجد الإمكانات في بلاد الخارج لكنه تعب واجتهد، فتلك الإمكانات لا تتوفر إلا لصاحب الهمة والعزيمة والإرادة القوية، فقد كان يحكي أنه يعمل في اليوم ما لا يقل عن ثماني عشرة ساعة... ينام أربع ساعات فقط!
أين ذلك من شبابنا الذي يؤمل للنجاح وما بذل له شيئاً ؟!
كان يري دائماً أن مصر قادرة بعون الله أن تخرج من أزماتها وتعود فتقود الدنيا كما كانت، وليس ذلك صعباً فالمصريون يستطيعون. فقط يحتاجون الإمكانات والهمة العالية.
منذ سنوات عديدة علمت بأن الدكتور زويل سوف يلقي محاضرةً في مكتبة الإسكندرية، ولم أعرف إلا يومها، وقد تزامن هذا الحدث تواجدي في الإسكندرية، فما استطعت أن أتخلف عن هذا اللقاء، لكنني ذهبت فوجدت القاعة ممتلئة عن آخرها والناس يقفون في ساحات المكتبة الخارجية يشاهدون الندوة عبر الشاشات الكبيرة... فقلت في نفسي: سوف يأتي اليوم الذي أكون فيه في الصف الأول بل من المرافقين لك يا دكتور زويل وكلي همة أن أصل لذلك، لكن اليوم لم يأتِ ولن يأتي، فقد حال الموت بيني وبينه... رحمك الله يا دكتور.