الشريك الأول لروسيا في القارة السمراء
«جولة لافروف».. موسكو تعزز وجودها فى إفريقيا عبر «بوابة القاهرة»
- بوتين يؤكد في رسالة للسيسي تقدير دور مصر الاستراتيجي وجهودها لتسوية الأزمة الأوكرانية
- وجود إثيوبيا على أجندة الجولة يظهر سعيًا روسيًا للوساطة في ملف سد النهضة
- موسكو تسعى لتجاوز العقوبات وخسارة السوق الأوروبية بـ 1.4 مليار شخص إفريقي
- الغذاء والطاقة والمعادن والثروات الطبيعية وتسوية الديون أبرز ملفات التعاون المشترك
بعد مرور 5 أشهر على بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، بدأ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف جولة إفريقية مهمة افتتحها بزيارة القاهرة التي وصفها في تصريحات له منذ عدة أيام بالشريك الرائد والأول في إفريقيا، وتشمل الجولة الإفريقية كلًا من الكونغو وأوغندا وإثيوبيا، في السطور التالية نوضح أهمية هذه الجولة، أسبابها ولاذا جاءت في هذا التوقيت بعد قمتين مهمتين شهدتهما منطقة الشرق الأوسط هما قمة جدة للأمن والتنمية بحضور الرئيس الأمريكي وقادة دول الخليج العربي ومصر والأردن والعراق، والقمة الثلاثية الروسية الإيرانية التركية في طهران بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا.
- توقيت الجولة الإفريقية للافروف
جاءت الجولة الإفريقية لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بعد أسبوع تقريبًا من قمتين مهمتين شهدتهما منطقة الشرق الأوسط، الأولى هي قمة جدة للأمن والتنمية والتي كانت تهدف أمريكا خلالها للحصول على اصطفاف خليجي في مجال الطاقة لتعويض نقص الغاز والنفط الروسيين خاصة لأوروبا، وتشكيل حلف «ناتو عربي» بالاشتراك مع إسرائيل في مواجهة إيران، ولكنها خرجت صفر اليدين بعد أن رفضت الدول العربية الاستجابة للأهداف الأمريكية، معلنة عن أن المرحلة الحالية لا يمكن أن يوجد فيها تعاون بلا مقابل، وكذلك محاولة فرض أي أهداف أو شروط أو قيم على دول المنطقة.
فيما كانت القمة الثانية هي قمة طهران الثلاثية بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا، والتي شهدت الاتفاق على تفاهمات في الملف السوري، ولكن كان أهم نتائجها إعلان الشركة الوطنية الإيرانية للنفط، وشركة غازبروم الحكومية الروسية توقيع "وثيقة تفاهم" قيمتها نحو 40 مليار دولار، والتي تتضمن مساعدة شركة غازبروم الروسية إيران في تطوير حقلين للغاز «حقل كيش وحقل غاز البارس الشمالي» إضافة إلى 6 حقول نفطية أخرى، كما ستشارك أيضًا في استكمال مشاريع إنتاج الغاز السائل، وبناء خطوط أنابيب.
وبهذه الاتفاقية تكون روسيا قد حققت أهدافها من القمة بشكل ناجح للغاية، ضمنت من خلاله ربط الغاز والنفط الإيرانيين بالمصالح الروسية، وأنه حتى في حالة التوصل لاتفاق نووي مع أمريكا والدول الأوروبية لن يكون الغاز أو النفط الإيراني بديلًا لطاقة روسيا، مما يحرم أمريكا وأوروبا من ورقة ضغط مهمة كان يتم التلويح بها من أجل محاولة الضغط لإنهاء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا بوجود بديل للطاقة الروسية التي شكلت حبلًا خانقًا على الدول الأوروبية صناعيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
كما تأتي هذه الجولة بعد نقطة تحول مهمة في الأزمة الأوكرانية، وهي توقيع ممثلي روسيا وأوكرانيا على اتفاقية بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة في العاصمة التركية إسطنبول، تسمح لكييف باستئناف شحنها للحبوب من البحر الأسود إلى أسواق العالم، يوم الجمعة الماضي، كما رفعت بموجبها القيود المفروضة على إمدادات المنتجات الروسية للتصدير وقدمت مساعدة موسكو في تصدير الحبوب الأوكرانية.
وهو ما مثل هدفًا روسيًا أوضحت من خلاله أنها سعت لعدم حدوث أزمة عالمية في الغذاء عانى منها العديد من دول العالم سواء الدول الغنية أو الفقيرة ، والتي كان منها عدد لا بأس به من الدول الإفريقية التي يزورها لافروف في جولته، وهي الأولى منذ عام 2018، والتي أكد الوزير الروسي قبل الجولة أن بلاده لديها علاقات ممتازة ومتميزة مع إفريقيا منذ عهد الاتحاد السوفيتي، وأن روسيا شاركت في تشييد المشاريع الصناعية العملاقة في القارة الإفريقية، علاوة على دور الاتحاد السوفيتي في تحرير كثير من الدول الإفريقية من الاستعمار، ومعلنًا عن واحد من أهداف هذه الجولة المهمة عندما قال إفريقيا تمثل مليارًا و400 مليون نسمة، ومع الهند والصين، تعد سوقًا واعدة للغاية، أي أن إفريقيا ستكون واحدة من أهم الوجهات التي ستركز عليها روسيا في الفترة المقبلة لتعويض السوق الأوروبية التي قطعت طريقها العقوبات من دول أوروبا والتي كانت تدفع أمريكا بشدة لإقرارها منذ بداية الأزمة الأوكرانية.
- القاهرة بوابة موسكو لإفريقيا
بدأ سيرجي لافروف، جولته الإفريقية بزيارة العاصمة المصرية القاهرة، لتكون بوابة موسكو إلى إفريقيا بعد الأزمة الأوكرانية، والتي وصفها قبل وأثناء الزيارة بأنها الشريك الرائد والأول في إفريقيا، وهو ما اتضح في لقائه مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتأكيد على أهمية الدور المصري بالنسبة لروسيا دوليًا وإقليميًا، وعلى مستوى التعاون الثنائي بين البلدين.
حيث نقل «لافروف» للرئيس السيسي رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تضمنت الإعراب عن التقدير والتحية إلى الرئيس، كما تناولت بعض موضوعات التعاون الثنائي بين البلدين، والإعراب عن الأهمية التي توليها روسيا تجاه ترسيخ العلاقات الثنائية مع مصر في إطار اتفاق الشراكة والتعاون الاستراتيجي بين مصر وروسيا من خلال المشروعات التنموية المشتركة الجاري تنفيذها حاليًا، كما تضمنت الرسالة الإعراب عن التقدير تجاه مبادرة مصر لتشكيل لجنة الاتصال الوزارية في إطار جامعة الدول العربية سعيًا لتسوية الأزمة الأوكرانية وما تم خلالها من زيارة للعاصمة الروسية موسكو من قبل السادة وزراء الخارجية المعنيين.
وتضمن اللقاء مع الرئيس السيسي مناقشة التعاون في مجال قطاعات توريد الحبوب والغذاء، وكذلك قطاع البترول والغاز في ضوء الأزمة الراهنة في تلك القطاعات، وهو ما يشير إلى الدور المصري الكبير الذي تعول عليه روسيا في الوصول إلى أكبر عدد من الدول الإفريقية وتكوين شراكات متميزة معها.
- توافق في الملفات والقضايا دوليًا وإقليميًا
كما ظهرت الأهمية الكبيرة التي توليها روسيا لمصر ودورها في المؤتمر الصحفي المشترك بين «شكري ولافروف»، والذي أوضح خلاله وزير الخارجية المصري، أن مصر ترتكز في علاقاتها مع الشركاء الدوليين على الاحترام المتبادل وعدم التدخل والمصلحة المشتركة، مؤكدًا أن الاتحاد الإفريقي يرتبط بعلاقات مع عدد من المنظمات الدولية في إطار المصلحة المشتركة، وهناك سياسة ينتهجها الاتحاد لتحقيق الاستقرار والأمن والتنسيق والتواصل، وذلك لممارسة الدور الدولي والإقليمي لتحقيق الأمن والاستقرار.
وظهر التوافق في الملفات والقضايا الإقليمية، حينما شدد «لافروف» على ضرورة إنهاء النزاع العربي الإسرائيلي في الشرق الأوسط، والعمل على حل القضية الفلسطينية بوساطة مصرية، مؤكدًا ضرورة إقامة دولة فلسطينية وحل الدولتين وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، وكذلك ضرورة دعم الأمم المتحدة لتسوية الأوضاع في ليبيا، مشيرًا إلى أهمية دعم البعثة الأممية في ليبيا، وأن تتم تلك المساعي أمام المظلة الدولية ويجب أن تدعى كافة الأطراف للمشاركة في الحل.
وحول سوريا، شدد وزير خارجية روسيا على أهمية حق الشعب السوري في إقرار مصيره واحترام سيادة سوريا، مشيرًا إلى الاجتماعات التي جرت مؤخرًا لبحث تسوية الأزمة السورية، مشددًا على أهمية أن يدعم المجتمع الدولي الحل في سوريا والحفاظ على وحدة وسيادة البلاد، داعيًا لضرورة أن يكون هناك دور عربي لحل أزمة سوريا.
في المقابل أكدت مصر على لسان وزير الخارجية سامح شكري، ضرورة الحل السياسي للأزمة الأوكرانية، وذلك تأكيدًا لما ذكره الرئيس السيسي لوزير الخارجية الروسي، دعم مصر لكافة المساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، مع استعداد مصر لدعم هذا المسار من خلال اتصالاتها وتحركاتها الدولية مع جميع القوى الفاعلة سواء في الإطار الثنائي أو المتعدد الأطراف.
- الوساطة في سد النهضة وتعزيز التعاون الاقتصادي وتجاوز العقوبات
وبعد زيارة القاهرة، انطلق «لافروف» لاستكمال جولته الإفريقية، بالمحطة الثانية دولة الكونغو، والتي تعد واحدة من أهم الدول التي تتطلع روسيا لتوطيد علاقاتها بها بما يساعدها في تحقيق أهدافها في تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول القارة السمراء «البكر»، بعد أن قال وزير الخارجية الروسي إن منتدى «إفريقيا – روسيا» سيعقد منتصف العام المقبل بمشاركة عدد من الدول الإفريقية ويجري الإعداد لهذه القمة، والاتفاق بشكل كامل على جدول أعمالها بين اللجان الفنية، مشيرًا إلى أنه يقوم بجولة إفريقية للترويج للقمة المشتركة بين موسكو ودول إفريقيا، منوهًا إلى بعض الموضوعات التي ستناقش خلال المنتدى ومنها الطاقة والثروات الطبيعية والأمن الإقليمي والتعليم والثقافة.
وجاءت هذه التصريحات لتكون بمثابة تحديد لأبرز الأهداف الروسية في إفريقيا، وهي التعاون في مجالات الطاقة والثروات الطبيعية، ليكون لدى موسكو بديل مماثل وربما أفضل من السوق الأوروبية، تتجاوز به روسيا آثار العقوبات التي فرضت عليها، بل ويجعلها في وضع أفضل مع فتح أسواق جديدة والحصول على الثروات الطبيعية، ومنها المعادن المختلفة والنادرة والتي تساعدها على تنمية الصناعات الروسية في ظل التوجه للاعتماد على الصناعات الوطنية عقب فرض العقوبات الأوروبية والأمريكية على أمل تضييق الخناق على موسكو، ولكن ما حدث كان هو العكس وكان القسط الأكبر من المعاناة من نصيب الأوروبيين.
وكذلك كان الأمن الإقليمي بما يعني مزيدًا من التعاون العسكري مع دول القارة، خاصة بعد أن قامت بأخذ مكان دول أوروبية في القارة قبل بدء أحداث الأزمة الأوكرانية.
كما أن روسيا لديها استعداد للعب دور مهم في حل الملفات والأزمات العالقة في القارة، وهو ما يفسر وجود إثيوبيا على أجندة الجولة، حيث أوضح مراقبون أنه بالنسبة لسد النهضة الإثيوبي، فإن روسيا مستعدة لتلعب دور وساطة إيجابية في هذا المجال، وبطبيعة الحال تلعب دورًا أيضًا في مجلس الأمن الدولي في هذا الملف، مما يشير إلى احتمالية التوصل إلى تفاهمات حول سد النهضة، ومن ثم وجود حل روسي حتى لا تتضرر القاهرة من الخطوات الأحادية التي تتخذها إثيوبيا، وهي الخطوات التي تقوم بها موسكو لتسبق الخطوات الأمريكية في هذا الشأن، بعد أن بدأت واشنطن تتحرك بخطوات واضحة في ملف السد بعد توقف بدأ بعد خروج «ترامب» من البيت الأبيض.
- مساعدة الدول الإفريقية في أزمة الغذاء والديون
ومن أبرز وأهم الأوراق التي تستطيع أن تقدمها روسيا للدول الإفريقية والتي كان لأغلبها موقف محايد منذ بدء الأزمة الأوكرانية وخاصة في الأمم المتحدة حول التصويت على إدانة العمليات العسكرية الروسية، مسألة الأمن الغذائي بعد التوصل للاتفاق الذي يسمح بتصدير الحبوب من أوكرانيا وكذلك الحبوب والأسمدة الروسية، مما يسهل على موسكو تقديم مساعدات لإفريقيا في هذا المجال.
ومن الأوراق التي يمكن تساعد روسيا في تدعيم علاقاتها إفريقيا، تدخلها في مسألة الديون التي تعاني منها الدول الإفريقية، والتي تحتل الصين فيها المركز الأول، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن مركز التمويل والتنمية الأخضر في جامعة فودان في شنغهاي، حيث تعد الصين حاليًا مقرضًا ثنائيًا في 32 دولة إفريقية، وأكبر مقرض للقارة ككل، وتشمل القائمة أنغولا «21.5 مليار دولار في 2017»، وإثيوبيا «13.7 مليار دولار»، وكينيا «9.8 مليار دولار»، وجمهورية الكونغو «7.42 مليار دولار»، وزامبيا «6.38 مليار دولار»، والكاميرون «5.57 مليار دولار»، وهو ما قد يوفر مدخلًا جيدًا لروسيا لدعم علاقاتها مع إفريقيا إذا استطاعت أن تؤجل أو تشطب بعضًا من هذه الديون في ظل علاقتها المتميزة مع الصين والتي عززتها الأزمات مؤخرًا والسياسات الأمريكية في استفزاز بكين.