بروفايل .
توفيق الحكيم.. الفيلسوف الذى ظهرت شخصيته في روايته «الرباط المقدس»
توفيق الحكيم.. عبر عن نفسه في «الرباط المقدس»
مرهق جدا أن يكون الفيلسوف أديبا او يكون الأديب فيلسوفا، فمن عرف أكثر تعب أكثر . ومن تعب انزوى فى ركن غرفته، يتفكر فى أحوال الناس والدواب والطير والشجر . لذا ٱثر الأديب الفيلسوف توفيق الحكيم العزلة ليقيم بين كتبه بعيدا عن الناس. ولهذا قال:
العزلة حاجة في نفسي مثلما الخبز والماء والهواء حاجة في جسدي ولا بد لي من ساعات أعتزل فيها الناس لأهضم ساعات صرفتها في مخالطتهم.
توفيق الحكيم بطلا لحكاياته
يضرب توفيق الحكيم بنظرية الناقد الفرنسى رولان بارت التى تقول بموت المؤلف عرض الحائط حيث كان الحكيم ذاتيا فى أعماله الأدبية، ولا يتوانى فى أن يكون هو البطل فى الغالب الأعم.
فالحكيم هو نفسه محسن فى روايته الشهيرة “عصفور من الشرق” ذاك الشاب العربى الذى أعجبته المادية الغربية وديناميكيتها المتجددة، فأحب سوزى الفرنسية التى لعبت بمشاعره فى قصة حب فاشلة ، فأعاده الفيلسوف ايفانوفيتش الذى كان هو شطر شخصية الحكيم فى الروايه فقال له: الأنبياء جاءوا من الشرق، والشمس تأتى أيضا من الشرق، فعاد محسن إلى صوابه ، وهنا يوضح لنا توفيق الحكيم متكئا على قدمين ثابتتين احداهما الفلسفه وثانيهما تجربته الذاتية أن المادية لا تصنع حبا، ولا تصنع حياة تغمرها السعادة.
كما ظهرت شخصية توفيق الحكيم جلية جدا فى روايته العظيمة الرباط المقدس التى وصف فيها نفسه بنفس هيئته وقلنسوته وعصاه وعزلته إلا من كتبه حيث أراد أن يقول إن المرأة أكثر دهاء من الرجل ،ويمكنها أن تخرج العابد من صومعته إن أرادت.
وفى روايته العبقرية يوميات نائب فى الأرياف والتى تعد تجربة ذاتيه عاشها فى الريف حين كان وكيلا للنائب العام جعل الحكيم حروف الفلسفة تجرى على لسان عصفور عبيط القرية التى يتكلم بالحكمة.
ليس العبيط فقط الذى نطق بالحكمة فى مؤلفات توفيق الحكيم بل جعل من الحمار فيلسوفا ، فى روايته الشهيرة حمار الحكيم ، وهذا القول ليس مجازا ليس مجازا بل لقب الحكيم حمارة ب بالفيلسوف ،حين رأه ينظر إلى المرٱة ولم ينشغل بالجميلة التى تقف بجواره، لذا قال: يا له من أحمق مثل كل الفلاسفه يبحث عن نفسه فى كل مرٱة ولا يعيرون الجميلات التفاتا. كما تطرق فى نفس الرواية الى امرين اما الأول منهمت فيكمن فى سرد الواقع الريفى فى مصر ليرصد معاناة أهل الريف بحرفية بالغة ، كما تطرق إلى فكرة الكتابة للسينما والتى اعتبرها تهضم من حق الأديب، ذلك لأن المخرج هو المتحكم الأول والأخير فى العمل.
ينهى توفيق الحكيم روايته حمار الحكيم بقول عن حماره: أحمد الله انه مات صغيرا قبل أن يركب . وفى العبارة دلالة كبيرة تدفع إلى التفكر والتدبر.
أناس فى رأس الحكيم
قد يظن القارئ ان الحديث سيكون عن أهل او أصدقاء أو محبوبات توفيق الحكيم ،ولكن هذا ليس بيت القصيد فهؤلاء الناس الذين كانوا يسكنون رأس توفيق الحكيم جلهم كانوا توفيق الحكيم نفسه ، ذاك الرجل الذى عاش بداخل ذاته.
لذا سميت تجربة توفيق الحكيم المسرحية ، بالمسرح الذهنى ذلك لأن مسرحيات توفيق الحكيم كانت لا تخضع لحركة المسرح وقواعدة المعتادة ، بل كانت تنفذ داخل ذهن القارئ ولا يمكننا ان نصف هذه التجربة مثلما وصفها صاحبها ، حيث قال توفيق الحكيم:
"إني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز، لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة.
انتهى كلام توفيق الحكيم. ولكن فكرته لم تنته مازالت تحلق لتؤكد للجميع ان هذا الأديب الفيلسوف يبحث عن أجوبة لأسىئلة الشائكة التى أرقته كثيرا.
مبدع لا تحده وظيفة
إذا تتبعنا الوظائف التى شفلها توفيق الحكيم سنجدها كثيرة جدا، وهذا لا يعنى أنه يحب الوظائف، بل يعنى يمل من كل وظيفة فيذهب إلى غيرها حيث عمل وكيلا للنائب العام ثم تركها ،إلى العمل مفتشا بوزارة المعارف، ثم مديرا لإداراة الموسيقى بنفس الوزارة، ثم مديرا لادارة الإرشاد الإجتماعى بوزارة الشئون الإجتماعية، فيستقييل ليعمل مديرا لدار الكتب ،ثم عضوا بمجمع اللغة العربية ،ثم مندوبا لمصر بمنظمة اليونسكو بباريس . ثم عضوا بمجلس ادارة الأهرام.
توفيق الحكيم والتراث
نهل توفيق الحكيم من التاريخ الانسانى الكثير ، فتراة تارة يذهب إلى التاريخ الفرعونى ،وتارة إلى التاريخ اليونانى، والاوربى ،وتارة تجده يذهب إلى الأساطير ،وتارة إلى الدين، ليخرج لنا دررا ابداعية أثرت المكتبة العربية ، مما يدل على نبوغ الحكيم وسعة افقه ورجاحة عقله وقكره التنويرى.
كتب لنا:
عودة الروح وشهرزاد و ايزيس . وسليمان الحكيم واوديب واهل الكهف . وغيرهم .
توفيق الحكيم وتولستوى
ثمة تشابه كبير بين توفيق الحكيم وتولستوى فكلاهما كان ينشد الحرية والحب والجمال عن طريق الفلسفة.
أخيرا.. يمكننا القول بأن توفيق الحكيم لم يكن كاتبا عاديا، يهدف من وراء كتاباته إلى التسلية والحكى، ليصفق له القارئ فى نهاية الرواية ، بل كان يهدف من وراء كتاباته إلى تنوير العقول حتى تنهض أمة العربية التى ينتمى إليها بعقله وقلبه وكل جوارحه.