«جبرتي» الأغنية الوطنية.. نقاد: عبد الحليم حافظ غنى للوطن مثل محبوبته
ارتبط اسم عبد الحليم حافظ بثورة ٢٣ يوليو، حيث مثلت أغانى عبد الحليم الوطنية سلاحًا شعبيًا يحمله كل فرد فى الوطن ما يقرب من25 عامًا. جسد بغنائه تجسيداً تلقائًيا مباشرًا حالة الصحوة العامة فى الحياة المصرية، فقدم "ما أمكن حصره" نحو 65 أغنية وطنية بمختلف المناسبات خلال مسيرته الغنائية.
“الدستور” التقت عددًا من النقاد لمناقشة الأغنية الوطنية للعندليب في ذكرى ميلاده الـ93 التي كانت خلال الساعات الماضية، حيث نشرت الجريدة أسبوعًا كاملًا للاحتفاء به.
من جهته، قال الناقد الفنى طارق الشناوى، عبد الحليم حافظ فى الأغنية الوطنية حالة لن تتكرر لأنه لم يكن وحده، فكان معه صلاح جاهين كشاعر وأحمد شفيق وكمال الطويل كمحلن، كانوا القوة الضاربة ومع الزمن دخل على الخط وتحديدًا بعد 1967 عبد الرحمن الأبنودى.
وأضاف فى تصريحات لـ"الدستور"، أن عبد الحليم كان يعبر عن مرحلة مؤمن بها ومؤمن بثورة يوليو وهو ابنها، فعام 1953 مع إعلان الجمهورية قيام يوسف بك وهبى، وقال فى مسرح الأندلس اليوم تعلن الجمهورية المصرية ويعلن أيضا ميلاد مطرب جديد فارتبط بها.
وأشار إلى أن عبد الحليم كان أمام ثورة كل فترة تعبر عن إنجازات حتى بعد الهزيمة، كان هناك فى روح مقاومة عبرت عنها الأغنية مثل "عدى النهار"، فى عز الانتصار كنا غنى السد العالى، مطالب شعب، يا جمال يا حبيب الملايين، وهكذا.
وأوضح أن الأغانى الوطنية وبالتحديد التي كان عنوانها عبد الحليم حالة استثنائية من أول ما غنى يا جمال يا حبيب الملايين وهذه كانت البدايات واستمرت المسيرة.
بينما قال أشرف غريب الناقد الفنى، ورئيس مركز التوثيق بدار الهلال، عبد الحليم مثله مثل أى مطرب يغنى دائمًا للملوك والرؤساء للسلطة عمومًا، فأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش كل هؤلاء غنوا لأنهم كانوا يعتبرون لو افترضنا حسن النية أن هذا نوع من التعبير عن الوطنية والحس الوطني، ومشاركة الناس في الجانب الوطنى في الغناء، ولو افترضنا سوء النية سنقول أن هذا نوع من التملق للسلطة والرئاسة ومؤسسة الحكم بشكل عام، فعبد الحليم مثله مثل غيره فعل هذا.
وأضاف في تصريحات لـ"الدستور" أن ما يميز عبد الحليم بعد ثورة 1952 أنه استطاع أن يجعل نفسه معادل غنائي للثورة، بمعنى أنه أصبح كما كان إنه المؤرخ للثورة بالغناء لدرجة أنهم يطلقون عليه اسم "جبرتي الثورة" فكان صوت الثورة وعبد الناصر ونظام الحكم في مصر بعد 52، ولا يوجد حدث وطنى أو قومى إلا وغنى له عبد الحليم فأصبح موجود وحاضر فى الأحداث الكبرى يغنى مثلا للمد الاشتراكي وعلى رأسها "بستان الإشتراكية، يغنى للعمال والفلاحين "صورة " يغنى لثورة الجزائر حتى في البعد القومى، يغنى للجيش المصرى العائد من اليمن" يا حبايب بالسلامة".
وتابع: فى عام 1967 قال "جاء النهار ناقدرش يدفع مهرها" فى أغنية "عدى النهار" وهو نفسه فى عام 1973 غنى " والنصر مهرك والعريس ابن البلد" يعنى المهر في 1967 ماحدش قدر يدفع ثمنه وهو الهزيمة، وفى 73 أعطاها النصر مهر، فهو منتبه جدًا لاختيار الكلمات رغم إنى الأغنية الأولى 1967 كلماتها من كلمات عبد الرحمن الأبنودى، والأغنية الخاصة بـ73 من كلمات محسن الخياط.
ونوه بأن عبد الحليم كان حريص على إن كل حدث موجود يعبر عنه بأغنية فأصبح المعادل الغنائي لكل فترة حكم جمال عبد الناصر، وكمل بعد ذلك فى السادات وهو الذي قال "عاش الرجال اللي عدوا القنال" فكان عنده القدرة والذكاء أن يكون موجود في الحدث السياسي وبالتالي وطنياته عايشة مع الحدث، وعندما نتذكرها نتذكر حدث فعندما نتحدث عن 67 لابد أن تطلع "عدى النهار"، وفى 73 لابد أن نتذكر أغنيات" لفى البلاد يا صبية" و"خلى السلاح صاحى" و"صباح الخير يا سينا" كل الأغاني هذه تاريخ مصر ممكن يتعمل من خلال صوت عبد الحليم.
وأكد على أن أغانى عبد الحليم قربت من الناس وعايشة في قلوبهم حتى الآن لأن عبد الحليم كان يغنى لمصر كما كان يغنى لحبيبته، فهو لم يحدث فواصل بين الغناء الوطنى والعاطفى، والفعل الثورى هو في حد ذاته قمة الرومانسية، عبد الحليم كان يغنى للوطن بمنطق الرومانسية الثورية بمعنى أنه يغنى بمنطق المحب لحبيبته مثل ما جاء أغنيات" صورة وبالإحضان ويا بلادنا لا تنامي"، نادر لما نجده متحمس مثلا "بحلف بسماها وبترابها" لأنها كانت بعد النكسة، وكذلك "خلى السلاح صاحي" فى حرب أكتوبر “لأنه يقول خلى السلاح صاحى فمش من المعقول أن يغنيها وهو هادىء، لكن فى المجمل كان يغنى للوطن كما كان يغنى لحبيبته مثل جبار وحبك نار وعلى قد الشوك”.
ولافت إلى أن هذه الأسباب جعلت عبد الحليم ناجح ومميز فى غنائه الوطني وهو مازال حيا حتى اليوم، وحالة عبد الحليم الغنائية كانت جزء من فترة كانت مصر تعيشها، فهذه المرحلة لن تعود مرة أخرى، وحالته لن تتكرر، وهناك فنانين يغنون وطني، ولكن بمنطق اليوم ومشاريع اليوم، فلا يوجد انتصارات ولا مد قومى، عبد الحليم كان جزء من حالة عامة كانت تعيشها مصر.
وقال: “كان العندليب حريص في كل مناسبة عيد الثورة يغنى أغنية جديدة، هذا بالإضافة إلى الأغنيات التي تغنى فى وسط موسم الأحداث، فهذا تراكم اغنيات جعلت عبدالحليم حاضر وموجود خلال هذه الفترة”.
وأكمل: "من الأغانى العالقة وأثرت في الناس من أغانى عبد الحليم الوطنية "بالأحضان" و"صورة" لدرجة أن الناس أصبحت تستخدم مفرادتها "كلنا عايزين صورة" واللي هيبعد عن الميدان عمره ما هيبان في الصورة، كانت موجودة في 25 يناير، واحلف بسماها وبترابها فهناك مغنيين كثر غنوها، منهم هانى شاكر ومجدى الرومي، وفى المناسبات التي تتحدث عن النكسة فلابد أن نجد “عدى النهار”، فهذه الأغانى موجودة فى الأذهان نتيجة استحضارها من الناس من وقت للتاني".
وأشار إلى أن ما أهم ما يميز عبد الحليم فى الأغانى الوطنية في ظل وجود أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب أن عبد الحليم كان عمريًا يناسب جيل الشباب وقتها، ولما قامت الثورة كان عمره وقتها 23 سنة، فكان مناسب للجيل الصاعد وقتها، فكان هو الذي يعبر عن جميع الشباب الذين عندهم طموحات عريضة كانت تغذيها الأفكار الثورية التي فعلها عبد الناصر مثل مبادئ يوليو وغيرها من العناوين العريضة التي كانت تخاطب بها الثورة الشباب.
وتابع:" فعبد الحليم وجد هوى عند الشباب وجيله فعبر عنهم، لكن أم كلثوم وعبد الوهاب كانوا أكبر سنًا وكان لهم جمهور الصفوة، فالمستمعين الخاصين بهما كانوا غير المستمع الخاص بعبد الحليم، وعبد الحليم وصل لهم بالأغنيات الرومانسية مثل جبار وعلى قد الشوك، ولما يغنى الأغاني الوطنية فله رصيد عندهم يخليه مجتذب آذانهم، فكان غير مبتذل".
من جهتها، قالت الناقدة ماجدة خير الله، عبد الحليم ارتبط ظهوره ببداية ثورة 23 يوليو، وكان ابن الثورة فعلا، وكان ظهوره مع أهم ملحنى الجيل الجديد وقتها محمد الموجى وبليغ حمدى وكمال الطويل، بالإضافة إلى لكلمات صلاح جاهين، فكان فريق أقرب إلى بعض بحكم النشأة وسنوات الظهور، فأحدثوا حالة فنية، وبالفعل عملوا أغاني لا تنسى ولها صدى حتى الآن مستمر.
وأضافت خير الله أن هذا الفريق كان عنده إيمان شديد بما يحدث فعبروا بشكل تلقائي وبصدق كبير وهذا وصل مباشرة للجمهور، ولم يتكرر أن هناك مجموعة من الموسيقيين يحضتون مطرب، وأشعار صلاح جاهين أيضا وكان عندهم نفس الأحلام، وكانت سنوات خصبة لانتعاش الأغانى الوطنية.
وأكدت على أن أغنية "قولنا هنبى وأدينا بنيان السد العالى" تعد الأغنية التي أثرت فى الناس، فكانت تتحدث عن مشروع حدث بع العديد من التحديات، فكانت الأغنية بها تجسد فرجة الانجاز العظيم والانتصار والتحدى.