أصدقاء أحمد عبيدة يتحدثون لـ«الدستور» عن كواليس رحلة جمع ديوانه الجديد
يبدو أن الشاعر أحمد عبيدة ابن قرية العمار الكبرى والذي رحل عن عالمنا يوم 6 أغسطس عام 1974 عن عمر الـ34 عامًا، بطريقة مأساوية وغريبة على رجل منفتح على الحياة والشعر، فهو الشاعر الذي يجيد ثلاث لغات الإنجليزية والروسية والفرنسية، وكان من ضمن أبرز كوادر العمل الثقافي أو بمعنى أدق المؤسس للعمل الثقافي في قرية العمار الكبرى، كما أشارت "شوقية الكردي" أحد كوادر العمل الثقافي بقرية العمار الكبرى، وعلى عكس ما هو شائع بأن كتاباته فُقدت في حادثة الانتحار والتي أودت بحياته، كان لأصدقائه ومحبيه وتلاميذه من قرية العمار الكبرى رأي آخر في التقرير التالي.
تقول شوقية الكردي أحد كوادر العمل الثقافي وصديقة الشاعر الراحل لـ"الدستور"، إنه من الشائع أن كتابات الشاعر أحمد عبيدة فُقدت جميعها، بفعل الحريق الذي أودى بحياته، ولكن هذا عكس ما وجدناه، فهناك العديد من أشعار وكتابات "عبيدة" نجت من الحريق، ونجح جيران أحمد عبيدة في الحصول على أوراقه.
وتابعت الكردي، أن هؤلاء عرفوا قيمة تلك الأوراق واتصلوا بنا، وكان الكاتب الصحفي سعيد الشحات شاهدًا على هذا كوننا نعتبره أقرب لنا في حركة شباب العمار.
ولفتت الكردي، إلى أن رفقاءه قد نشروا ديوانه الأول بالعامية المصرية والذي جاء بعنوان "ربما يستيقظ النهر"، ونحن بصدد إصدار الديوان الثاني بالفصحى، وفكرنا أن نضم الديوانين، فكان من غير اللائق هذا، وتراجعنا ليكون الديوان الثاني بالفصحي الخالصة.
وعن الصعوبات التي واجهها رفقاء عبيدة في نشر أعماله الشعرية قالت الكردي: من ضمن أبرز الصعوبات التي واجهناها هي أن القصائد كانت بخط يده ومضى عليها ما يقرب من 45 سنة، جمعنا النصوص الشعرية، وكانت لدينا لجنة بالمراجعة والتدقيق ومحاولة فك المطموس من حروف أو كلمات غابت عنها.
وأشارت الكردي، إلى أن أحمد عبيدة نتاج حركة شباب العمار وهي حركة ثقافية وتنويرية، وفيه الطعم السياسي، وهو المعلم الأول والأساس وهو الوجه والثقافي للعمار، ونحن نخلد شاعرًا محترمًا وكبيرًا، وكذا نخلد حركة شباب العمار ونحن سعداء بأن هناك صالونًا ثقافيًا وحركة تنويرية إلى جانب أن هناك براعم تحفظ شعره وتردده في العديد من المنتديات.
فتحي إمبابي: نسيج من لغة رفيعة وشعر يتجاوز المعتاد
من جانبه يقول الكاتب الروائي فتحي إمبابي إن هذا هو الديوان الثاني من شعر أحمد عبيدة الذي يطلقه أصدقاؤه ومحبوه من قريته العمار تخليدًا لذكراه والذين لا يزالون يحفظون له عهد الوفاء والمحبة البالغة، ويجتمع أهل العمار رجالًا ونساء وشبابًا وأطفالًا على الحفاظ على أعظم أثر للإنسان، وهو ذكر طيب وكتاب يخلد حياته القصيرة التي انتهت بصورة مأساوية.
ويحتفظ رفاق عبيدة، بعشرات القصائد غير المنشورة بحرص ومحبة وكأنهم يحملونها في قرة عيونهم، وهذا أجمل ما يلقاه الإنسان بعد موته، وهو أن يكون له محبوه ومن يحفظون أثره.
وتابع أن من هؤلاء الصديقة المناضلة الكبيرة شوقية الكردي ابنة العمار ورفيق صبا الشاعر محسن شوقي زايد وابن العمار الشاعر عاطف الشاذلي وغيرهم الكثيرون والكثيرون.
وأشار إلى أن الديوان الثاني لأحمد عبيدة، يتجاوز فيه ثبت أشعاره المعروفة والتي سبق وأن ألقاها في الجامعات المصرية وإبان المظاهرات والاعتصامات التي أعقبت هزيمة يونيو 1967 ونشرها رفاقه من جمعية (أدباء الغد) لنجد أنفسنا (في هذا الديوان الجديد) أمام شاعر عملاق تناطح هامته كبار الشعراء، في هذا الديوان يصبح أحمد عبيدة خارج الزمن، حيث تخفت نبرة الصخب والغضب والصوت العالي لتحل دراما الحكمة، وفلسفة الحياة والطبيعة.
ويلفت إمبابي إلى أن البنية المعقدة للقصيدة وتراكيب الصورة وسطوة وقوة الاختزال من خلال أبيات اثنين وألفاظ أربع.. تجمع بين الحبر والعيون، أي الكتابة والبصيرة والوعي، وركوة النار، أي الثورة والنور والمعرفة ودفء الأصدقاء حول نيران المنقد للمسامرة والمحبة.
وفي قصيدة (الوردة العذراء) دراما العشق والأسر والحرية يرتفع عبيدة إلى الذرى العليا للغة الشعر، ليبني قصيدة من دراما العشق والأسر والحرية، فلوحة تلك القصيدة الفذة تتشكل من لغة موسوعية دالة، تحمل طاقة هائلة من لغة تجمع بين الفلسفة والحكمة والثقافات والعلوم الإنسانية، ورغم ذلك لا يتخلى الشاعر الفحل عن ارتباطه المتلازم بهويته كفلاح مصري تترصع القصيدة بعالمه الريفي الذي يعتز به بما يفوق الوصف، ليحقق تلك المعادلة الصعبة التي يرسب أمامها غالبية المثقفين والمبدعين، عندما يتفسخون أشلاء بين أكفان الأصولية، واهتراء التغريب.
يقول عبيدة في مقدمة القصيدة:عرجت إلى الروض عند السحر/ وقد غسله نورٌ غمر/ سرت زفزفات الريح/ كي تنثره بين كروم الضباب/ وتصغي.. وتصغي لناي المطر/ تحلب في الشروق ضرع الضياء/ فثرثر باللبن الأبيض/ وصب أباريقه في الطسوت/ فكان الغسق/ يرش حبيباته في الحقول..لغة شعرية عليا من العربية الفصحى، يعجز عن غَزلِها كثير من الشعراء، تبث في ثناياها أهازيج فلاح وروحه، وتحمل بنية من الصور الشعرية الخلابة.