«جيرترود بيل» الإصدار الأنثوى لـ«لورانس العرب» ولقبها العراقيون بـ«أم المؤمنين»
جيرترود بيل الباحثة وعالمة الآثار البريطانية الرحالة، والتي ولدت في مثل هذا اليوم من العام 1868، وتعددت الأقوال والآراء التاريخية والسياسية في مسيرتها، فما بين من يتهمها بالعمالة للمخابرات البريطانية وأنها كانت جاسوسة لمكتبة السادس البريطاني، وما بين من يراها "الخاتون" أم المؤمنين العراقية، أو ملكة الصحراء العربية، ووالدة العراق الحديث المنسية، فمن منهن كانت جيرترود بيل؟
يراها البعض من المؤرخين العراقيين الأكراد: "لو أمسك بها الأكراد لقتلوها ألف مرة، فقد وأدت حلم الكرد وشتت شملهم"، كما يرون أنها أخطر جاسوسة أهملها التاريخ، والمستشرقة التي لعبت دورًا خطيرًا في رسم حدود المنطقة العربية.
عرف العراقيون جيرترود بيل بالـ "خاتون" أم المؤمنين البريطانية، وتعرفها كتب التاريخ البريطانية بأنها "لورانس العرب" الفتاة، بينما كان أصدقاؤها يسمونها بـ "ميس بيل" الإصدار الأنثوي لـ "لورانس العرب".
ولدت جيرترود بيل في مثل هذا اليوم في إنجلترا لعائلة ثرية، تخرجت بامتياز في قسم التاريخ من جامعة أكسفورد، وانسلخت عن الطبقة الأرستقراطية البريطانية، وتوجهت إلى الشرق لتبني مجدها.
بدأت رحلة جيرترود بيل إلى الشرق الأوسط خلال انهيار الدولة العثمانية، فاستخدمتها بريطانيا لرسم خريطة الحدود العربية التي تركتها الدولة العثمانية مهلهلة، وكانت بدايتها من إيران التي كانت بوابتها للعبور إلى الشرق الأوسط، حيث كان خالها سفيرًا لبريطانيا في طهران، وقد سجلت رحلتها في إيران خلال كتابها "صورة فارسية".
دخلت جيرترود بيل إلى سوريا وفلسطين كعالمة آثار ومستكشفة، وكان أول أعمالها كتابها المعنون بـ "سوريا الصحراء"، ومن ثم اتجهت في العام 1913 نحو "حائل" في السعودية وهي تمتطي الجمال وتتعرف على القبائل العربية في هذه الصحاري وعلى شيوخها.
كان لمعرفة جيرترود بيل بأكثر من لغة من بينها العربية والفارسية والتركية، دور كبير في اختراقها للمجتمعات التي حلت بها، حيث نقلت تقارير دقيقة ومفصلة إلى بريطانيا عن حدود وجغرافيا المنطقة عقب الحرب العالمية الأولى.
جيرترود بيل راسمة الحدود العربية
على غلاف كتاب قديم بعنوان "ملكة الصحراء"، راسمة حدود الأمم، تظهر جيرترود بيل بين لورانس العرب وونستون تشرشل على ظهور الجمال، في لقطة تسجل وتعكس كيف ومتى بدأ ونشأ مصطلح تقسيم الشرق الأوسط، والذي تشكلت ملامحه مع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، والتي تنسب إلى وزير خارجية فرنسا فرانسوا جورج بيكو، ووزير خارجية بريطانيا مارك سايكس، وهي اتفاقية سرية وقعت بين فرنسا وبريطانيا لتقسيم منطقة الهلال الخصيب بين الدولتين العظميين حينها.
جيرترود بيل في القاهرة
رسم كل من بيكو وسايكس الحدود بين الدول العربية، لكن شخصين هما من طبقا بأيديهما هذه الحدود، ألا وهما لورانس العرب وجيرترود بيل، والتي التقت بـ لورانس العرب مرة ثانية في القاهرة عام 1915 وساعدته في تأسيس مكتب المخابرات البريطانية.
وفي العام 1909 استثمرت جيرترود بيل عملها ضمن بعثة أثرية في رسم خرائط للمدن العراقية، وجمعت المعلومات والتفاصيل عن العشائر والقبائل التي مرت بها، وزودت بريطانيا بها، حيث مهدت الطريق إلى الاحتلال الإنجليزي للعراق في العام 1918.
استقرت جيرترود بيل نهائيًا في العاصمة العراقية بغداد في العام 1914 لتبدأ في التنسيق والترتيب النهائي لاتفاقية سايكس بيكو، حيث تمكنت ونجحت في التغلغل داخل المجتمع العراقي، وتتقرب من الصفوة والعامة.
وقد اكتسبت جيرترود بيل حب الجميع في بغداد، لدرجة أن الأديب العراقي عبدالمجيد الشاوي أطلق عليها لقب أم المومنين، بينما لقبها عامة الشعب العراقي بـ"الخاتون"، نظرًا لأناقتها الملحوظة وحرصها على اكتساب حب ومودة الشعب العراقي.
وتعد جيرترود بيل المؤسس الفعلي للملكية الدستورية في العراق، كما يرجع إليها الفضل في تنصيب فيصل الأول ملكًا على العراق، والذي أصبحت مصدرًا لثقته المطلقة حتى وفاتها في العام 1926.