رأس البر.. حكايات وصور نادرة من «مصيف النخبة»
إنتاج عمل سينمائي «ضخم» بلغة عصره يتطلب قصة جيدة أو حدثا توقف عنده التاريخ، وربما مكانا ترك بصمته في نفوس الجميع، والأخيرة كانت دافع إنتاج واحد من أفضل الأفلام الأسرية في السينما المصرية، «إجازة صيف».
الفيلم قدم قصة بلد وأهله، أغان شعبية واستعراضية، فريد شوقي وحسن يوسف ومحمود المليجي وزكي رستم ونيلي يتقدمون عددا كبيرا من نجوم الصف الأول حينها، محمد رشدي يطرب بواحدة من أشهر أغانيه «ع الرملة» على وقع خطوات وتمايل القديرة نجوى فؤاد، كل ذلك يخلق حالة فريدة، اندمجت مع بطل العمل الحقيقي، شاطئ «رأس البر».
مدينة «رأس البر» لم تكن مغناطيسا لرحلات الجامعات ومصايف الموظفين العائلية حتى سبعينات القرن الماضي، بل تخطته لأن تصبح مصيف الطبقة الأرستقراطية المفضل، وهو ما أظهرته صور قديمة للمدينة جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر الهدوء والمنتجعات الفخمة إلى جوار «الكبائن اللي على قد الإيد»، وزين كل ذلك صورة كوكب الشرق وهي تدلي قدميها في الشاطئ الأول ما قبل «المنتجعات المسورة»، وقبلها الزعيم جمال عبدالناصر متقدما مجلس قيادة الثورة على رمال شاطئ المدينة وملوحا للمصطافين، مبادلا مياه النهر الخالد والبحر المتوسط بضحكة عريضة، تلخص ارتباط المصريين بذلك الشاطئ ورماله.
كيف لمدينة رأس البر ألا تحظى بكل هذا الاهتمام، وهي من وقفت شاهدة على التقاء نهر النيل بالبحر الأبيض المتوسط في «منظر نادر» شكل جزيرة مثلثة رأسها منطقة اللسان وضلعه الشرقي نهر النيل والغربي البحر الأبيض المتوسط، وقاعدته القناة الملاحية لميناء دمياط.
تمتاز رأس البر بوجود عدد من المزارات الجميلة، من أهمها منطقة اللسان، وفنار رأس البر الذي شيد عند شاطئ البحر المتوسط ليرشد السفن ليلاً، والذي شهدت المنطقة المحيطة به تطويرا جعلها مزاراً مهماً، ومنطقة «الجربي» التي كانت تشهد قديماً الاحتفالات بمولد «سيدى الجربي» بالإضافة لكورنيش النيل.
«المصيف» وحتى ثمانينات القرن الماضي كانت تعني «رأس البر» لأم المصريين صفية زغلول، كوكب الشرق أم كلثوم، أسمهان، سليمان نجيب، يوسف وهبي، فريد شوقي، محمد الموجي، الشيخ محمد متولي الشعراوي، الكاتب محمد التابعي، الكاتب مصطفى أمين، الذين حرصوا جميعا على تسجيل لحظاتهم في رأس البر بالصور.
«جيزة دمياط» أصبحت «رأس البر»
كان العرب في القرون الوسطى يطلقون على هذه المنطقة «جيزة دمياط» أي «ناحية دمياط».
كانت رأس البر شاهدا على أحداث تاريخية مهمة تتعلق بالحملات الصليبية في عام 1169، إذ وصلت إلى ساحل دمياط أساطيل الصليبيين ونزلوا إلى البر في المنطقة، ثم حاصروا مدينة دمياط 53 يوماّ قبل أن يقاتلهم صلاح الدين إلى أن أجلاهم عن دمياط.
وفي يونيو عام 1218 وصل أسطول ضخم أمام رأس البر يحمل نحو 70 ألف مقاتل بقيادة جان دي برين، نزل إلى جزيرة دمياط وعسكر أمام المدينة 6 أشهر ودخلوها في نوفمبر 1219، وانتهت بخروج الغزاة من دمياط بعد أن قضوا فيها وعلى شواطئها 3 سنوات و4 أشهر.
وفي يونيو 1249، وقف أمام رأس البر أسطول كبير يحمل لويس التاسع وجيشه، نزلوا إلى المدينة وزحفوا حتى دمياط وعبروا الجسر واستولوا عليها، لينتهي ذلك الحدث بهزيمة الصليبيين وأسر لويس التاسع وجلاء الحملة عن سواحل رأس البر ودمياط.
ومع مستهل القرن التاسع عشر، وبعد أن تداعت أهوال الغزوات والحروب التي اجتاحت تلك الناحية الجميلة عاد إليها الهدوء وأقبل صيادو الأسماك والسمان بقواربهم وشباكهم يترددون على تلك الشواطئ.